السيمر / الجمعة 24 . 11 . 2017
وسام ابو كلل
الوطن أجمل شيء في وجود الإنسان، فعندما تقلع الطائرة متجهة إلى الديار المقدسة، أشعر بأني قد تركت قلبي في العراق، وأبقى اكابد الألم لحين عودتي، وكم ذرفت من الدموع وأنا أشعر بارتجاج الطائرة وهي تحط في مطار بغداد، وطني العراق يعني الكثير، يعني أني موجود ولي كيان محترم، يعني أني في مكان سيكون يوما عاصمة العالم، وطني العراق يعني علي والحسين عليهما السلام، يعني العباس ساقي العطاشى، يعني مرجعية أطاحت بأبشع مد همجي عرفه التاريخ.
الوطن أجمل ما في الوجود، ولكن بشروط الحب والجمال، فحب الوطن من الإيمان، ومن أهم ما في الإيمان قوة العقيدة التي تربط المؤمن بوطنه، فعندما قال سيد العراق:” إن من يضحي منكم في سبيل الدفاع عن بلده وأهله وأعراضهم فإنه يموت شهيدا”، استجابت الناس كالسيول، ولولا أن الجهاد كان كفائيا لضجت الأرض بالمتطوعين، إذن حب الوطن من الإيمان الذي يُستَمَد من العقيدة القوية، التي تجعل الروح رخيصة لأجل الأرض والعرض وحماية المقدسات، وما أعظمها من مقدسات.
الوطن يحبه من تمسك بعقيدة صالحة، بنفس الوقت ترى المنافقون يجوبون أرضه المقدسة طولا وعرضا، يعتاشون على خيراته، بل يمتصونها إمتصاصا همهم خدمة أنفسهم وتسخير كل موارد الوطن لمصالح خاصة ضيقة، فكم من منافق كنا نراه مواطنا صالحا، إغتنم الفرصة فتلوى بين اقدامنا كالقط وبصبص بذيله كالكلب فما إن حانت اللحظة إنقض علينا بسرعة الذئب وخسة الضبع لينهش عظمة الكتف ويفر بها إلى حيث الذلة والمسكنة، حيث لا وطن، كأنه لم يرضع حليبا ولم يشرب ماء أو ياكل خبزا.
الوطن ليس ورقة رسمية يضعون فيها صورتك ويكتبون إسمك، وفي موضع العلامات الفارقة يكتبون”بلا” ليتهم كتبوا عاق أو منافق والاجدر بهم أن يكتبوا خائن وطن، الوطن هوية تكتب بدم الشرايين على شغاف القلب، تؤطر بالضلوع وتحفظ في مآقي العيون، وليس ورقة تهمل في زاوية من مكتب يحوي اوراقا قديمة اتت الأرضة على بعضها، وإلتحفت الجرذان بالبعض الأخر، وإن صادفتك يوما تضحك بخبث وأنت تقرأ كلمة جمهورية العراق، وربما تقول باستهزاء: بقرة كانت حلوب، حان ذبحها.
الوطن قدس الأقداس، وإن كان بنظرك بقرة حلوب او دجاجة تبيض ذهبا، فهذا شأنك وقد نطقت بأخلاقك، الوطن بالنسبة لنا الأب الرحيم ونحن أبنائه البررة، أب جمعنا بأخوة يعجز عن كسرها أي طاغ أو متجبر، أب صلب لا يمكن تقسيمه، بأقوى أسلحة قوى الشر، ولا بخبث أقلام المعاهدات في دهاليز الظلام، طالما فيه رجال يقدسون تربته فيعفرون جباههم بها كل يوم، ويسقونها بدمائهم في كل حين، ورحم الله القائل: سقى الله أرضاً لو ظفرت بتربها، لكحّلت بها من شدة الشوق أجفاني.