الرئيسية / مقالات / مستقبل الاستقرار الامني والسلم المجتمعي في العراق بعد تحرير الارض

مستقبل الاستقرار الامني والسلم المجتمعي في العراق بعد تحرير الارض

السمر / الأربعاء 13 . 12 . 2017

د. ماجد احمد الزاملي

لا يختلف مفهوم الاستقرار السياسي عن العديد من المفاهيم في العلوم الإنسانية والسياسية بشكل خاص من حيث غموضه وتعقده وعدم وجود تعريف شامل له متفق عليه، ويُعد هذا المفهوم معياريًا فما قد يتسبب في استقرار جماعة ما قد يكون سببًا في عدم استقرار جماعة أخرى في الوقت ذاته، وتتركز أهمية مفهوم الاستقرار السياسي كونه يشكل مطلبًا جماعيًا، فمهما كان نوع ونمط النظام السياسي القائم في أي دولة من دول العالم سواء كان النظام ديمقراطي أم ديكتاتوري فإن مبتغى وهدف هذا النظام أو ذاك في أن يكون حكمه مستقرًا من أجل الاستمرار والبقاء.
تواجه ظاهرة الاستقرار السياسي في العراق مجموعة من المعوقات تأتي نتيجة لأوضاع وأحداث تشهدها الساحة العراقية وتختلف في عدد من جوانبها عن مؤشرات عدم الاستقرار السياسي المتعارف عليها، وتدفع هذهِ المعوقات صوب وجود حالة من عدم الاستقرار يعاني منها العراق، وتختلف حدتها بين الحين والآخر فما أن يحصل نوع من الاستقرار لمدة معينة حتى ينتكس هذا الاستقرار بأزمة أخرى أو حدث ما آخر.
الصراعات السياسية بين النخب الحاكمة والقوى السياسية المشاركة في العملية السياسية وضعف أو انعدام الثقة في ما بينها والتضارب في المصالح الشخصية والحزبية وتغليبها على المصلحة العامة والوطنية وعدم الاعتماد على قواعد التنافس واللعبة الديمقراطية واستشراء الفساد السياسي والإداري، كل ذلك أثر ويؤثر سلبًا وبشكل كبير على الاستقرار السياسي المطلوب في العراق.
داعش تنظيم ارهابي متعدد الأبعاد : عسكري، امني، فكري، وسياسي، ولذلك القضاء عليه يعني محاربته على جميع المستويات. والجانب الثقافي والعقائدي له اهمية كبرى. فخطاب داعش واحكامه يؤسس لها ويؤصلها باجتزاء نصوص من بعض آيات القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية. لذلك هناك مسؤولية كبرى تقع على رجال الدين وعلمائهم بالاجابة على طروحات داعش وتبيين تناقضها وتعارضها مع تعاليم الاسلام السمحة. ومن الملح توضيح ذلك للسبايا من النساء الايزيديات واهاليهن وغيرهن من السبايا اللواتي ارتكبت افظع الانتهاكات باسم الاسلام. وما لم يتحقق ذلك، تكون قد نشأت هوة كبيرة بين ابناء هذه المكونات والمسلمين تدفع باتجاه الافتراق والانعزال. ويعتبر ذلك جزء من عملية المصالحة. ومن آليات اعادة الدمج الاجتماعي وبناء جسور الثقة بين اهالي المناطق المحررة وابناء الانتماءات الاجتماعية الأخرى وتعزيز الثقة برغبة الحكومة الاتحادية في معالجة اوضاعهم والاسراع في اعادة بناء مدنهم المدمرة، الاهتمام بتشكيل فرق متطوعين للمشاركة في اعادة بناء وتأهيل المناطق المدمرة وتوفير الخدمات. هناك ثلاثة جهات تتولى عملية اعادة النازحين واعادة الاعمار هي : لجنة النازحين التابعة لوزارة الهجرة والمهجرين، صندوق اعادة اعمار المحافظات المحررة من داعش ولجان المصالحة الوطنية. والتنسيق شبه مفقود بين الاطراف الثلاثة كما انها تفتقد إلى خطة واضحة لعملها وللمشاريع الواجب تنفيذها، ومعايير وآليات دراسة وقبول المشاريع غير مطبقة كما ينبغي، ما يستوجب معالجة هذه النواقص لتأمين السرعة والنزاهة في التنفيذ.
ضرورة أن يكون للمجتمع العراقي دوراً في تجسير مفاهيم السلام والوئام الوطني على المستوى المحلي والعالمي في العمل على بناء قيم اجتماعية كجزء من إستراتيجية عمل المجتمع.
وبعد اعلان القائد العام للقوات المسلحة في العراق النصر النهائي على داعش والقضاء عسكريا على تنظيماته المسلحة ، نتطلع الى دور اكثر فاعلية للعراق على الصعيد الدولي والاقليمي وتعاون مع دول المنطقة وخصوصا الاردن لتحقيق الاستقرار في عموم المنطقة والمساهمة في حل الازمات التي تهدد امننا واستقرارنا جميعا ، وبناء علاقات متينة تقوم على اساس الاحترام لسيادة جميع البلدان وتوثيق الاواصر الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية والاقتصادية ، وتطوير مستوى التبادل التجاري والتعاون الصناعي والزراعي والاستثماري وسائر المجالات الاخرى ، وليكون الاهتمام المتبادل بالمصالح المشتركة وحق كل شعب في التطوير والبناء والتنمية ومصالحه الوطنية مرتكزا اساسيا في بناء منظومة العلاقات بين دول المنطقة ، اضافة الى تفعيل العلاقات بين الشعوب وفسح المجال للسفر والسياحة الدينية والثقافية والفنية والادبية لتعميق الروابط وتجنب الحروب والنزاعات وتحقيق السلم والاستقرار في المنطقة.
ولابد من مراجعة شاملة للوضع السياسي في البلد من مختلف الجوانب الحكومية والبرلمانية والقضائية ومؤسسات الدولة الاخرى والعلاقات بين الكتل السياسية والسياسات العامة للدولة والعلاقات الاقليمية والدولية ، ومعالجة الخلافات والمشاكل السياسية وما يرتبط بها من مشاكل الادارة والسلطة والصلاحيات وتوزيع الثروة وغيرها سعيا لتحقيق وحدة وطنية واستقرار سياسي وانسجام بين مكونات الشعب وقواه السياسية الممثلة لها ، ومن هنا لابد من طرح مشروع وطني عام وشامل للمصالحة الوطنية والمجتمعية والتسوية السياسية واعادة النظر في الدستور واجراء التعديلات اللازمة عليه واشراك كافة مكونات الشعب العراقي في تحمل مسؤولية استكمال بناء الدولة والحفاظ على النظام السياسي ومكتسباته والدفاع عن الوطن وحفظ مصالحه العليا ، وتتويج ذلك كله بعقد مؤتمر وطني موسع ينتج عنه وثيقة وطنية متفق عليها بين كافة الاطراف وتلبي طموحات الجميع.
ومن هذه المواقف والرؤى يمكن القول ان اهم وابرز الثوابت الوطنية للحكومة العراقية بعد تصاعد مستوى شرعية انجازها سياسيا وعسكريا، والى حد ما اقتصاديا، وبعد وصولها بالبلاد الى مرحلة جديدة لها ركائزها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، هي وحدة وسيادة العراق ، وتحقيق الاستقرار والسلم والمجتمعي. ومن هذه الثوابت يمكن وضع اهداف سياسية واقتصادية وامنية واجتماعية وثقافية تكوّن اطار للسياسات العامة للمرحلة المقبلة. عليه نرى ان اية مبادرات اميركية لابد ان تتوافر على ادراك للثوابت الوطنية العراقية لاسيما وان الهدف المعلن من تلك المبادرات هو تحقيق الاستقرار وتلافي الصدام المسلح. وبدون ذلك تبقى هذه المبادرات بعيدة عن ردم الفجوة بين الطرفين وتضعف من هيبة الدستور كعقد اجتماعي وحاكم بين الطرفين.

اترك تعليقاً