الرئيسية / الأخبار / المصارف الأهلية.. بوابة للفساد ومافيات تسيطر عليها لحد النخاع

المصارف الأهلية.. بوابة للفساد ومافيات تسيطر عليها لحد النخاع

السيمر / الجمعة 29 . 12 . 2017 — يشهد العراق ومنذ سنوات ظاهرة واسعة جدًا من الفساد المالي، ترتكز على المصارف الأهلية، فهي الممر والبوابة لغسل الأموال المشبوهة، وحدث هذا لأسباب عديدة، دفعت بالأمور لتتأزم كثيرًا، وتصبح بعض المصارف الأهلية شريكًا في الجريمة المنظمة.
ادناه مثال بسيط عن ما جرى في احد المصارف الاهلية وحالة الفساد التي وصلت الى اعلى سلطة فيها.

موظف عارض وتنهى خدماته
الشاب حسين، موظف صغير بمصرف أهلي في الكرادة، معروف بنزاهته، لا يقبل دينارًا حرامًا، مما جعل بعض الزملاء بالمصرف يتحاشونه، لتقاطعه مع تطلعاتهم داخل المصرف.
ولم تكن كل العمليات المصرفية تمر من أمام الشاب حسين، الا انه انتبه إلى أن موظفين بالصندوق تبدلت أحوالهم المادية، فكلاهما اشترى سيارة حديثة ثمينة جدًا، ومع أن راتبه ضعف راتبهما لكن لم يقدر على مجرد التفكير بالسيارة، ثم سمع مباركة الزملاء لهما لأنهما اشتريا بيوتًا جديدة، وهو إلى اليوم ساكن بالإيجار.
بقي يفكر الشاب حسين باللغز، فمن أين يأتون بالأموال وهم أغلب وقتهم في المصرف، لا عمل ثانٍ لهما، ولا ورث ورثاه، وانتبه إلى علاقتهم الحميمة مع أحد المحاسبين الذي تثار حوله الشبهات، في نهاية الأمر اكتشف وجود شبكة داخل المصرف، تستغل المصرف لأغراض غير شرعية ومشبوهة، عندها قدم معلوماته إلى الإدارة مع الأدلة، لكن في صباح اليوم التالي تم الاستغناء عن خدماته.

الأموال الضخمة المتحصلة من الفساد
من يشترك مع منظومة الفساد داخل أي مصرف، يحصل على أموال ضخمة جدًا تجعله يعيش حياة مرفهة.
فالمكاسب خيالية، وفي الأغلب يتم استقطاب الشخوص الضعيفة أو صاحبة سوابق بالجريمة، فتكون خير عون لهم.
وكشف مصدر مطلع لـ(سومر نيوز)، ان “شخصًا طرد من محل بقالة لأنه سرق الإيراد، وبحسب العلاقات توظف في مصرف، وتم تجريبه في أمور بسيطة (جرائم مالية صغيرة)، فنجح، فاطمأنت له شبكة الفساد داخل المصرف الأهلي، فأصبح عضوًا فعالاً في جرائم أكبر”، مشيرا الى ان “كل هذا يتم على حساب أموال الناس ومصالح الوطن”.
الخلل يكمن في غياب الدور الرقابي الحقيقي لكشف هكذا شبكات فاسدة، وعدم توفر بيانات تامة عن العاملين في القطاع المصرفي، والتي لو تواجدت لأمكن فرز العناصر الفاسدة من كبار الموظفين إلى الصغار.

إدارات فاشلة تقود المصارف
بحسب نظام العلاقات وسيطرة أصحاب رأس المال على المشاريع، أوجد طبقة من المدراء الضعفاء وعديمي الخبرة، ممن يمكن الإيقاع بهم، أو تجاوزهم، لضعف قدراتهم المحاسبية، أو لكونهم من تخصص بعيد عن المحاسبة، أي أن هنالك خلل في نظام التوظيف داخل المؤسسات الأهلية.
فلو كانت هنالك لوائح تلزم تعيين نوعية معينة من الإدارات، لأمكن إبعاد هذه الإدارات الفاشلة، وهنا نحدد مسؤولية البنك المركزي وديوان الرقابة، فكلاهما يمكن إن يزيل الفاشلين عبر لوائح ملزمة للمصارف.

ظاهرة تزوير الشهادات من دون متابعة
عامر، كان لصًا في عصابة، وسجن عامًا، لم يكمل تعليمه، كل ما يملكه الرابع الإعدادي، قام بتزوير شهادته ليتعين في أحد المصارف الأهلية، في منصب يحتاج أن يعين فيه فقط النزيه الأمين، وخلال سنة تحولت أموره إلى شيء خيالي، فمع أن راتبه لا يتعدى الخمسمائة ألف، لكنه اشترى بيتًا بمئتين مليون، مع سيارة وسفرات للخارج،
الفاسدون داخل المصرف، وجدوا في عامر خير معين لهم، فلو يتم طرد المزورين لما استفحل الأمر، لتتحول المصارف الأهلية إلى بؤرة للفساد.
كما اكد عضو باللجنة المالية العراقية ان “على المصارف العمل لإثبات صحة الأوراق الثبوتية المقدمة من كواردها، لحساسية عمل المصارف، خصوصًا أن الإرهاب يستغل البعض، لغرض غسل الأموال العفنة، فإن بقيت إدارات المصارف ساكتة عن المزورين فهي شريك للإرهاب”.

مطالب مهمة
هناك مطالب للمصارف الأهلية بعملية غربلة لكوادرها، وطرد كل من تثبت عليه جريمة التزوير، مع تثبيت قاعدة بيانات للموظفين، كي يتم حظر المطرود من أن يعمل في مصرف آخر، مع أهمية وضع الكفاءات في إدارة المصارف بشرط التخصص، والأهم تثبيت كشف ذمم للموظفين، كي يتم ملاحظة التغييرات سنويًا، لإجراء تحقيق بما يحصل من متغيرات كبيرة، كي يكون جسد المصارف الأهلية معافى من أي مرض خبيث.
كما ان على ديوان الرقابة تشديد المراقبة على المصارف الأهلية، وعملية غربلة كبيرة لما يحصل فيها من عمليات تلاعب وغش، فالإرهاب والجريمة لهما يد داخل أغلب المصارف.
ويقول عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية عبد السلام المالكي ، إن “اغلب الفواتير والسندات التي تقدمها المصارف الاهلية للحصول على العملة الاجنبية من مزاد البنك المركزي هي مزورة ولا تتطابق مع الواقع التي هي تمنح لها لأجل استيراد البضائع”، مؤكدا ان “اغلب هذه الاموال تهرب الى خارج العراق”.
ويوضح ان “هنالك بعض الاموال التي تذهب عن طريق التهريب تصل الى جماعات ارهابية لتمويلها ناهيك عن الاستنزاف المقصود لثروات البلد بغية تخريب الاقتصاد المحلي وصولا الى انهياره بشكل كامل”، داعيا الحكومة الى “اضافة بند داخل الموازنة ينظم عملية الاستيراد وإيقاف الاستيراد العشوائي واستيراد المواد الرديئة وإيقاف الهدر باحتياطي البنك المركزي”.
ويصف المالكي بعض المصارف الأهلية بـ “المافيات”، ويشير الى أنها “تحارب وتعمل على تشويه سمعة كل من يحاول استهدافها من خلال وسائل اعلام مشبوهة او شبكات عنكبوتية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ناهيك عن وجود حيتان فساد واحزاب متنفذة سياسيا توفر الدعم والغطاء لتلك المصارف بغية تنفيذ اهدافها بتدمير اقتصاد البلد”.
ويلفت المالكي الى ان “البنك المركزي عمل على وضع اليد والوصايا على بعض تلك المصارف المتلكئة لإعادة تأهيلها لكن بعض تلك المصارف عمدت الى نقل اموالها الى مصارف اخرى للعمل تحت مسميات مختلفة لتضفي عليها سمة القانونية على الرغم من انها تمثل بابا من ابواب الاحتيال”، متهما “أربعة مصارف أهلية بامتلاك أذرعا وهمية والسعي لضرب اقتصاد العراق”.

روتين وإفلاس
المواطن محمد نايف يقول ، ان “المصارف الاهلية لا تؤدي عملها بالشكل المطلوب اسوة بباقي دول العالم”، مبينا ان “هذه المصارف عاجزة عن تقديم القروض الكبيرة للمواطنين كشراء المنازل او تمويل مشروع استثماري”.
ويضيف ان “العمل الروتيني في عمل هذه المصارف هي نفسها ما موجود في المصارف الحكومية والذي يجعل المواطن يعزف على ايداع امواله فيها”.
سالم صالح يقول ان “ما تقدمه المصارف الاهلية هو فقط اغراءات مصرفية وهمية دون تطبيقها على ارض الواقع”، مؤكدا ان “اغلب المصارف الاهلية التي تمنح فائدة عالية للودائع سرعان ما اعلنت عن افلاسها ووضعت تحت الوصايا وبقي المواطن متحيرا في كيفية اعادة امواله”.
ويطالب صالح الحكومة والبنك المركزي بـ “منح الرخصة لهذه المصارف حين تكون قادرة فعلا على تقديم الخدمة للمواطن اسوة بباقي دول العالم لا ان يكون كلامها على ورق”.

الغاء المصارف الاهلية
وطالب عدد من المواطنين ، بإلغاء المصارف الاهلية، فيما اعتبر احدهم ان توزيع الرواتب للموظفين بالدولار من شانه خفض سعر الصرف في الاسواق المحلية.
وقال احد المواطنين ويدعى حسان كاصد ان “معظم المصارف الاهلية الموجودة في العراق لا تقوم بالأنشطة الاقتصادية المطلوبة من عمليات تمويل والاستثمار أسوة بباقي المصارف في دول العالم”، مبينا ان “هذه المصارف تعتاش على البنك المركزي للحصول على الارباح من خلال مزاد العملة الذي يجريه يوميا”.
وأضاف كاصد ان “هذه المصارف الاهلية هي مصارف صغيرة لا تمتلك الاموال الكافية لتنشيط التنمية الاقتصادية، وبالتالي فان البعض منها تلكأ في ارجاع الاموال المودعة لديه من قبل المواطنين”، مطالبا “البنك المركزي بدمج هذه المصارف او الغائها”.
من جانبه اعتبر المواطن محمد قاسم ان “الدولة لن تتمكن من السيطرة على سعر الصرف الا اذا قامت بتوزيع الدولار كرواتب للموظفين، اضافة الى مشاركة عدد محدود من المصارف الاهلية في مزاد العملة”.
وأضاف قاسم ان “بعض المصارف الاهلية في العراق لا تمارس نشاطها المصرفي وإنما تزاحم شركات الصيرفة في اعمالها ببيع وشراء الدولار بدلا من ان تقوم بعمليات التمويل والاستثمار ودعم القطاع الخاص”.
واعتبرت لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، أن سيطرة “المفسدين على عمل أغلب المصارف هو أحد أسباب تلكؤ تلك المصارف واعتمادها على مزاد بيع العملة لاستحصال الواردات والأرباح وعدم قدرتها على دعم الاستثمار.

ارباح فاحشة
وكشف عضو اللجنة المالية النيابية هيثم الجبوري، عمّا وصفها بـ”ارباح فاحشة تحققها المصارف الأهلية عبر نافذة بيع العملة في البنك المركزي”، مشيرا إلى “حصول تلك المصارف على نصف مليار دينار يوميا عبر النافذة”.
وأكد أن “احتياطي العراق المالي خسر 33 مليار دولار خلال نحو عامين”، لافتا الى ان “الفساد في نافذة بيع العملة يحدث في المصارف التي لا تبيع بنفس السعر المتفق عليه مع البنك المركزي حيث يحصل البيع بأكثر من 90 نقطة”.
وتابع ان “كل مصرف يصفي عبر النافذة أكثر من نصف مليار دينار يوميا”، موضحا ان “ذلك لا يسمى غسيل أموال وإنما تهريب عملة”.
وتابع أن “المصارف تستغل الربح الفاحش وهذا يعد مخالفة قانونية لأن أغلب الفواتير التي تسلم إلى نافذة بيع العملة للحصول على الدولار هي مزورة وقلنا ذلك مرارا وتكرارا”، مشيرا إلى أن “احتياطي الدولة العراقية انخفض من 80 مليار دولار إلى 47 مليارا منذ عام 2014، وهذا يعني أننا خسرنا 33 مليار دولار بسبب الانخفاض الكبير في أسعار النفط ونافذة بيع العملة”.
وعلى الرغم من أن المصارف تعد واحدة من أهم مقومات النهوض بالواقع الاقتصادي للبلد، لاسيما فيما يتعلق بدعم مشاريع البناء والإعمار، وهذا ما تشهده دول العالم وحتى دول الجوار للعراق، الا أن المصارف الأهلية في العراق التي تمارس عملها حاليا والبالغة أكثر من 44 مصرفا عراقيا و15 مصرفا عربيا وأجنبيا هي مصارف صغيرة ذات رأسمال محدود، وغالبا ما يغلب عليها الروتين والفواتير المزورة والإفلاس ومجالات عمل محدودة وتكاد تقتصر على مزاد العملة الأجنبية.

سومر نيوز

اترك تعليقاً