السيمر / الأحد 18 . 03 . 2018 — فجر رئيس الوزارء العراقي وزعيم قائمة النصر الانتخابية مفاجئة من العيار الثقيل في كلمة له في احتفالية يوم الشهيد التي يقمها تيار الحكمة الوطني بزعامة السيد عمار الحكيم، عندما اعلن انه يؤمن بمشروع توافق “الاكثرية السياسية”، ويرفض مشروع ” الاغلبية السياسية”، وبالرغم من عدم وجود فاصل بين الاكثرية والاغلبية في المعنيين الا ان قيد “التوافق” الذي استخدمه العبادي قبل الاكثرية قد وضح معناها وميزها عن مثيلتها الاغلبية.
ولعلها بداية انتخابية مشجعة وهامة فالعبادي ابتدأ من الاخير من حيث اراد ان يُعرف بنفسه وفكره وانجازاته واراد ايضا ان يؤكد على ان مشواره مختلف تماما عن مشوار الغالبية السياسية الذي يرفعه الامين العام لحزب الدعوه نوري المالكي وهو شعار حملته الانتخابية العام والواسع..
مدرستان في الحزب…
بيان العبادي رأيه في طبيعة شكل الحكم القادم كان من الاهمية بمكان بعد ان امتنع العبادي تقريبا من تناول هذا الموضوع سابقا بصورة صريحة، وبعد ان اصبحت عملية التشكيلة القادمة للحكومة من حيث الاساس مهمة يتحدث عنها الجميع، ومع ايمان البعض الاكيد بنظام الغالبية السياسية والتي يعني ان تشكل الحكومة وفق رؤية 50+ 1 من اصوات البرلمان، والترويج لها لدرجة ان الايمان بهذا النظام قد عم جميع الاطراف بالرغم من درجة اختلاف بسيطة في تعريف الغالبية او كيفيتها، الا ان طرحها اصبح المشروع المسلّم به خلال الفترة الماضية اذا ما استثنيا الكرد الذين لم يربحوا بها علنا،
جاء اعلان العبادي عن رأيه مختلفا مركزا على مشروع “توافق الاكثرية” او حسب تعبير “الاكثرية السياسية” المحصورة بين “اقصى اليمن المتطرف حيث المحاصصة الكلية الى اقصى اليسار المتطرف حيث الغالبية القهرية” التي تأتي بمجموعة للحكم وتجلس مجموعة اخرى في دكة المعارضة، فيكون تعريف الاكثرية السياسية هو تشكيل الحكومة من اكبر عدد من الاطراف الكبيرة التي تريد المشاركة دون الوصول الى مرحلة المحاصصة الكلية، ولا سيما وان هذه المشاركة لن تكون على طريقة طائفية او قومية وانما بطريقة المشاركة الحزبية مثلما فعل العبادي عندما طلب من المنتمين لقائمته في المشاركة باسمائهم لا باحزابهم فهو يؤمن بتشكيل حكومة اكثرية من احزاب عراقية وليس قوميات ومذاهب وشرائح كاملة.
هنا اراد العبادي ان يُلقي مشروعان في الساحة السياسية لكن منبعهما ومصدرهما واحد وهو حزب الدعوة، وهما مشروع الغالبية السياسية الذي يتبناه المالكي، ومشروع توافق الاكثرية الذي يتبناه العبادي، ويترك حرية الاختيار للاخرين مابعد الانتخابات واثناء تشكيل الحكومة العراقية..
لكن لماذا اختار العبادي مشورع “توافق الاكثرية” بالتحديد؟.
1 ـ ان العبادي يدرك ان الغالبية السياسية هي اصل الديمقراطية لكن دعاتها حاليا اغلبهم يطرحونها بشكل يلائم متبنياتهم في نجاح مسعاهم في تحقيق نتائج انتخابية جيده ثم التحالف مع اصدقائهم او حلفائهم الاخرين لتشكيل غالبية تقصي كل من يختلف معهم وبما ان السلطة في العراق هي المدخل للسياسة فمن يشكل الغالبية يمكن ان يبقى متجدرا بالسلطة لسنوات طويلة فيما الجالس على مقاعد المعارضة ينتظر حظه العاثر نادبا نفسه ومستقبله السياسي، من هنا اراد العبادي ان يقول للآخرين بان المدرسة الحزبية الدعوية فيها اكثر مشروع وان مشروعه التوافقي يمكن ان يستوعب اكبر عدد من الفرقاء بدون ان يجلسهم خارج اطار الحكومة ولكن حتماوفقا لشروطه وطنية كلية.
2 ـ واضح ان العبادي، اراد ان يؤكد للجميع ان الشراكة او التوافقية فشلت مع من هم قبله، ولم تفشل معه، وان لم تكن حققت نجاحا باهرا ايضا، وان نموذجه خلال السنوات الماضية والذين عملوا معه من الوزراء السنة والكُرد وغيرهم قد كان ادائهم التوافقي مقبولا وانه قد صدرت من حكومته التوافقية انجازات لم تتحقق في احسن لحظات توافق الحكومات السابقة، وبالتالي فهو اراد ان يتحدث عن مسيرة حكومته ونجاح التوافق الوطني فيها بدرجة مقبولة يمكن ان يكون طريقا لنجاح حكومة توافقية لاحقة بدرجة اكبر، والاهم ان العبادي ينظر الى ان الحكومة القادمة حكومة بناء واعمار ومحاربة فساد وتراضي وهذا مايحتاج الى اكبر قدر من الاستيعاب وليس الاستبعاد.
3 ـ العبادي رئيس الحكومة والرجل التنفيذي الاول في العراق وهو مطلع على جوهر الاسرار ويعرف بان المسيرة القادمة لايمكن لها ان تختزل بالغالبية السياسية وان ميل اغلب الاطراف سرا وداخليا هو نحو التوافق الناجح او توافق الاكثرية وان كان يولد اقلية جدا في المعارضة، وعليه اراد ان يريح جميع الاطراف ويؤكد لهم انه في حال بقائه على كرسي الوزارة الثانية فأنه سيميل الى اشراك اكبر عدد من الفرقاء الكبار المتخوفين جدا من الانتخابات الحالية من انها ستخرجهم خارج دائرة النظام مستقبلا.
4 ـ اراد العبادي بذكاء ان يكسب اعجاب جميع الكتل والشرائح حتى بضمنهم تيار دولة القانون فيما اذا لم يفز او تراجع بأنه ليس مع كسر الاخرين سياسيا او حكوميا وبأنه سيكون منفتح ومتفاهم وغير ميال لابعاد الاخرين قسرا او عنوة وانه يفكر في تشكيل حكومة اكثرية مريحة وفقا لشروط وطنية، فهو على العموم اصبح كشخصية وكسياسة مثل الكتاب المفتوح امام الجميع خلال الاربع سنوات الماضية وان من يريد التعامل معه على اساس الاكثرية ان يضع في حساباته طريقة العبادي في ادارة الحكومة الحالية ويتفاعل او ينسجم معها.
5 ـ بكل تأكيد اراد العبادي ايضا ان يرسل رسائل خارجية مهمة لكل الدول التي تعنيها الانتخابات العراقية، امريكا وايران وتركيا والاردن والسعودية، كلها متخوفة بدرجة ما من صورة نظام الحكم القادمة ولعل تخوف بعضها يدفعها نحو المشاريع القاسية لكي تربح موقعا دفعت من اجله الكثير، فتأتي تصريحات العبادي كرسالة تطمين وتفاهم بانه لا داعي لمشاريع المؤامرات او مشاريع الخشونة والتخوف والتدافع القاسي وانه كمرشح سيفكر بطريقة تجعل الجميع يرضى ويتعاون بعيدا عن مشاريع الاغللبية المناسب للديمقراطيات الغربية وليس للوضع العراقي.
بهذه الطريقة حول العبادي نفسه من رئيس وزراء صاحب قائمة انتخابية الى صاحب مشروع نظام حكم قادم على الاخرين ان يتفاعلوا معه وينظموا اليه في مقابل مشروع آخر يعبر عنه بالغالبية السياسية.
الموقف السياسي