السيمر / الثلاثاء 27 . 03 . 2018
محمد علي زيني
تنفجر قنابل دعائية تعمي الأبصار وتصم الآذان هذه الأيام. إنها تتحدث عن إنشاء شركة نفط وطنية عراقية عملاقة عامة ستضع كل نفط العراق بالجيب. فهي المالكة لكل شيئ يتعلق بنفط العراق كما أشار لذلك مؤخراً بعض خبراء النفط العراقيين الوطنيين. وإن حاصل بيع النفط والغاز العراقي إنما هي إيرادات مالية خاصة بالشركة. كما أن بإمكان هذه الشركة أن تفعل ما تريد وتلتهم ما تريد. فمجلس إدارة هذه الشركة يملك صلاحيات أعلى من كل ما يملكه مجلس الوزراء ومجلس النواب وجميع مؤسسات الدولة الأخرى. إن هذا المجلس هو الذي يوصي كم من واردات الشركة سيخصص لتمويل ميزانية الحكومة السنوية. كما أن قانون الشركة يجيز لها صلاحيات حكومية صرفة كإنشاء صناديق “المواطن” و”الأجيال” و”الإعمار”، ويسمح للإقليم بالإحتفاظ بعوائد النفط والغاز المنتجج بداخله، وذلك بخلاف ما يتم العمل به حالياً.
الله أكبر! هل أن هذه الشركة “البعبع” مجرد هلوسة تمر بأذهان شريحة مشبوهة معينة من العراقيين؟ أم هي مجرد أحلام وردية يتمناها البعض من النفطيين العراقيين وكذلك شركات النفط الأجنبية وأمريكا وإسرائيل (بالطبع) لتجريد الشعب العراقي المنكوب من آخر ما تبقى له للإعتياش عليه وهي الموارد السنوية من النفط؟ أم لربما هي بالون إختبار لدراسة الآراء وردود الأفعال التي ستصدر بهذا الشأن؟ أم هي مجرد نكتة فاقعة؟ على أن مهما كان الأمر فإني أتخيل بأن الشعب العراقي الأبي سينهض نهضة واحدة صارخاً بالوجوه الكالحة المهيّجة لمثل هذه الطروحات الخيانية “إخسأوا أيها الفاشلون! إن الذي تفكرون به وتتمنوه إنما هو وهم لا يمكن أن يخرج الا من رؤوس مجانين، ، فقدوا رشدهم، فقدوا عقولهم، بل فقدوا آخر ذرة من وطنية يتبجحون بها”.
كلا بالطبع وألف كلا! لا نريد للشعب العراقي الشهم الكريم النبيل أن يعيش مسلوباً هكذا. نريده أن يكون المالك الوحيد لثرواته كافة، غير المنقولة منها والمنقولة كذلك. نريد شركة نفط وطنية ملكاً للشعب وتأتمر بأمر الشعب وتعمل لمصلحته. نريد أيضاً شركة غاز وطنية على منوال شركة النفط الوطنية المنشودة من حيث العائدية والإدارة. نريد من شركة الغاز الوطنية هذه أن تستغل الغاز العراقي للبدئ بثورة صناعية محلية مادتها الغاز الرخيص بطبيعته باعتباره ناتجاً عرضياً مع النفط، ليكون هذا مصدراً رئيسياً لتوليد الطاقة الكهربائية ومادة أولية للصناعات البتروكيمياوية والكيمياوية، مستغلين بذلك مزاياه العديدة من بينها رخصه قياساً بالنفط ونظافته لكونه أقل تلويثاً للبيئة كما هي الحال مع مصادر الطاقة الهايدروكاربونية الأخرى.
نريد التخلص من شركة غاز البصرة المشبوهة الناتجة عن الشراكة الغبية الحمقاء مع شركتي شل ومتسوبيشي لاستغلال غاز الجنوب وتسييله وتصديره الى الخارج فيما الغاز العراقي يحرق الفائض منه هدراً، بملايين الأقدام المكعبة يومياً من جهة، ثم تقوم السلطة باستيراد الغاز الإيراني من جهة أخرى. أية إدارة غبية هذه، لكي لا أقولنّ إنها إدارة فاسدة بالعمد!
خلال استقصاء سريع قام به كاتب هذه السطور، تبين منه أن دخل الحكومة العراقية خلال العشر سنوات 2004-2014 بلغ، تخمينا، نحو 750-800 مليار دولار، علماً أن 95% تقريبا من تلك الأموال جاءت من الصادرات النفطية، أي كونها ريعية، أي أنها “غير متعوب بها”. وإذا افترضنا أن معدل الميزانية السنوية هو 40 مليار دولار لمواجهة الرواتب والأجور والتقاعد ومصاريف أخرى متفرقة (وهذا ما يدعى بالميزانية الإعتيادية) لوجدنا أن الفائض عن الحاجة سيبلغ نحو 350 الى 400 مليار دولار خلال فترة العشر سنوات المذكورة.
من المفترض أن هذه الأموال الفائضة ومقدارها نحو 450-350 مليار دولار ستكون من نصيب الميزانية الإستثمارية، ولكن ماذا حدث لهذا الإستثمار، وأين هي آثاره بحق السماء؟! هل توزعت الإستثمارات المفترضة على التعليم وبناء المدارس والصحة وبناء المستشفيات؟ أو بناء البنية التحتية المتهرئة ومنها بناء طرق جديدة وإصلاح القديم منها؟ أوصيانة المجاري وتأسيس مجاري جديدة حسب الحاجة؟ أوتوفير مياه صالحة للشرب لشعب تتزايد نفوسه باستمرار؟ أوتوفير الطاقة الكهربائية وهي أساس الحركة في البلاد؟ أو العناية بالريف ومواجهة احتياجاته المختلفة؟ أو بناء القطاع الزراعي ومشاريع الإرواء باستغلال التقنيات الجديدة؟ أو النهوض بالقطاع الصناعي على شاكلة القطاع الزراعي؟ أومعالجة مشكلة القطاع العام الفاشل؟ أو القضاء على البطالة المتفشية والتوقف عن تكديس الموظفين والعمال في جهاز الدولة، وتلك بطانة مقنعة بامتياز؟ وماذا عن الخطط الخمسية وما الذي جرى لها وما هو الذي تم تنفيذه منها؟ أليس العراق الآن، بفضلكم أيها السادة المسؤولون، قاعاً صفصفا؟
كل تلك الأمور مسكوت عنها من قبل المسؤولين أو أنها منسية (أو ربما مكنوسة تحت البساط). ثم جاءت داعش والحرب على داعش وضرورة نسيان كل شيئ حتى يتم تطهير البلاد من داعش، وكأنما فكرة القتال بيد والبناء باليد الأخرى لا وجود لها إلا لدى الأمم المتقدمة! وكأنما سواعد الشباب خلال الحرب على داعش، وحتى قبل الحرب على داعش، قد تم استنفاذها ولم يبق حتى واحد من العراقيين عاطل عن العمل، وكأنما جيوش العاطلين عن العمل من الشعب العراقي خلال كل هذه السنوات العجاف إنما هي جيوش وهمية لا وجود لها!
فيما الحقيقة المرة الصادمة أن “الأفندية” المتنعمين الجالسين على كراسي السلطة كل هذه السنوات العجاف هم الذين سرقوا أموال الشعب! بل، وكما يبدو، أنهم يريدون التمدد أكثر وأكثر على كراسي السلطة وكأنما الدمار الذي نشروه في العراق وشعبه لم يكفهم بعد. أنظروا الى شروط سانت ليغو المقترح تطبيقها في دورة الإنتخابات النيابية القادمة وماذا يريدون من ورائها. إنهم يريدون التمسك بالسلطة حتى بطرُق البهتان. فطريقة سانت ليغو المفروضة الآن للتطبيق إنما تفضل الكتل الكبيرة. إن القطط السمان مازالت متمسكة بمقاعدها. يالها من فضيحة!
لم يبق لنا إلا أن نطالب الشعب العراقي النبيه أن يحاصر في الإنتخابات القادمة سلوك هذه الحكومة الذي أقل ما يقال فيه أنه مشين، ويخمد مقاصد السلطة العفنة بمكانها.