السيمر / الجمعة 20 . 04 . 2018
د . صالح الطائي
كان والدا متزمتا قاسيا على أولاده، يحاسبهم إذا أخروا أداء الصلاة بضع دقائق، وكان يئمهم في أوقاتها، ويلقي عليهم المواعظ. لم يكن مسموحا لأحد منهم أن يتأخر عن العودة إلى البيت لأداء الصلاة جماعة. وحينما يرضى عن أحدهم، كان يطلق قهقهة مدوية فريدة، تشعرهم بالرعب والخوف لا بالرضا.
كانوا من جانبهم، يتنازلون عن كثير من طموحهم احتراما وإرضاء له، مع أن عبادتهم كانت صورية، وأعمالهم خارج المنزل يمكن وصفها بالسوقية، حيث ارتياد البارات ومعاكسة الفتيات. وحفاظا على مسافة الأمان مع والدهم، كانوا يختارون بارا في أقصى المدينة ليقضوا فيه ساعات مرح مع أصدقائهم، أما الجلسات فكانت متباعدة تحوطا وحرصا، بل خوفا من اكتشاف والدهم حقيقتهم التي يعتبرها مخزية. وحتى اختيارهم للأيام والأوقات كان دقيقا، فهم يعرفون أن والدهم يخرج يومي الاثنين والخميس بعد صلاة المغرب إلى المقهى ليقضي بعض الوقت مع أصدقائه، ولا يعود إلى البيت إلا بعد منتصف الليل، ولذا اختاروا عصر يومي الأحد والأربعاء للذهاب إلى البار مع رفاقهم.
وخلافا لعادتهم كان يوم الخميس ربيعي النسيم، شجعهم على اتخاذ القرار بسرعة، متعللين أن الوالد سيكون مشغولا في المقهى مع أصدقائه، فذهبوا سوية إلى البار المعتاد بعد خروج والدهم، وهناك بدأوا يتناولون الشراب بسرعة، للخروج قبل أن يراهم من ينقل الخبر إليه. كانت الخمرة قد لعبت في رؤوسهم، وبانت عليهم آثار السكر والنشوة إلى درجة التمايل، آملين أن يخرجوا من حالة السكر قبل وصولهم إلى البيت، وقبل عودة الوالد، وإذا بتلك القهقهة المدوية تنطلق في أرجاء البار مزلزلة، التفت أحدهم والرعب باد على وجهه ليرى والده جالسا غير بعيد عنهم، وأمامه كمية من القناني المختلفة، وبيده كأسا مملوءً، ويربت بيده الأخرى على كتف صديقه الجالس بجنبه، فتسمر الولد في مكانه، أما الابن الأخر فكان يتحسس البلل تحته، ورجلاه لا تقويان على حمله.