السيمر / السبت 21 . 04 . 2018
د . ماجد احمد الزاملي
ان الغموض الذي يُحيط بمستقبل أسعار المواد الغذائية، التي ارتفعت أسعارها العالمية ثلاثة أضعاف في الأعوام الخمسة الماضية، يسعى البرنامج العالمي إلى تحسين مستويات الأمن الغذائي والحد من الفقر بتقديم التمويل المُوجَّه للقطاع الزراعي في البلدان المنخفضة الدخل. ويتصدَّى البرنامج لهذه التحديات، حيث قلة المعونات التي يتم تقديمها في عمليات الطوارئ والجهود المبذولة لزيادتها ، من اجل تحقيق تنمية دائمة تؤدي إلى تحوُّلات جوهرية على المدى الطويل. يتحقق الأمن الغذائي عندما يتمتع البشر كافة دائما بفرص الحصول، من الناحيتين المادية والاقتصادية، على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي حاجاتهم الغذائية لكي يعيشوا حياة سليمة. يتأثر الجميع بنوعية الغذاء وتوفره، بدءا من منتجي الغذاء وانتهاء بمستهلكيه ولكن بعض الأشخاص يتأثرون بذلك أكثر من غيرهم منهم على سبيل المثال الأطفال والأشخاص الذين يعانون من الفقر وذوي الاحتياجات الخاصة الذين يرجح معاناتهم من انعدام الأمن الغذائي نتيجة لعدم تمكنهم من الوصول الى الطعام الكافي المغذي. ويمكن لانعدام الأمن الغذائي على نحو مستدام ومزمن أن يمارس تأثيرات سلبية عديدة على مجتمعنا واقتصادنا وأنظمتنا السياسية. وهناك بضعة أسباب تجعل من الأمن الغذائي قضية مهمة لجميع الناس. أن التكثيف المستدام للزراعة يقتضي زيادة الاستثمارات المالية في الحيازات الصغيرة وتمكين أصحابها من التواصل على نحو أفضل مع القيمة الغذائية, ويعني ذلك تضافر العمل بين منظمات المزارعين ومنظمات الأعمال الزراعية (الكبيرة منها والصغيرة على السواء)، من جهة، والحكومات، من جهة أخرى، في شراكات تجمع بين الناس والقطاعين العام والخاص تعمل وفقاً لمبادئ متفق عليها، من بينها تشجيع الاستدامة البيئية، وتحسين سبل الكسب بالنسبة لأصحاب الحيازات الصغيرة، والإسهام في تحقيق نتائج أفضل من الناحية الغذائية. ويعني ذلك أيضاً ضمان وصول المزارعين إلى نظم إدارة المخاطر القائمة على السوق (من قبيل التأمين على خسائر المحاصيل نتيجة للأحوال الجوية القاسية أو الأمراض). و إنشاء شراكات في العديد من الدول ، عن طريق الاستثمار في الممرات الاستراتيجية . ان التشجيع على إنشاء شراكات قطرية بين القطاعين العام والخاص في كل من المكسيك وإندونيسيا وأيضاً في تنزانيا وفييتنام، من خلال مبادرة المنتدى الاقتصادي العالمي المتعلقة برؤية جديدة من أجل الزراعة. لو تم تنفيذ المخططات الرئيسة في الاستراتيجية المذكورة بصورة عملية، فستتجه دول الخليج شيئاً فشيئاً نحو الاكتفاء الذاتي، صحيح أن الأمر يتطلب وقتاً، لكن الصحيح أيضاً، أن التنفيذ الجيد سيختصر الكثير من الوقت. وإذا ما أخذنا في الاعتبار التطور الهائل في مجال الموانئ والنقل الذي تشهده المنطقة، فلن تكون هناك صعوبات في إنشاء مرافئ خاصة للنقل والتخزين، ولا سيما للواردات الآتية من خارج المنطقة. وعندما تضع الاستراتيجية ضرورة التعاون بين القطاعين العام والخاص في هذا المجال، فإنها في الواقع تؤسس لمشاركة وطنية هائلة القيمة والأثر، وتفتح آفاقا زراعية متجددة، لتحقيق الأمن الغذائي لكل دول مجلس التعاون.
تواجه معظم الدول العربية نقصا بالمياه و بالأراضي الصالحة للزراعة، مما يجعلها عرضة للتقلبات الحادة في أسعار السلع الزراعية والأغذية ووضع أسواق السلع العالميّة بالإضافة إلى التغير المناخي. تستورد البلدان العربية 50 بالمائة على الأقل من المواد الغذائية التي تستهلكها، لذا، يجب التطرّق لموضوع الأمن الغذائي بفائق الأهميّة. ، يشكّل الأمن الغذائي أولوية إقليمية وينبغي التطرّق له من جانب إدارة المعرفة باشراك مختلف الشركاء المعنيّين. عرف العالم ابتداء من منتصف الثمانينات أمنا غذائيا نسبيا بسبب تزايد استخدام الكيماويات في الزراعة الحديثة. إلاّ أنّ تزايد الإنتاجية الزراعية بهذه الطريقة جلب مخاوف كثيرة للمستهلكين، وبدأ الحديث عن طريقة جديدة لزيادة الإنتاجية أكثر أمانا لصحّة الإنسان كالزراعة البديلة أو الزراعة العضوية. هناك الكثير مما يمكن أن تفعله الحكومات في منطقة الشرق الأوسط لتحسين الأمن الغذائي لشعوبها. والأهم هو أنها في حاجة إلى تحسين سبل وصول الناس إلى الغذاء بأسعار ميسورة دون ربط الموارد التي يحتاجها الناس بعيشهم حياة صحية أو إنتاجية. فإذا كان الناس منتجين وفي حالة صحية جيدة فإنهم سيساهمون أكثر في المجتمع. و بشكل خاص في المناطق الريفية حيث يعيش أغلب الفقراء بمنطقة الشرق الأوسط. وهناك خطر كبير ناجم عن التركيز فقط على الزراعة بدلا من تنمية ريفية أكثر تكاملا تساعد الناس على تأمين وظائف إنتاجية جيدة في قطاع الزراعة وفي قطاعات أخرى. أن إقامة قطاع زراعي متطور ومنتعش سيساهم في المزيد من الاستثمارات التي تساعد الناس على القيام بأشياء أخرى غير الزراعة. وبهذه الطريقة تزيد إنتاجية العامل في الزراعة وتتحسن مستويات المعيشة في الريف. ويتمثل القلق الرئيسي الآخر الذي ينبغي التعامل معه في التعرض للتقلبات في أسعار المواد الغذائية بالأسواق العالمية. وليس هناك من سبيل للالتفاف على حقيقة أن بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستحتاج إلى شراء جانب كبير- ومتزايد- من غذائها من الأسواق العالمية. ويكمن الحل في إدارة هذا التعرض بطرق جديدة ومبتكرة للحد من الصدمات المحتملة لأسعار الغذاء دون التعرض للإفلاس خلال هذه العملية.
إنّ مفهوم منظمة الصحة العالمية للأمن الغذائي يعني كلّ الظروف والمعايير الضرورية اللاّزمة -خلال عمليات إنتاج وتصنيع وتخزين وتوزيع وإعداد الغذاء- لضمان أن يكون الغذاء آمنا وموثوقا به وصحّيا وملائما للاستهلاك الآدمي. فأمان الغذاء متعلّق بكلّ المراحل من مرحلة الإنتاج الزراعي وحتّى لحظة الاستهلاك من طرف المستهلك الأخير.
ركزت مجموعة من المهتمين بمشكلة الأمن الغذائي على المحور المتمثل في كيفية الحصول على الغذاء ومصادره. و إختلف هؤلاء وتباينت وجهات نظرهم حول كيفيـة الحصـول علـى كمية الغـذاء التي تحقـق الأمن الغذائي. فهنالك مجموعة والتي تجعل مفهوم الأمن الغذائي مرادفاً لمفهوم الإكتفاء الذاتي وتعبر عنه بقدرة المجتمع أو الدولة على توفير الاحتياجات الغذائية لجميع السكان بالكمية والنوعية المطلوبة من الانتاج المحلي حتى لو تطلب ذلك التضحية بالإستخدام الأمثل للموارد الزراعية. وبالتالي بالنسبة لهؤلاء كلما كانت النسبة الأكبر من إحتياجات المجتمع الغذائية منتجة محلياً (أي كلما كانت نسبة الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية عالية) كلما كان ذلك أدعى للمحافظة على إستدامة وعدم تهديد الأمن الغذائي وأن البلدان التي لا تستطيع توفير الغذاء لشعوبها من انتاجها المحلي ربما تصبح عاجزة أمام الضغوط التي تواجهها، مما يعرض أمنها للخطر، وإستقلالها للإنتقاص وربما أدى ذلك للتبعية الإقتصادية والسياسية، خاصةً في عالم اليوم الذي تسود فيه علاقات سياسية وإقتصادية معقدة ومتوترة. ولذلك يعتبر هؤلاء أن معدل الاكتفاء الذاتي من المنتجات الغذائية هو أهم مؤشر، بل وربما المؤشر الوحيد لمستوى الأمن الغذائي. أن تحقيق الأمن الغذائي بمفهوم الإكتفاء الذاتي من المنتجات الغذائية قد يتعارض مع تحقيق مفاهيم أمنية أخرى مثل الأمن البيئي والأمن المائي ومع تحقيق هدف التنمية الزراعية والاقتصادية المستدامة والذي يستلزم توجيه الموارد نحو الاستخدامات والأنشطة المثلى التي تحقق أفضل عائدات. وهنالك مجموعة أخرى من الذين ركزوا في اهتمامهم بقضية الأمن الغذائي على محور كيفية الحصول على الغذاء ومصادره ترى أن الأمن الغذائي ليس من الضرورة أن يتحقق فقط بالإعتماد على الانتاج المحلي من الغذاء، وإنما بقدرة الدولة على توفير الموارد المالية الازمة لإستيراد إحتياجاتها الغذائية. والانتقاد الرئيسي الذي يوجه لهؤلاء المهتمين بقضية الأمن الغذائي هو جعلهم الحصول على الإحتياجات الغذائية من الخارج نتيجة حتمية لإمتلاك الموارد المالية الازمة وهو إفتراض تشوبه كثير من الشكوك والمحاذير وتدحضه كثير من الأحداث والوقائع العملية. فعلى سبيل المثال في عام 1965م إمتنعت الولايات المتحدة الأمريكية عن بيع القمح لمصر في السوق الحرة بالرغم من قدرتها على سداد قيمته، مستغلة في ذلك الانخفاض الكبير في انتاج القمح في الاتحاد السوفيتي الذي كان يمثل مصدراً لواردات مصر من القمح.