السيمر / الثلاثاء 24 . 04 . 2018 — مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية والحدث الأكبر الذي ينتظره العراقيون منذ خروج العراق من آفة الإرهاب، طفت على السطح مرة أخرى وكالعادة مشاريع البيت الأبيض في محاولة منه لتعكير مزاج الناخب العراقي والتأثير على الرأي العام للشارع لحثهم على مقاطعة الانتخابات على الأقل، أو عدم انتخاب من يلائم المواطن العراقي واحتياجاته. وبطبيعة الحال لن يهدأ بال أمريكا ولن تقف مكتوفة الأيدي حتى تنفّذ مشروعها الأسود للتأثير على الانتخابات بما يناسب مصالحها، لذلك سنستعرض في هذا المقال المشروع الأمريكي للتدخل والتأثير على الانتخابات العراقية.
أ: محاولة تأجيل الانتخابات البرلمانية:
كانت الآلية الأولية لواشنطن لمواجهة إجراء الانتخابات في العراق هي إثارة بعض الأطراف الداخلية لتأجيل الانتخابات البرلمانية، لهذا السبب سعت بعض الأطراف السنية التي ترى أن الظروف الحالية للبلاد لا تلائمها لإجراء الانتخابات ولا تصبّ في مصلحتها، إلى تغيير موعد الانتخابات تحت ذرائع مختلفة، ولكن في نهاية المطاف، قالت المحكمة الاتحادية العراقية العليا إن موعد الانتخابات لن يتغير.
ب: توجيه اتهامات لإيران وروسيا:
يمكن ملاحظة المخاوف الأمريكية بشأن نتائج الانتخابات العراقية في التصريحات الأخيرة لوزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، الذي اتهم إيران بالتدخل في الانتخابات العراقية ووصف شعبية الأحزاب الشيعية في العراق أنها نتيجة لمحاولات إيران للتأثير على العملية الانتخابية. إن قلق أمريكا إزاء الانتخابات العراقية يتضح أكثر عندما نرى واشنطن تتهم روسيا بالتدخل في الانتخابات العراقية.
هذه المواقف تُطرح في ظروف استنتجت أمريكا فيها أن إجراء الانتخابات العراقية في موعدها المحدد يمكن أن يعزز الأحزاب المؤيدة لإيران ويزيد من تأثير إيران على القرارات السياسية العراقية.
هذه هي نفس السياسة التي تتبعها بعض الأطراف الموالية للغرب في العراق، على سبيل المثال، ادّعى نائب الرئيس العراقي إياد علاوي، في لقاء متلفز، أنه لا ينبغي على إيران التدخل في الشؤون الداخلية للعراق، ومع غض الطرف عن جميع الممارسات الإرهابية للسعودية في العراق، أعرب علاوي عن أمله أن تتحرك بغداد نحو إقامة علاقة استراتيجية مع السعودية، وقال إن السعودية هي الراعي الرئيسي للاعتدال في المنطقة.
ج: خلق صراع في الداخل الشيعي:
إحدى أهم خصائص هيكلية الأحزاب في الانتخابات الحالية هي كثرة الائتلافات الانتخابية الشيعية، والتي لم يسبق لها مثيل مقارنة بالفترات السابقة، وعلى الرغم من أن هذا النهج يمكن اعتباره عاملاً إيجابياً من خلال حضور الشارع الشيعي وتوجهه إلى صناديق الاقتراع، لكن أحد أهم الجهود التي بذلتها واشنطن في هذه الدورة هو زيادة الخلاف بين الشيعة، كما أن دولارات البترول السعودي هي المساهم الرئيسي في هذا المشروع.
د: خلق منافسين ضد الشيعة:
تسعى أمريكا منذ فترات سابقة إلى بذل جهود من أجل تحالف التيارات المدنية مع التيارات الليبرالية لتشكيل كتلة كبيرة ضد التيارات الشيعية.
وفي هذا السياق، اتهم حسن كاظمي قمي، السفير الإيراني الأسبق في العراق، وزارة الدفاع الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية “CIA” بمحاولة دعم بعض التيارات في العملية الانتخابية، قائلاً إن هذا الدعم يُقدم بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال المنظمات غير الحكومية. ويعتقد أن هذه الجهود جاءت نتيجة فشل السياسات الأمريكية في المنطقة.
ولعل السؤال المطروح هو: لماذا يتم اعتبار زيادة التيارات الشيعية في الانتخابات عاملاً في تعزيز وجود الشيعة وتعزيز نفوذ التيارات الشيعية في الساحة السياسية العراقية، في حين تعتبر زيادة التيارات السنية عاملاً في تشتت أصواتهم الانتخابية.
في الإجابة على هذا السؤال، يجب القول إن كثرة الأطراف السياسية في صناديق الاقتراع ستكون مفيدة عندما يكون لهذه التيارات القوة اللازمة لتتحد مع بعضها البعض بعد الانتخابات لتشكيل مجموعات كبيرة، الأمر الذي أثبته الشيعة في الانتخابات الأخيرة والمؤشرات السياسية تظهر أن هذا الاحتمال مرتفع للغاية في الانتخابات الحالية أيضاً.
هـ: جهد أمريكي لتوحيد الأكراد والسنة ضد الشيعة:
ربما كان فشل الجهود الأمريكية في خلق تحالف بين السنة هو الذي أدّى إلى بدء مساعي لتوحيد السنة والأكراد في العراق، لكن من الواضح أن هذه الخطة قد فشلت منذ البداية، في حين لا تزال مسألة عودة قوات البيشمركة إلى كركوك تشكل خلافاً كبيراً بين حكومة بغداد وبعض الأحزاب التي تحكم كردستان العراق، وخاصة حزب البارزاني، رئيس الحزب الديمقراطي في شمال العراق، وقضية الاستفتاء الانفصالي.
و: محاولة إنجاح زيارة محمد بن سلمان إلى العراق:
إن الحديث عن زيارة محتملة لمحمد بن سلمان إلى العراق هو جزء آخر من سيناريو التدخل الأمريكي، وقد كان نشر هذا الخبر من قبل وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي كافياً لهذه الزيارة المحتملة لإثارة الرأي العام العراقي، لهذا السبب نفت الحكومة العراقية لاحقاً هذه الزيارة، معلنة أنه لم يتم تعيين موعد لزيارة ابن سلمان حتى موعد الانتخابات البرلمانية.
ز: زرع اليأس في الشارع لمقاطعة الانتخابات:
إن إحباط الشعب العراقي من المشاركة في الانتخابات هو وسيلة أخرى للتدخل في العراق، من أجل إثبات عدم جدوى هكذا نظام للناس، فضلاً عن منع تشكيل حكومة قوية تتغلب على مشكلات العراق الحالية، مثل القضاء على تنظيم داعش، تنمية الاقتصاد وإعادة إعمار ما خلفته سنوات الحرب، وخلق فرص العمل، واستتباب الاستقرار والأمن الكامل، وحل المشكلات الاقتصادية ومكافحة الفساد في البلاد.
ويمكن اعتبار طرح ادعاءات مثل التدخل الإيراني في الانتخابات البرلمانية والإلحاح على المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في الأشهر الأخيرة، ضمن السياق ذاته.
كما يمكن اعتبار تصريحات بعض المسؤولين عن إمكانية التلاعب بالأصوات في الانتخابات البرلمانية وتزويرها، جزءاً من خطة الإحباط لمقاطعة الانتخابات، ويأتي في هذا الاتجاه مسألة التشكيك في أداء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وادعاء انحياز هذه الهيئة المستقلة التي تعمل تحت إشراف مراقبين دوليين.
بطبيعة الحال، من غير المرجح أن تكون هذه الخطة جزءاً من سيناريو لما بعد الانتخابات للقيام بثورة ملونة في العراق وبدء اضطرابات جديدة، والتي اُحيكت حتى بالنسبة للدول المستقرة في المنطقة، بما في ذلك إيران وروسيا.
مع هذه التفسيرات، يمكن أن تكون الانتخابات البرلمانية العراقية، بقدر ما بإمكانها الإسهام في تطوير هذا البلد وإحياء العلاقات السياسية والاقتصادية في العراق والنهوض بالتنمية الوطنية وتشكيل حكومة أغلبية، وبإمكانها أيضاً أن تكون خطيرة عليهم إذا غفل عنها المجتمع المدني والجماعات السياسية في العراق، بسبب مؤامرة الغرب والأنظمة العربية على العراق، وبالتالي، يجب على التيارات الوطنية، إلى جانب التنافس السليم مع بعضهم البعض، استخدام ذكائهم لتجنب الوقوع في الفخ الغربي كخلق انشقاقات بين التيارات السياسية وزعزعة الأمن.
موقع الوقت التحليلي