السيمر / الخميس 10 . 05 . 2018
محمد ضياء عيسى العقابي
لاحظتُ أمرين شغلا كتّاب المقالات في أمهات الصحف الأمريكية بشأن الوضع العراقي. إرتبط كل أمر بفترة معينة.
كانت الفترة الأولى هي التي أعقبت إنتصارَ العراقيين بقواتهم المسلحة والحشد الشعبي على داعش كما أعقبت فشلَ أولئك الكتاب وفشلَ حكومتهم التي يترأسها ترامب في تدبير مبرر داعشي (كوادي القذف) لبقاء القوات الأمريكية في العراق علّها تنجح في السيطرة على مفاصل القرار العراقي والإنطلاق من العراق لإطاحة النظام الإسلامي في إيران وضخ الإرهاب بقدر مكثف الى مصر والجزائر ولبنان وتونس وتصفية القضية الفلسطينية وإخضاع اليمن وليبيا؛ ومواصلة مشروع المحافظين الجدد في السيطرة على العالم لتصريف الأزمة الاقتصادية الخانقة التي لا يمكن علاجها إلا عبر إستعباد الشعوب الأخرى التي تقع خارج المنظومة الإمبريالية عبر النفاذ، بعد إخضاع إيران، الى الفضاء الأوراسي ومن ثم تخريب منظمة بريكس وتحالف شنغهاي وصولاً إلى ضخ الإرهابيين الذين تدربوا في سوريا والعراق الى الداخل الروسي والصيني لتدمير إقتصادي هتين البلدين وبالتالي تدمير قدراتهما النووية والصاروخية الوحيدتين في العالم القادرتين على لجم جماح مغامرات الإمبرياليين للسيطرة على العالم بلا منازع.
لقد كان هذا المخطط هو بيت القصيد من وراء إحتلال أمريكا العراق في 2003 ولكن ما حصل أنه قد تم إخراج قوات الاحتلال الأمريكي من قبل حكومة المالكي إلا أنها عادت من الشباك ممتطية داعش بمساعدة حكام تركيا والسعودية وقطر والإمارات وعملائهم الطغمويين(*) والإنفصاليين والإنتهازيين والذيول العراقية، على أن الصراع مازال محتدماً بصيغة جديدة بعد فشل محاولاتهم الإرهابية والتخريبية.
ركّز أولئك الكتاب الأمريكيون في هذه الفترة على حث حكومة ترامب على إيجاد وإبتداع الطرق الناعمة لإفساد العلاقات العراقية – الإيرانية تحت عنوان مواجهة النفوذ الإيراني، ويمثل هذا تمهيداً لخطوات أخرى تأتي فيما بعد حسب تقديراتهم المبنية على أطروحات ترامب بوجوب قيام بلدان الشرق الأوسط ومنها العراق بتقديم الجنود والمال لأمريكا لـ “محاربة” داعش ومن تتهمه أمريكا برعاية الإرهاب والمقصود الجمهورية الإسلامية في إيران بسبب مناصرتها للحق الفلسطيني وموقفها المعادي من الاحتلال الإسرائيلي ومناداتها بضرورة تصدي دول المنطقة لإقامة وصيانة منظومة للأمن الإقليمي لا أكثر ولا أقل.
أما الفترة الثانية فقد تزامنت مع إقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية وبدء الإستعدادات الدعائية لها ووضوح هوية الكيانات والتحالفات السياسية التي ستخوض الانتخابات.
لاحظتُ في هذه الفترة الثانية تفاؤلاً لدى أولئك الكتاب الأمريكيين إرتكز أساساً على قولهم بـ “تشتت القوى السياسية الشيعية وإقتراب بعضها من السعودية والإمارات مثل مقتدى الصدر لأهداف وطنية والى حد ما العبادي وهذا أمر إيجابي يحد من نفوذ إيران” حسب إدعائهم. كما تفائلوا مما أسموه “حالة يقظة المواطنين الشيعة الذين كانوا يصوتون دون تفكير على أسس طائفية لممثلين فشلوا تماماً في إدارة الدولة وفي تقديم الخدمات للمواطنين”، كما قال، على سبيل المثال لا الحصر، الباحثُ في “معهد الشرق الأوسط” (جارلس دون) معقباً، في فضائية (الحرة – عراق) / برنامج “الطبعة الأخيرة” بتأريخ 2/5/2018، على تقرير بهذا الصدد نُشر في صحيفة (المونيتر) أواخر الشهر الماضي!!!
لدى تفحص أقوال كثيرة من هذا القبيل، أجد في تفاؤل الكتّاب والمحللين الأمريكيين و”حلفائهم” الإقليميين والمحليين كثيراً من الإفتعال والتصنّع بحيث يشعر المرء كأنّ هناك إتفاق على ترويج مثل هذه الطروحات المتفائلة!!
ما الغاية، إذاً، من إفتعال التفاؤل؟
كما سيأتي لاحقاً هناك موجة بل حملة منظمة وهادفة شملت التسقيط والدعوات المتنوعة (مثلاً: لتأجيل الانتخابات ومن ثم لمقاطعتها) والتسريبات والإشاعات الهادفة (مثلاً: السفير الأمريكي يتوقع فوز السنة في الانتخابات) والتحليلات المريضة والتشويهات والإستغفال (مثلاً: مفوضية الانتخابات تشكلت على أساس المحاصصة!!! بينما المحاصصة هنا ضرورية جداً لمشاركة جميع الفرقاء في الرقابة) والتشكيك والتلفيق (مثلاً: الادعاء بأنه إذا قاطع الناس الانتخابات وهبطت نسبة المشاركة الى 25% فسوف تتدخل الأمم المتحدة وتُجري الانتخابات!! ويقصدون من هذا التلفيق بأن مجال التزوير سيكون مضموناً بسبب سيطرة أمريكا على الأمم المتحدة؛ أما حقيقة المقصود هو ثني الناس من المشاركة في الانتخابات ليبدأ التطبيل والتزمير للطعن بشرعيتها) والتحركات التكتيكية الأمريكية والسعودية والعراقية الطغموية والإنتهازية والذيلية والجاهلة وكلها تتفق على “خسارة القوى الشيعية” لأنها “فاسدة وفشلت فشلاً ذريعاً في إدارة الدولة والبناء وتقديم الخدمات للمواطن المسكين الذي كشفهم أخيراً وصار يفكر” كما يطرحون.
ولكن أصحاب الحملة أولئك لم يتجرّأوا على تسمية الفائز المنتظَر!! وفي ذلك ذكاء إعلامي حاد لأن ذكرَ إسم أي طغموي، شخصاً أو كياناً، كافٍ لإثارة إشمئزاز المواطنين وحرف الأنظار عن الهدف الرئيسي وهو ترسيخ فكرة فشل الشيعة في أذهان الناس لتوفير المصداقية والقناعة بفشل وخسارة الأحزاب الإسلامية إذا ما نجحت جهود تزوير الإنتخابات. وقد زُج إسم المرجعية الدينية في النجف قسراً وشُوّهت مواقفها لزيادة التشويش والنيل من القوى السياسية التي قاومت وتقاوم النفوذ الأمريكي وصنائعه النظام السعودي والإماراتي والقطري والعملاء في الداخل.
كفانا أن نستدل على وجود حملة منظمة تمثّلت بالتشغيل الذكي لمنابرهم ووسائلهم الإعلامية التخريبية وذلك لدفع الأبرياء من أبناء الشعب للتركيز على موضوعتي “الفساد وفشل الحكومات منذ 2006 في إدارة الدولة وفي تقديم الخدمات للمواطن الذي وعى وأصبح يفكر الآن!!” دون ذكر أي أمر خطير حقيقي كإصرار الطغمويين على إسترداد سلطتهم بأية وسيلة كانت، وكالإرهاب المدعوم من الجوار ومن أذرعه السياسية في مجلس النواب وفي حكومات “الشراكة” و “التوافق”!! وأدوارهم التخريبية من داخل العملية السياسية للحيلولة دون إستكمال بناء دولة المؤسسات ودون بناء الاقتصاد المتنوع الذي يُخرج العراق من حالة الدولة الريعية وتقديم الخدمات وغيرها. هل سأل أحدهم نفسه السؤال البديهي التالي ليتبين من هو أكثر إندفاعاً نحو الفساد وتورطاً فيه: أليس الفساد المالي ينفع الطغموي بنفعين هما الكسب الشخصي والأهم تخريب الدولة الديمقراطية؟ ، هذا إذا تناسى البعض كلمات المرحوم الدكتور أحمد الجلبي الذي شخص الفاسدين الذين كانوا يهددون بالتصفية الجسدية مسؤولي الرقابة في البنك المركزي إذا نبهوا الى الأموال العراقية التي كانت تخرج من البنك الى الأردن. ولنا من إسقاط مشروع قانون البنى التحتية خير مثال على التخريب؛ وكذلك عدم الإشارة الى مؤامرة إنهيار أسعار النفط لضرب إقتصادات روسيا وفنزويلا وإيران والعراق والجزائر. لم يذكر ولا شخص واحد، من أعداء الديمقراطية، هذه الحقائق ولم يذكر، مثلاً لا حصراً، القولَ الخطير للسيد صالح المطلك الذي قال للإعلامي سعدون محسن ضمد في برنامج “حوار خاص” في فضائية (الحرة – عراق) بتأريخ 18/12/2017 ما يلي: “أفشلنا حكم الشيعة منذ 2005 وسنفشله مستقبلاً إذا لن يزيلوا من الدستور المادة التي تحظر حزب البعث”!! هل سأل أحدٌ نفسه: كيف أفشلَ وسيُفشلُ السيد المطلك حكم “الشيعة” (ويعني به النظام الديمقراطي الذي يمقته كجميع زملاءه الطغمويين وذيولهم “المدنيين”)؟ كلا، لم يسأل أحد هذا السؤال الخطير لعدم الاهتمام بالديمقراطية ومصيرها ومصير الشعب العراقي والأمة إذا إستثنينا الادعاءات والثرثرة. إن السيد المطلك يعني الإستعانة بالإرهاب وبالتخريب من داخل العملية السياسية والإستعانة بأبشع جوانب المحاصصة وإستخدام الكيد في جميع مناحي الحياة لأجل التخريب. لذلك أعلن رفاق المطلك السادة أسامة النجيفي وأياد علاوي وغيرهما صراحة معارضتَهم لمشروع إئتلاف دولة القانون وزعيمه نوري المالكي القاضي بحكم الأغلبية السياسية لأن من شأنه أن يضع حداً للمحاصصة والفساد وللمخربين والمتناغمين مع الإرهاب والأجنبي الأمريكي والسعودي ومن ورائهما إسرائيل.
بموازاة هذه الحملة الإعلامية هناك جهود ومساعٍ حقيقية متنوعة لتزوير الانتخابات بعد أن فشلت مؤامرتان أعقبتا المؤامرة الداعشية الكبرى وهما: مؤامرة محاولة تأجيل الانتخابات ومؤامرة حملة مقاطعة الانتخابات.
تجري مساعي التزوير على محاور عدة منها “الخبيث الحقير” ومنها “الحميد ظاهرياً” مثل تبرع الولايات المتحدة بمبالغ كبيرة لدعم النشاط الإنتخابي لمنظمات المجتمع المدني التي أشك في نظافة الكثير منها، ومثل تبرع أمريكا بإرسال ثمانية “خبراء” للمساعدة في التعامل مع أجهزة العد والفرز وتسريع إعلان النتائج الإلكترونية ولكنها رُفضت ولسان حال المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات يقول: “ودّع البزون شحمة” إذ مازال دور (المسز ميتشل)، عميلة وكالة الإستخبارات الأمريكية ضمن فريق الأمم المتحدة في انتخابات عام 2010، طرياً في الذاكرة!!!
تقف على رأس مساعي التزوير غرفُ عمليات في واشنطن ونيويورك ولندن وباريس وتل أبيب والرياض وإسطنبول والدوحة وأبو ظبي وعمّان. إن وضعَ العراق الجيو – سياسي هام جداً في إستراتيجية الإمبريالية العالمية التي تزداد شراسة ووحشية كلما نهش في جسدها سرطان الأزمة التي لا تُشفى.
خلاصةً:
إذا نجحت جهود التزوير وإحتجت الجماهير والقوى الديمقراطية ستنبري أمريكا وإعلامها الإمبريالي وإعلام “المجتمع الدولي” الحليف وإعلام العملاء في المنطقة كالإعلام السعودي والإعلام العميل في الداخل العراقي وعلى رأسه الإعلام الطغموي وذيوله – سينبرون جميعاً الى الصياح بأعلى أصواتهم: [[ألم نقل لكم إن الجماهير قد عزفت عن الفاشلين “المجرَّبين” والمشمولين بشعار “بإسم الدين باكَونا الحرامية”؟ فلماذا تحتج هذه الشراذم، إذاً؟ أما تستحق التأديب بالقوة والسحق لفرض النظام والسكينة لينصرف الشعب للبناء والتعمير وتوفير الخدمات خاصة وأن هؤلاء الشراذم مدفوعون من قبل ايران التي طالبت الجماهير الصدرية والمدنية بطردهم يوم رفعت شعار “بغداد حره حره… إيران بره بره”، أليس كذلك؟]]!!!
ويبدأ القمع التأديبي لـ “الإرهابيين الجدد من الحرامية والفاشلين” ليقرأ العراقيون السلام على الديمقراطية وعلى العراق ويستعدون لدخول السجون والإنتشار في المنافي وينعم من يبقى منهم داخل العراق بليال حمراء وحانات منتشرة في الحارات ليلهو الشباب ولا يفيقون لأولئك الذين يجندهم الأمريكيون لخوض حروبهم وبأموال العراق حسب مطالب ترامب التي لا ينقطع عن الإلحاح عليها.
سيحصل هذا وأكثر إذا ما نجحت مساعيهم في تزييف الانتخابات.
ولكنني أشك كثيراً في إمكانية النجاح عبر التزوير وأشك أكثر لدرجة الإستحالة بإمكانية فوزهم في الانتخابات.
وإذا ما فشلوا فعندئذ سيلجئون الى الخطة البديلة إذ ستنفعهم حملتهم التسقيطية المبينة أعلاه في الإنطلاق الى حملات التشويش اليومية المعتادة طيلة الدورة البرلمانية القادمة وهي ممارسة مدفوعة الأجر لعدد كبير منهم ولكنني أتوقع أن يواجهوا، في هذه المرة وبضغوط جماهيرية، صعوبات لم يألفوها من قبل.
بقي أن أطرح توقعاتي لنتائج الانتخابات القادمة بعد أيام معدودة فأقول: رغم الكم الهائل من الإعلام الموجه للتضليل والتشويش يبقى الأمن هو الهاجس الأول للمواطن العراقي الشريف وسيتفوق على أي إعتبار آخر ساعة التصويت. وللجماهير العلم التام بالجهات التي تقف وراء الإرهاب بأنواعه ودعمه بشتى الوسائل. إن أهم مصدر لتذمر جماهير أطراف التحالف الوطني من بعضها هو طول أناة قياداتها حيال الطغمويين لمحاولة سحبهم الى جادة الصواب؛ أما الجماهير فتتذمر من عدم مواجهتهم بالشدة اللازمة.
لذا فإذا ما حصلت تغييرات فهي لا تتعدى إعادة تدوير الزوايا وإعادة الإصطفاف ضمن أطراف التحالف الوطني مع بقاء الثوابت في مواقعها الحصينة المؤثرة أي نبذ كل من يقترب من الأمريكيين أو السعوديين أو الإماراتيين أو القطريين أو أي رمز طغموي لأن جميع هؤلاء متورطون مع الإرهاب بصيغة أو أخرى وبهذا القدر أو ذاك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*): للإطلاع على مفاهيم “الطغموية والطغمويون وجذور المسألة العراقية الراهنة” برجاء مراجعة هامش المقال المنشور في أي من المواقع التالية:
http:// www.alqosh.net/mod.php?mod=articles&modfile=item&itemid=39986
http:// www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=585117
http://www.qanon302.net/?p=98431