السيمر / السبت 26 . 05 . 2018
عبد الجبار نوري
لقد شهدت الأنتخابات الأخيرة في العراق يوم السبت 12-5-2018 مقاطعة قياسية هي الأول من نوعها على مدى التجارب الأنتخابية السابقة منذ عام 2003 ، حيث أعلنت المفوضية المستقلة للأنتخابات العراقية نسبة المقاطعة بلغت 55% أو 60% وقد تكون أعلى من هذا بكثير 63% في وقتٍ يحقُ ل(24) مليون عراقي الأدلاء بأصواتهم من أصل 37 مليون أجمالي عدد السكان في العراق ، أن المقاطعة مظهر حضاري أيجابي ، وتعد رسالة إلى صنّاع القرار السياسي في العراق إلى أيجاد قانون أنتخابي عصري يلبي طموحات هذا الشعب المغلوب ، ودعوة إلى أحياء الدور الرقابي للبرلمان ، مع أني لستُ مع هذا التوجه ، فقد شاركتُ في الأنتخابات لأعتقادي الراسخ وكسياسي مخضرم أن وطني في مركز الأعصار الأهوج ومحاط بأشرس الأعداء من سياسيي السلطة ودول الجوار ومكائد المحتل الأمريكي ، والذي دفعني أن أكتب في موضوع ظاهرة العزوف وجدتها ظاهرة مرعبة في تداعياتها على المستويات والآفاق المستقبلية وسقوط رهانات الباحثين في المشروع الديمقراطي الجديد في العراق ، فلابد البحث عن الأسباب والدوافع لهذه الظاهرة المخيفة ، والتي تنامتْ في أنتخابات 2018مما يدفع للتساؤل الجدي حول الأسباب التي جعلت من الناخب العراقي عدم الأكتراث بهذه الأنتخابات بالرغم من حملات التحسيس الواسعة والرهانات الكبيرة التي تبنى عليها هذه الأستحقاقات ، وأن ظاهرة العزوف في العراق أخذت منحىً أخر وهو وضع الورقة البيضاء ومن مصادر خبرية علمتُ أن نسبة عدد الأوراق البيضاء 4-2 مليون ورقة في تشريعات 2012 وألى 1-2 مليون ورقة في الأنتخابات الأخيرة ، وأن الورقة البيضاء لها دلالاتها السياسية العميقة يمكن فهمها على أن صاحبها يهدف ألى أرسال رسالة معينة مناسبة ألى هذا الموعد الوطني ، وأخيراً أقول : أن الجميع اليوم يتحمل مسؤولية ما وصل أليه العراق سياسياً هو خلطة البزنس والعشائرية والحزبية الفئوية بنكهة دينية أسلامية ، وأن العزوف مرتبط بأعتبارات معينة كالفقر والجهل وغياب الوعي السياسي وثقافة المواطنة وسيطرة الغيبيات الدينية المخيّمة على بعض مناطق العراق .
الأسباب —–
-فقدان ثقة الجمهور بالحكومة ووصوله إلى اللاعودة ، لسبب فشل الحكومة في أدارة دولة مؤسسات وأنتشار الفساد المالي والأداري في مفاصل الدولة ولخمسة عشر عاماً،
– عدم نزاهة المفوضية المشرفة على الأنتخابات ولم تحافظ على حياديتها وأستجابت لضغوطات الكتل السياسية المتنفذة بشكلٍ أو بآخر وربما التأثربأجنداتٍ أقليمية كالصراع الأيراني – السعودي وأرادات دولية والمعروفة بالتدخل الأمريكي المحتل .
– والمقاطعون يمثلون الشريحة المثقفة والذين هم قادة الحراك الشعبي الجماهيري في تحريك ( الشارع العراقي )هم من المدنيين الناشطين والأعلاميين والمثقفين ومن شريحة الشباب وطلاب الجامعات تمكنوا من دفع الجمهور نحو المقاطعة ، وبأعتقادي ربما كانوا هم على حق ونحن المشاركون على خطأ بدلالة النتائج المخيبة للآمال وصعود نفس الوجوه الفاسدة التي أحكمت قبضتها على مصير العراق والعراقيين ، أضافة إلى فوزأعداء العراق من الذين شملهم العفووقادة المنصات ورواد خنادق( فنادق) أربيل وعمّان وأختراقهم قبة البرلمان القادم .
– سكوت المرجعية الدينية عن أصدار فتوى مؤثرة كفتوى الجهاد الكفائي وتقول : { المشاركة في الأنتخابات واجب عين كالصلاة }.
– فشل الأحزاب في تقديم برامج مقنعة للناخب ، ومهزلة الدعايات الأنتخابية التي أرتقت إلى أشكال جيوشٍ ألكترونية وصلتْ إلى كسر العظم مما خلق عند الناخب فوبيا المجهول ففضّل الأنزواء .
– عزوف الجاليات العراقية في الخارج وبنسبٍ كبيرة ربما وصلت إلى المقاطعة إلى 85 % مما شجع على نمو العزوف بشكلٍ مطرد ، وأيقن الناخب العراقي العازف عن الأنتخابات بأن تلك العملية ليست ديمقراطية بل مسرحية هزلية أو معركة وهمية بسيوفٍ خشبية .
– أن الأحساس بالتهميش بات واضحاً لدى الجماهير الشبابية والمثقفة والأكاديمية المعطلة والتي تأكدت هذه النخبة المؤثرة في المجتمع العراقي : عدم وجود رغبة في المرشحين أنفسهم في تلبية الحاجات الملحة والمطلوبة فورا كمكافحة البطالة وأيجاد فرص عمل للخريجين منذُ عشرة سنوات .
– أصبح في العراق الجديد المتجلبب بعباءة الديمقرطية بمقاسات أمريكية مشوّهةٍ ب( مُسلمات ) عبثية جائرة بعد 2003 التي هي : العشائرية والحزبية والكتلوية والفئوية والمناطقية والجاه في الحكومة ما يسمى بالواسطة ، فمن لهُ رصيد فيما ذكرتُ سيفوز ومن لا يمتلك تلك المؤهلات فهو في حكم الضياع ينالهُ التشويه والتشويش من قبل المتسلقين والأنتهازيين والمنافقين ووعاظ السلاطين .
– مواقع التواصل الأجتماعي الفيس بوك كان لهُ الأثر الكبير في هزيمة الأعلام الكلاسيكي في معركة المقاطعة ، وفشل حكومة العبادي في التعبئة الأنتخابية وضعفها في مواجهة التزوير وقوة الأحزاب المؤثرة .
– الأنتخابات أشعلت أسعار سوق الشقاوات والبلطجية والمسلحين من حمايات الأحزاب والكتل المتنفذة مما أدى إلى عزوف الناخب والنأي بنفسه عن تلك المعركة الخاسرة مسبقاً ، وهذا الفلتان الأنتخابي شملت المرأة العراقية بأن تنزوي هي الأخرى ، وكانت مشاركتها ضعيفة جداً بل معدومة في مناطق تتسيّدْ فيها الذكورية العشائرية وهالات القدسية الدينية .
– ومن أبرز ما تداولهُ الناشطون العازفون عن التصويت في الأنتخابات : هو عدم ضمان نزاهة الأنتخابات ، أستقواء الأحزاب الكبيرة والمتنفذة الحاكمة على خصومها السياسيين والمتأملة أن تصل لقبة البرلمان بالتزوير مما أدى إلى مزيدٍ من الأحباط لدى الناخب الذي وصل إلى قناعة تامة : من أن البرلمان العراقي ( مُسيّسْ ) بدليل خضوعهِ إلى المحاصصة لفئة معيّنةٍ حصراً
– قانون الأنتخابات الجائر والغير ديمقرطي والغير عادل والمتحيّزْ لرؤوس الكتل الكبيرة المتسيّدة على القرار السياسي منذُ عام الأحتلال 2003 ، وقد يكون للأعلام السالب دوراً مبكراً بنشر أضاليل باطلة : بأن ستكون الأنتخابات مزوّرة كسابقاتها مما أدى إلى أصابة الناخب بالأحباط والنكوص وثمّ إلى العزوف .
– قانون سنت ليغو : أنهُ قانون رصين ومجرب في دولٍ ديمقراطية عديدة ، ولكن أستعملتْ الأحزاب المتنفذة في أنتخابات 2012 وأنتخابات 2018 بأنتقائية الرقم الحسابي الذي هو 7-1 فمن تداعيات هذا القاسم الأنتخابي العالي سوف يدعم مرشحي الكتل الكبيرة والمتوسطة بالحصول على مقاعد رغم قلة عدد الصوات التي يحصلون عليها ، وقد أصاب الناخب اليأس والقنوط وفضل الأنزواء .
كاتب ومحلل سياسي عراقي مقيم في السويد
26 مايس 2018