الرئيسية / مقالات / حلُّ العبادي وحلُّ علاوي: أيهما يستهدف الإنتخابات وأيهما يستهدف السيادة؟!!
الكاتب القدير الأستاذ محمد ضياء عيسى العقابي

حلُّ العبادي وحلُّ علاوي: أيهما يستهدف الإنتخابات وأيهما يستهدف السيادة؟!!

السيمر / الأحد 27 . 05 . 2018

محمد ضياء عيسى العقابي

بتأريخ 24/5/2018 طرح كل من الدكتورين حيدر العبادي رئيس الوزراء وأياد علاوي زعيم إئتلاف الوطنية – طرح حلاً للوقوف على حقيقة الإتهامات الواسعة بالتلاعب في نتائج الانتخابات النيابية التي جرت يوم 12/5/2018.
كان الحل الذي قدمه الدكتور العبادي متمثلاً بقرار مجلس الوزراء، الذي يترأسه، بتكليف لجنة خاصة عالية المستوى للتحقيق في الأمر مكوَّنة من كافة الأجهزة الرقابية المدنية والعسكرية والقضائية ومنها هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية ومستشارية الأمن القومي والقضاء وغيرها من الأجهزة العتيدة.
أما الحل الذي طرحه الدكتور أياد علاوي فقد طالب في بادئ الأمر أي قبل أكثر من إسبوع إلغاء الانتخابات دون أن تتوفر لديه الأدلة الدامغة للإقدام على مثل هذه الخطوة بالغة الخطورة على مصير العملية السياسية برمتها وعلى مصير العراق وشعبه إذ تقترب هذه المقاربة في خطورتها من خطط التخريب التي دحرها الشعبُ وقادتُه الديمقراطيون وخاصة السيد نوري المالكي، نائب الرئيس، وهي في المهد مثل تأجيل الانتخابات ومقاطعتها.
بناءً على ذلك لم يؤخذ مطلب السيد علاوي على محمل الجد.
اليوم 24/5/2018 غمرنا الأمريكيون بـ “حنانهم” “الأبوي” المعهود على الشعب العراقي. فحسب فضائية (الحرة – عراق) طالبوا الأمم المتحدة بالتحقيق في مسألة التلاعب الذي صار الجميع يتحدث عنه، بينما كانت وزارة الخارجية الأمريكية أول من بارك الانتخابات وأسرعت وطالبت بتشكيل حكومة “جامعة” (ولم يقولوا “أبوية”!!) .
بالمناسبة، إنطوت هذه المباركة على كثير من الثقة بالنفس من جهة إفتراض أن الألاعيب الأمريكية بدءاً بحملتهم الظالمة المباشرة الحذرة وغير المباشرة عبر عملائهم من الذباب الإلكتروني، على إئتلاف دولة القانون وحزب الدعوة وعلى السيد نوري المالكي شخصياً لكونه بطل السيادة والإستقلال وحامي حمى الديمقراطية التي وضع أسسها السيد علي السيستاني، ومروراً بالتلاعب بنتائج الانتخابات – إفترضوا أنها قد إنطلت على الجماهير العراقية التي ظنوا أنهم وعملائَهم الإلكترونيين قد دوَّخوها حد الإعياء بضجيجهم وسيل أكاذيبهم لذا أطلقوا التبريكات بنجاح الانتخابات وهم يقصدون مباركة عملائهم على إنجاح خطط التلاعب فيها. ولكن العراقيين واعون وعلى علم بمن قتلهم بالمفخخات وعرقل تحسن أوضاعهم الاقتصادية والخدمية بالتخريب من داخل العملية السياسية وعلى علم بمن أفسد وأشاع الإفساد لعرقلة تطور الدولة الديمقراطية الناشئة وعلى علم بمن تلاعب بالإنتخابات ولصالح من.
وبالمناسبة ثانيةً، في كلمة “جامعة”، التي وردت في مباركة الخارجية الأمريكية، تكمن المصائبُ. فبعد إفتراضهم نجاح التلاعب في الإنتخابات ذهبوا الى الترويج للحكومة الجامعة لأنها كانت وسيلة أمريكا، عبر عملائها الطغمويين(*) والإنفصاليين والمخربين، لتعطيل كافة نشاطات الدولة بل ولتسليط الإرهاب عليها وعلى الجماهير. والآن يريدون مواصلة اللعبة كي يملِّلوا الشعب تماماً فيعزف عن المتابعة والمراقبة وبذلك تمرُّ من جنبه المؤامرات القاتلة بيُسر كما فعلوا تماماً مع حكومة الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم يوم 8 شباط عام 1963 الأسود.
إن كلمة “الجامعة” تعني التحريض على رفض “حكم الأغلبية السياسية” المشروع الذي من شأنه أن يضع حداً للتخريب وترهّل الدولة ورعاية الإرهابيين والفساد وبالتالي دحر أمل الأمريكيين في السيطرة على مفاصل الحكم لجعل العراق ساحة لشن العدوان على الجيران وخاصة سوريا وإيران.
ما أن أطلق الأمريكيون مطالبتهم الأمم المتحدة بالتحقيق، هرع الدكتور أياد إلى إعلان تأييده الفوري لهذا الطلب الصادر عن الأم الحنون أمريكا التي أَتهمُها شخصياً، بكل وضوح وثقة، بكونها وراء كل مصائب العراق بضمنها تزوير الانتخابات الحالية بألف وسيلة ووسيلة من بينها عدم وقوف مفوضية الانتخابات في وجه المسلحين الذين أما إفتعلوا العراك في محطات الإقتراع ذات الميل لإئتلاف دولة القانون لكي يصار الى إلغاء تلك المحطات (كما قالت النائبة السيدة عالية نصيف)؛ أو، كما أوضح بعض المرشحين في البصرة، أن البلطجية المسلحين منعوا المصوتين من التصويت وأخرجوهم من المحطات ولم يستطع الشرطي أو الشرطيان الحارسان مواجهة أولئك المسلحين البلطجية الذين أعتقد أنهم من التيار الصدري الذي يتحاشى المراقبون تشخيصهم خوفاً من التنكيل والإنتقام أو الإنجرار الى فتنة خطيرة يبيّتُها البعض الذين سأتناولهم بالتفصيل في مقال لاحق.
[كانت حكومة نوري المالكي تكلف القوات الخاصة (قوات الرد السريع ومكافحة الإرهاب) لحراسة محطات الإقتراع.] لم يكتفِ الدكتور أياد بتأييد الدعوة الأمريكية بل راح يناشد عدداً كبيراً من الهيئات الدولية بأسمائها واحدة تلو الأخرى لإعلان تأييدها للمطلب الأمريكي. هنا أصابتني الدهشة لأنني قرأتُ في موقف الدكتور أياد هذا محاولةً لتجييش العالم بهدف تدويل القضية العراقية ومن ثم رويداً رويداً إنتزاع العراق من أيدي قياداته المنتخبة ثم دسّها رويداً رويدا وبتكتيكات أمريكية ناعمة متخصصة في جيوب الطغمويين والإنفصاليين لتتعمق عملية تبادل المصالح بينهم وبين الأمريكيين وويل لكِ يا إيران كيف تجرُئين على نصرة الشعب الفلسطيني وتغضبين إسرائيل وأمريكا؟ إنتظري حرباً ضروساً يقودها ترامب ونتنياهو ويحترق فيها جنود من الشباب العراقي ومال النفط العراقي وسط تصفيق أل سعود والإماراتيين وهم يرفعون الشعار الذي رفعه ترامب “لا يوجد عراق…فهناك فئات متقاتلة وهناك قادة فاسدون” وبجنبه يرفعون شعارات مقتدى الصدر يوم إقتحم أصحابه البرلمان “بإسم الدين باكَونا الحرامية” و “بغداد حره حره…إيران بره بره”!!
إن محاولة تدويل الوضع العراقي هو تكتيك قديم – جديد لم يسقط من أفواه الطغمويين منذ أول انتخابات حرة ديمقراطية في العراق وخاصة من فم الدكتور صالح المطلك حليف الدكتور أياد علاوي، وهو القائل في فضائية (الحرة – عراق) عقب انتخابات كانون أول من عام 2006 “سوف لا ندع الشيعة يتمتعون بحكمهم” وهو الذي عاد وقال بعد (12) عاماً في 18/12/2017 وفي نفس الفضائية “أفشلنا حكم الشيعة وسنفشله إذا لن يسقطوا حظر حزب البعث من الدستور”!!
(لكن محاولاتهم هذه ستبوء بالفشل كما فشلت مئات المحاولات المتنوعة الساخنة والباردة والناعمة والخشنة خاصة بعد خروج العراق من طائلة الفصل السابع وبقاءه تحت الفصل السادس لديون الكويت عليه ولا يستطيع أحد إعادته للفصل السابع كما حلم عدنان حسين أحد أتباع البرزاني في فضائية الحرة – عراق / برنامج 7 أيام خاصة بعد بروز روسيا والصين كقطبين في السياسة الدولية لصالح الشعوب بعد كسر الأحادية القطبية للإمبريالية الأمريكية.)
من الجدير بالملاحظة أن الدكتور أياد علاوي أخفق في فهم المقصود من وراء التحرك الأمريكي بدعوة الأمم المتحدة للتحقيق، ربما لإبتعاده عن الأجواء الأمريكية نسبياً بعد أن رمى الأمريكيون بثقلهم وراء أسامة النجيفي كطائفي “مرصرص” وقد وضح ذلك عند إجتماعه بنائب الرئيس السابق جو بايدن وتصريحه، أسامة، على مدخل البيت الأبيض بأن “السنة” يريدون الإنفصال لأنهم مهمشون!!، ومن ثم ذهابه الى قطر “فقط” بدعوة من فضائية الجزيرة (وليس بـ “دعوة” من غرفة عمليات الدوحة لتحديد موعد إطلاق النشاط في ساحات الإعتصام ولإعلان ثورة العشائر تمهيداً لتسليم الموصل وغيرها الى داعش!!). إذاً، ذهب النجيفي لمجرد إجراء لقاء إعلامي مع الجزيرة وذلك لإبلاغ الناس بأن “السنة هم الأغلبية في العراق” دون مناسبة أو تكليف من السنة لأنهم يدركون جيداً أن هكذا خطاباً يرمي الى تهيأة الأذهان لسماعه عند إعلان ثورة العشائر على يد داعش.
لقد ظن الدكتور أياد أن أمريكا أرادت تدويل الوضع العراقي لذا سارع للسير خلفها لإبتلاع سيادة العراق ونسي الانتخابات لأنه كان يعلم أن تزويرها قد قُصدت منه السيطرة على الحكم في العراق. لكن ما أخفق الدكتور علاوي في إدراكه هو أن أمريكا ليست بتلك الدرجة من التمكن في الوضع العراقي كي تُقْدم على هكذا طموح رغم حركات وتحركات السفير الأمريكي التكتيكية في بغداد والإيحاء بكونه “الحاكم الفعلي” لكي يُخيف الجبناء ويُغري الإنتهازيين.
إن أمريكا أرادت، من وراء دعوة الأمم المتحدة للتحقيق، جعْلَ الأمم المتحدة شاهدَ زور حيث ستقول (وهي تحت تهديد وَرْوَر ترامب المالي): “الانتخابات العراقية عموماً سليمة وكل ما حصل فيها من تجاوزات لا تتخطى نسبة ألـ (7%) وهي النسبة المقبولة في المعايير الدولية”. وهكذا تأمل أمريكا أن تهيل التراب على تدخلاتها القذرة المؤذية في الوضع العراقي وتمرير تزويرها لتفعيل نتائج التزوير في رسم سياسة العراق القادمة بما يخدم إستراتيجية أمريكا وإسرائيل وتابعتهما السعودية وأخطرها إنتاج حكومة فاشلة وجعل العراق منطلقاً للإعتداء على الجارة إيران وردعه عن مناصرة فلسطين وسوريا.
خلاصة فإن العبادي أراد حلّ مشكلة عراقية بأيدٍ عراقية لتعزيز السيادة العراقية، وأراد علاوي الإستفادة من مشكلة سبَّبها الإمبريالي لإبتلاع السيادة العراقية.
أخيراً ولكي يُزال الغموض عما ورد في المقال من إتهامي الأمريكيين بالوقوف وراء التلاعب بنتائج الإنتخابات عبر عملائهم، أجد لزاماً عليّ التوضيح رغم أن ذلك يقع خارج موضوع المقال تقريباً.
هنالك سؤالٌ حيّر الكثيرين وقد يوفر سبباً في تسخيف ونسف فكرة تدخل الأمريكيين والتلاعب بنتائج الانتخابات. السؤال هو: لمصلحة مَن تمّ التلاعب والتزوير المفترَضين؟ فالطغمويون والإنفصاليون تلقوا ضربات إستراتيجية قاصمة بعد تورّطهم في دفع الأبرياء الى مخيمات النزوح التعيسة وبعد فشل الإستفتاء الإنفصالي لذا فلا مجال لدفعهم الى الواجهة عبر التزوير لصالحهم.

والآخرون كلهم خصوم للأمريكيين. فهل يُعقل أن تزوّر أمريكا لصالحهم؟
كلما أتعمق في دراسة أي موضوع هام يخص الشأن العراقي يتراقص أمام ناظري حادثٌ جرى عام 2012 تقريباً. خطفت إحدى الجهات السياسية العراقية موظفَين من موظفي السفارة الأمريكية في بغداد. لقد عرَّفت تلك الجهة عن نفسها مباشرة ودون تردد و “بشجاعة”. حُبستْ الأنفاس وتوقعتُ أن تمتلئ سماء بغداد بالطائرات الحربية وتمتلئ الشوارع بالدبابات تهديداً ووعيداً وإنذاراً للخاطفين. لم يحصل شيء من ذلك القبيل بل لم تصدر كلمة واحدة لا من الحكومة الأمريكية ولا من سفارتها في بغداد ولا من عملائها الطغمويين. الأكثر أنه بعد الإفراج عن الموظفين أعلنت تلك الجهة السياسية أنها ستقتل أي أمريكي يظهر في شوارع بغداد، والحكومة الأمريكية وسفارتها صامتتان صمت أهل القبور لحد هذه اللحظة. لماذا؟ أمريكا تعرف كيف تقرأ الأحداث وتعرف أين تستثمر!!! لقد إستثمرت بالتيار الصدري لأنه يجيد التخريب كأخ ليوسف. فلماذا لا تستثمر فيه الآن بالتزوير لصالحه وشدّ أزره أمام أبطال إخراج القوات الأجنبية وأبطال السيادة والإستقلال وفرض الديمقراطية ودحر الإرهاب بأنواعه وأعوانه؟
*************
(*): للإطلاع على مفاهيم “الطغموية والطغمويون وجذور المسألة العراقية الراهنة” برجاء مراجعة هامش المقال المنشور في أي من المواقع التالية:

http://www.alqosh.net/mod.php?mod=articles&modfile=item&itemid=39986

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=585117

http:// www.qanon302.net/?p=98431

http:// saymar.org/2018/01/44729.html

http://www.akhbaar.org/home/2018/1/239116.html

اترك تعليقاً