السيمر / الخميس 19 . 07 . 2018 — بدأت التظاهرات الاحتجاجية التي انطلقت في محافظة البصرة، الغنيّة بالنفط، وسرعان ما انتقلت إلى بقية المحافظات الأخرى، تأخذ طابع الهدوء، بعد أن شهدت صدامات مسلحة بين المتظاهرين وقوات الأمن.
ورغم الهدوء النسبي للحراك الاحتجاجي، فقد خرج المئات في البصرة في تظاهرة، بقضاء أبي الخصيب جنوب المدينة، للمطالبة بتوفير الخدمات وتوفير فرص عمل ومحاسبة المسؤولين المقصرين.
وطبقاً لمصادر متطابقة (صحافية وشهود عيان) فإن التظاهرة كانت سلمية لم يتخللها حرق اطارات أو قطع للشوارع، مضيفة أن المتظاهرين تفرقوا من تلقاء أنفسهم بعد أن سلموا ورقة مطالبهم إلى ممثلين عن مجلس المحافظة.
وفي تطور أسهم في تهدئة الشارع، قدّم متظاهرو محافظات الجنوب والوسط، اللجنة التنسيقية للتظاهرات، ورقة تضمنت 12 مطلباً للمتظاهرين، وقرروا إرسالها إلى المرجع الديني الشيعي علي السيستاني، فيما أمهلوا الحكومة مدة 3 أيام لتنفيذها.
وأعلن ممثلو المتظاهرين، في مؤتمر صحافي عقدوه في البصرة، مطالبهم رسمياً، وتمثلت بـ«إلغاء مجالس المحافظات والمجالس المحلية وإلغاء الرواتب التقاعدية الممنوحة لهم كافة»، إضافة إلى «اختزال عدد أعضاء البرلمان (329 نائباً) إلى الربع، أو يكون التمثيل عن كل محافظة اثنين لتمثيل المحافظات في لجنة كتابة القوانين وما تحتاجه المحافظة من خدمات ومشاريع».
إلغاء رواتب
وطالبوا أيضاً بـ«إلغاء الرواتب التقاعدية لرؤساء الجمهورية والوزراء والبرلمانيين ووكلاء الوزراء والمدراء العامين، ورواتب الامتياز والرواتب التقاعدية (الدمج) لأحزاب الخارج»، فضلاً عن «إلغاء مكاتب المفتشين العامين ولكل الوزارات، كونها تغطي على الفساد والمفسدين وتتقاسم السرقات معهم». على حدّ قولهم.
وتضمنت المطالب كذلك، «إلغاء هيئة النزاهة ومكاتبها كافة في كل المحافظات، كونها تتستر على الفاسدين وتغطي عليهم، ومفوضية الانتخابات التي زورت كل الانتخابات السابقة ومحاسبتهم عن تزويرهم السابق لأنهم سبب في دمار البلد»، ناهيك عن «إلغاء الرواتب التقاعدية لكل اعضاء البرلمان السابقين، ولكل الدورات ومنذ سقوط النظام المباد، والغاء قوانين الامتياز للبرلمانين وجعل رواتبهم بما يتناسب مع شهاداتهم (…) ويكون حالهم حال موظفي الدولة».
وشدد المتظاهرون على «إعفاء مجلس إدارة مطار النجف، وتقديمهم إلى قضاء عادل، وإرجاع مأتم سرقته من قبل كل المفسدين»، إضافة إلى التأكيد على أهمية «تشكيل محكمه من قبل الشعب تسمى (محكمة الشعب) يتم اختيار أعضائها من قبل الشعب والمرجعية، تتولى محاكمة كل المفسدين وكل سراق المال العام من سقوط النظام لحد الآن، لغرض إنزال القصاص العادل بكل الخونة». وفقاً للبيان.
محطات كهرباء
كما طالبوا بـ«إنشاء محطات لتوليد الكهرباء باتفاق مع ألمانيا، بمدة سريعة كاتفاق مصر معهم في بناء 3 محطات بسعر ملياري دولار لكل محطة»، فضلاً عن «تشكيل لجنة من كل المراجع في العراق، مع نخبة من القانونيين في جامعات العراق، لتعديل فقرات الدستور التي لا تخدم الشعب، والغاء القوانين التي فصلها رجال السلطة والأحزاب على مقاساتهم».
وأكد المتظاهرون على ضرورة «إلغاء قانون سانتليغو المعدل (نظام توزيع المقاعد البرلمانية) وابداله بقانون أعلى الأصوات ولكل الأفراد ومن دون قوائم الأحزاب، أي يضمن صعود المستقلين بدون أحزاب»، إضافة إلى «الاتفاق مع شركات استثمار عالمية، وترك شركات الأحزاب المستولية على مشاريع البلد وأغلبها تسرق بثروات البلد لمصالحهم الخاصة على حساب المصلحة العامة».
وطالبت اللجنة التنسيقية أن «تكون التعيينات للوظائف بآلية جديدة تضمن حق الجميع وعدم سرقتها من قبل أصحاب السلطة وتوزيعها في أيام الانتخابات»، كما طلبوا «توزيع حصة كل فرد عراقي من انتاج النفط للتناسب مع الضرائب التي تفرضها الحكومات على الشعب، أو جعل مجانية الخدمات العامة كالماء والكهرباء والصحة والخدمات الأخرى».
وختم المتظاهرون ورقة مطالبهم بالتشديد على «إلغاء قانون خصخصة جباية الكهرباء والنفط والغاز، لأنه مشروع لمصلحة الأحزاب الحاكمة على حساب المواطن الفقير، وذي الدخل المحدود كالموظفين والكسبة وغيرهم».
حرائق واعتداءات
وبفعل موجة التظاهرات التي تستمر منذ أكثر من أسبوعين، كشفت مديرية الدفاع المدني عن الأضرار التي لحقت بعجلات الأطفاء في أثناء قيامها بإخماد الحرائق التي نشبت في منازل المدنيين والمقار الحزبية نتيجة الحراك الاحتجاجي.
مدير عام الدفاع المدني، اللواء كاظم بوهان، قال في مؤتمر صحافي عقده في كربلاء، إن «الأحداث الأخيرة في محافظات الفرات الاوسط، كان للدفاع المدني دور مميز وفاعل، حيث تعاملنا مع الأحداث والحرائق الذي فعلها المندسون وسيطرنا على العديد من الحرائق»، مبينا أن «هناك العديد من الإصابات بين صفوف منتسبي الدفاع المدني».
وأضاف: «سجلنا العديد من حالات الحرق لمقرات الأحزاب وبيوت بعض المسؤولين»، مشيراً إلى أن «المندسين هاجموا سيارات الإطفاء التي حاولت إخماد تلك الحرائق، حيث تضررت 9 سيارات أطفاء في النجف و6 في المثنى وواحدة في بابل».
وزار بوهان، وفق ما أعلن، «محافظات المثنى والقادسية، ومن ثم النجف، في جولة بأمر من وزير الداخلية في أعقاب الأحداث الأخيرة التي افتعلها مخربون. تعرضنا لإعتداءات آثمة من المندسين والمخربين، موضحاً «أصيب بعض رجال الدفاع المدني بكسور مع تضرر تسع عجلات، وشخصين ماتا اختناقا في النجف».
وبين أن «الشخصين، اللذين ماتا اختناقا في منزل رئيس مجلس إدارة مطار النجف فايد الشمري، لدينا صور تثبت أنهما كانا ميتين وهما يحتضنان مسروقات».
أما مدير دفاع مدني النجف العقيد رشيد ثابت رشيد، فقال خلال المؤتمر، «حاولوا الاعتداء علينا بشكل سافر بالضرب والاهانة والعصي والحجارة ومحاولة حرق عجلتنا في المطار»، مؤكداً «مقتل اثنين من المتظاهرين».
انتقاد حكومي للإعلام
في الأثناء، انتقد مركز الإعلام الأمني، برئاسة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، بعض وسائل الإعلام على «إصرارها» على نشر معلومات وصفها بـ«الكاذبة» بشأن تعامل القوات الأمنية مع المتظاهرين، مبينا أن هذه المغالطات تأتي بهدف «النيل» من تلاحم القوات الأمنية والشعب.
وقال في بيان إن «أعداء العراق لم يتوانوا في إظهار نواياهم الخبيثة بعد أن أغضبهم النصر الكبير الذي حققته القوات الأمنية في حربها ضد الإرهاب وأذنابه، حيث بدأت حملة الاتهامات والأكاذيب ضد هذه القوات بالتزامن مع التظاهرات التي شهدتها بعض مناطق البلاد»
وبين أن «ذلك يأتي في وقت تصر فيه بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي على نشر معلومات كاذبة وملفقة عن تعامل قواتنا الأمنية مع المتظاهرين».
وأضاف: «هؤلاء تغافلوا التوجيهات الصادرة من القائد العام للقوات المسلحة بالحفاظ على ارواح المواطنين وتامين التظاهرات والحفاظ على المال العام والخاص»، مشيرا إلى أن «أعداء العراق استطاعوا خداع البعض واستغلالهم في نشر الصور والكتب المفبركة بينها صور لأحداث قديمة أو حدثت في بلدان أخرى أو على مستوى التدريبات العسكرية». الحراك الاحتجاجي في العراق، أثار «قلق» الأمم المتحدة من «العنف وأعمال التخريب»، ودفعتها لمطالبة الحكومة بتوفير الخدمات للمواطنين، والتحذّير من تأثير استمرار التطورات وتأثيرها على الملفين الأمني والاقتصادي.
الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، يان كوبيتش، قال في بيان: «في أعقاب المظاهرات بشأن نقص الخدمات وفرص العمل والمطالبة بتحسين الظروف المعيشية، نحث الحكومة على أن تفعل ذلك بشكل كامل، واحترام ومخاطبة الاهتمامات المشروعة للشعب، وندعو الجهات الفاعلة السياسية إلى ضمان أن تعطي الإدارة المقبلة الأولوية للحكم الرشيد والإصلاحات ومكافحة الفساد التي من شأنها تمكين التنمية الاقتصادية والتقدم وخلق الوظائف وتقديم الخدمات العامة الحيوية».
وأعرب عن شعوره بـ«القلق البالغ إزاء العنف، وكذلك أعمال التخريب التي رافقت بعض الاحتجاجات العامة السلمية إلى حد كبير، ونعرب عن أسفنا لضياع الأرواح والإصابات العديدة إلى جانب كل من المتظاهرين وقوات الأمن وتدمير الممتلكات العامة والخاصة بما في ذلك مكاتب المؤسسات الحكومية والأحزاب السياسية وكذلك النفط والبنية التحتية العامة». وأضاف: «هذه التطورات، إذا استمرت، سيكون لها تأثير ضار على الأوضاع الأمنية والاقتصادية في جميع أنحاء البلاد»، مؤكداً «حق الشعب غير القابل للتصرف في حرية التعبير، بما في ذلك المشاركة في المظاهرات السلمية دون خوف أو ترهيب أو احتجاز تعسفي مع التقيد بالقانون، والوصول إلى المعلومات دون قيود، وان من واجب السلطات تمكين مثل هذه المظاهرات المشروعة وحماية المشاركين فيها، مع الحفاظ على القانون والنظام يجب على قوات الأمن ممارسة ضبط النفس وتجنب استخدام القوة المفرطة غير المتناسبة».
الاستقرار المستدام
كما حذر من «السماح للمتطفلين والانتهازيين باستغلال المظاهرات المشروعة بطريقة أخرى لأغراض سياسية، لإثارة اضطرابات».
وزاد: «يحتاج شعب العراق بشدة إلى الاستقرار المستدام الطويل الأجل الذي لا يمكن تحقيقه إلا من قِبل جميع الجهات الفاعلة التي تجتمع معاً لإيجاد حلول لبعض المشاكل المستمرة في البلد والتي دفعت مرارا الاحتجاجات الأخيرة والسابقة، في أعقاب الانتخابات العامة التي أجريت في 12 أيار/ مايو، وبعد الانتهاء المبكر من إعادة فرز الأصوات المشبوهة والاحتيالية والشهادات الرسمية لنتائج الانتخابات، من الحتمي القيام على وجه السرعة بتشكيل حكومة وطنية جديدة شاملة ومؤيدة للإصلاح ستضع الموارد الغنية بلد تحت تصرفه ولصالح شعبه، وستكون هذه الحكومة قادرة على الوفاء بمطالب الشعب والإجابة على تطلعاتها في تعزيز الأداء الاقتصادي وخلق الوظائف وتحسين الخدمات ومكافحة الفساد وغرس الأمل في حياة كريمة وكريمة للشباب، ولجميع العراقيين».
المصدر: القدس العربي