السيمر / السبت 08 . 09 . 2018
معمر حبار / الجزائر
تابعت خلال هذا الشهر سيد سابق رحمة الله عليه عبر “ماسبيرو” الفضائية المصرية المختصة في نشر الأبيض والأسود، حيث قال وأنا أسمع له لأوّل مرّة وأراه لأوّل مرّة عبر المشهاد: حين هاجر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، اتّجه إلى مكة وقال: “ما أطيبكِ من بلد، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومى أخرجونى منكِ ما سكنتُ غيرك”، ثمّ راح يشيد بمكّة وعلى أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يفضّلها على غيرها من الأوطان، وعليه أقول:
موقف سيّدنا رسول الله صلى الله عليه من مكّة يدل على حب الوطن وليس حب مكان بعينه، أي لو بعث سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في مكان آخر لقال نفس الكلام ونفس الحنين.
سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولد بمكة، وحاربه أهل مكة، وطرده أهل مكّة.
سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بنى دولته في المدينة ولم يقم دولته في مكة وهي التي فتحت له طواعية، وتمنى أهلها أن يقيم معهم وكان باستطاعته أن يفعل ذلك ولم يفعل.
مخاطبة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لمكة، كان يقصد به حب الوطن أي الوطن الذي يسكنه الإنسان، ومكة بالنسبة لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم هي موطنه الأصلي، وطبيعي جدّا أن يحنّ إليها و يأسف لفراقها ويتمنى عودتها فتلك طبيعة أيّ إنسان، وطبيعي جدّا أن يحنّ لوطنه ويأسف لفراقه.
سئل سيّدنا الإمام مالك رحمة الله عليه ورضوان الله عليه: هل مكة أفضل أم المدينة؟ فأجاب: المدينة أفضل لأنّها تضم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
حين دخل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم المدينة، ظلّ يدعو للمدينة وأهل المدينة بكلّ خير، ما يدل على أنّ المدينة هنا تعني الوطن الذي يسكنه الإنسان، وكلّ وطن يسكنه الإنسان يتطلّب منه الدعاء له. ودعا للمدينة باعتباره وطنه الذي انتقل إليه واستقرّ فيه، أي كغيرها من الأوطان التي تستحقّ الدعاء من أهلها وساكنيها.
بين يدي الآن كتاب ” ترغيب أهل الإسلام في سكنى الشّام”، لسلطان العلماء سيّدنا العزّ بن عبد السّلام رحمة الله عليه ورضي الله عنه وأرضاه، تحقيق الأستاذ: إياد خالد الطباع، دار الفكر الجزائرية، ودار الفكر اللبنانية، ودار الفكر السورية، من 49 صفحة. ولم يقل أحد أنّ “الشام” أفضل من كذا وكذا. وما يلفت الانتباه أنّ سيّدنا سلطان العلماء حين تحدّث عن فضائل الشام كان مقيما بمصر ولم يتعصّب للمكان الذي كان يسكن فيه ولم تنسه فضائل مصر عن فضائل الشام.
ويمكن للقارئ أن يجمع أحاديث سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم التي قالها في الطائف، واليمن، ومصر، وغيرها من الأماكن في كتاب يسميه “فضائل الأماكن لدى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم” ، كما فعل الحافظ الإمام البيهقي رحمة الله عليه ورضوان الله عليه في كتابه “فضائل الأوقات”.
هجرة المسلمين الأولى كانت للحبشة ولم تكن يومها مسلمة، والهجرة الثانية كانت للمدينة حيث سيطرة اليهود على أسواق وتجارة وذهب المدينة واضحة جلية، ما يعني أنّ الهجرة لمكان بعينه لم تكن لذاته إنّما كانت لتوفر المكان على الأمن والاستقرار وحفظ النفس والمال والعرض، ولو كان مكانا آخر أشدّ أمنا واستقرار وحفظا لهاجر إليه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
صاحب الأرض لا ينازعه أحد في حبه لوطنه، ولا يحقّ لأحد أن يستنكر عليه ذلك، وكلّ يرى أنّ وطنه أحسن وأفضل.
صاحب هذه الأسطر لا يتطرّق أبدا إلى المفاضلة بين الأماكن، فكلّ من ولد في مكان من حقّه أن يراه أفضل الأماكن، ومن الواجب على الآخر أن يحترم شعوره تجاه وطنه ويعزّز شعوره إن استطاع إلى ذلك سبيلا. ونظلّ نحترم كلّ إنسان – أقول إنسان – يحب وطنه ويدافع عنه ويحنّ إليه، وحفظ الله أوطان العرب والمسلمين جميعا. ويظلّ صاحب الأسطر يحنّ لوطنه الجزائر دوما، لأنّ فضلها عليه عظيم وكبير، ولا يمكنه بحال ومهما قدّم لها أن يعيد لها معشار فضلها عليه.
ما لفت انتباه القارىء المتتبّع وهو يقرأ فضائل بعض الأماكن، أنّ الذين أحرقوا سورية الحبيبة من الأبناء والجيران والغريب والعجم، كانوا يعتمدون ويكرّرون أحاديث سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في فضائل الشام.