الرئيسية / مقالات / القطاع النفطي في المنهاج الوزاري يحتاج الى مراجعة جدية شاملة

القطاع النفطي في المنهاج الوزاري يحتاج الى مراجعة جدية شاملة

السيمر / الجمعة 26 . 10 . 2018

احمد موسى جياد *

وزعت مساء 23 تشرين اول وثيقة المنهاج الوزاري (2018 – 2022) وتم مساء اليوم التالي في البرلمان العراقي اولا عرض موجز المنهاج من قبل رئيس مجلس الوزراء المكلف ثم التصويت على قبول المنهاج واقرار رئيس مجلس الوزراء و 14 وزيرا كوجبة اولى من اعضاء مجلس الوزراء بضمنهم حقيبة وزارة النفط.
وبعد مشاهدة البث الحي لجلسة البرلمان مساء يوم امس وبعد قراءة وتدقيق ما ورد في وثيقة المنهاج وخاصة ما يتعلق بالقطاع النفطي فقد وجدتها تفتقد الى العديد من الامور والمشاريع المهمة اضافة الى وجود كم من المعلوماتالغير دقيقة وافتقارها الكلي لمؤشرات الاداء الكمية القابلة للقياس وغير ذلك من الاشكالات التي تم تشخيصها وتحليلها وكما ذكر في الملاحظات الاولية على المنهاج ككل وملاحظات تفصيلية تتعلق بالقطاع النفطي.

اولا: الملاحظات الاولية على المنهاج
تتعلق الملاحظات على الجوانب الشكلية ومضمون ومنهجية وخلفية المنهاج.
1. يتكون المنهاج من 121 صفحة موزعة على قسمين رئيسين: الاول يغطي منطلقات اعداد ومحاور المنهاج الوزاري (32 صفحة) والذي يبدو انه اعد من قبل رئيس مجلس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي؛ اما الثاني فقد تضمن نص ملحق “مسودة اولية لتفاصيل برامج الوزارات” الذي اعدته الامانة العامة لمجلس الوزراء (89 صفحة). وقد ذكر بانه تمت الاستفادة من هذه المسودة وسيتم مراجعتها “في ضوء هذا المنهاج الوزاري واستراتيجية الحكومة الجديدة واولوياتها وبالتعاون مع الوزاراتالمعنية” (ص 4)؛
2. اعد هذا “المنهاج” “لنيل ثقة مجلس النواب” ألآن اما “البرنامج الحكومي” فحسب ما ذكر رئيس مجلس الوزراء المكلف “آملين ان تتقدم الحكومة ببرنامج مفصل ….. تعهده الوزارات المختلفة خلال الايامال100 الاولى، وتلتزم بتطبيقه وتحاسب بموجبه خلال العهد الوزاري”(ص 5). وهذه الصيغة غير مطمئنة للاسباب التالية:
1) إن تعبير “آملين” لا يشكل التزام بل أمل!!!؛
2) هل يشكل البرنامج الحكومي مجموعة برامج تعد من قبل الوزارات المختلفة لكل منها برنامجها الخاص بها ام يكون البرنامج الحكومي متناسق متكامل؟
3) وهل تلتزم كل من الوزارات المختلفة ببرنامجها الخاص وتحاسب بموجبه ام ان مسؤولية التنفيذ تشاركية تتضمن كذلك رئيس مجلس الوزراء!!
3. هيكل ومضامين الجزء الاول من المنهاج يختلف جذريا عن هيكل ومحاور ومنهجية والمؤشرات المذكورة في الجزء الثاني (الملحق). وهذا التباين قد يشكل اشكالية في اعداد “البرنامج الحكومي” على اساس ما ورد في جزئيوثيقة “المنهاج”؛ وهذا ما سنوضحه عند مناقشة القطاع النفطي ادناه؛
4. وعند مقارنة هذا “المنهاج” مع “البرنامجالحكومي” للحكومة المنتهية ولايتها نجد مؤشرات تطور نوعي وخاصة فيما ذكر في الجزء الاول من المنهاج. ومع ذلك فان ما يهم من الناحية الفعلية هو البرنامج الحكومي الذي “آملين” ان يقدم ويقر خلال ال100 يوم القادمة- كما ذكر في الجزء الاول من المنهاج.
5. وكما اتضح من خلال المداولات البرلمانية فقد تم التركيز على مسألتين؛ الأولى تتعلق بكيفية التصويت على وثيقة طويلة لمنهاج ارسل للنواب قبل عدة ساعات من التصويت عليه؛ والثانية تتعلق بالتاكد من صحة ودقةالسير الذاتية للوزراء. وانني بالتاكيد اتفق مع هذه الاعتراضات المشروعة وارى ان سرعه اقرار المنهاج بدون مناقشة مضامينه وعدم التأكد من صحة السير الذاتية للوزراء، وخاصة الخبرة العملية في مجال تخصص الوزارة التي عهدت اليهم لفترة معتبرة (لا تقل مثلا عن خمس سنواتوالمدعومة بالوثائق التي يثبت صحتها والتاكد من مصداقيتها التي تثبت الخبرة؛ ان عدم الاستجابة لهذه الاعتراضات المشروعة مؤشر لا يبعث على الاطمئنان مطلقا.

تلخص رد رئيس مجلس الوزراء المكلف بإشارته الى فقرات المنهاج واكد ان “المنهاج” يمثل “رؤية عمل واطار عام سيتم تفصيله في البرنامج الحكومي لاحقا”؛ اما بشان السير الذاتية فسيتم محاسبة واتخاذ اجراءات فوريةصارمة بحق من قام بأية عملية غير قانونية.
وهذا يحتم على لجنة النزاهة في البرلمان وهيأة النزاهة المستقلة تدقيق مصداقية الوثائق المذكورة في السير الذاتية للوزراء بأسرع وقت ممكن لا يتجاوز عدة اسابيع لتجنب تعثر اعداد البرنامج الحكومي.

ثانيا: القطاع النفطي في وثيقة المنهاج الوزاري
تناول الجزء الاول من وثيقة المنهاج الوزاري ما يتعلق ب”وزارة النفط” (الصفحات 16 و17) وتناول الجزء الثاني (الملحق) ما يتعلق بالوزارة (الصفحات 6/65، 70، 95 و 96.
ومن الجدير بالذكر ان المنهاج الوزاري حدد ثلاث مدد زمنية للتنفيذ: “سريع” ويعني من 3 الى 6 اشهر؛ “متوسط” ويعني من 7 الى 18 شهرا؛ و”طويل” ويعني من 19 الى 48 شهرا او اكثر (ص 4)

يمكن تسجيل الملاحظات المختصرة التالية:
1. تضمن الجزء الاول من المنهاج 12 فقرة (اهداف) فقط تتعلق ببعض جوانب القطاع النفطي؛ ولكن لم يتم تحديد اية مؤشرات كمية للاهداف قابلة للقياس؛ وقد ذكرت المدد الزمنية لثلاثة منها فقط: اثنان ينفذان بمدى “سريع” والثالث ينفذ بمدى “طويل”. وهذا بنظري يشكل نقص اساسي وخلل مؤثر لا بد من معالجته بشكل جيد عند اعداد “البرنامج الحكومي” خلال فترة ال100 يوم القادمة؛
2. ذكرت احدى فقرات المنهاج “تطوير الصناعات المشتقة كالبتروكيماويات والاسمدة”؛ وهذا بنظري يشكل تجاوز على صلاحيات واختصاص وزارة الصناعة والمعادن مما يولد ازدواجية العمل والمنافسة وما يترتب على ذلك من اضراركبيرة على تطوير هذه الصناعات المهمة وعلى الاقتصاد الوطني وخاصة جهود التنويع في هيكلية الاقتصاد وتقليل الاعتماد على تصدير النفط الخام. لذى ارى حذف هذه الفقرة من المنهاج وعدم ذكرها في البرنامج الحكومي القادم.
3. ارى ان تعطى الاولوية لتنفيذ مصفي كربلاء ويذكر بالاسم في كل من المنهاج والبرنامج على الالتزام بإكمال تنفيذ هذا المصفى خلال ولاية الحكومة خاصة وان نسبة التنفيذ الان تزيد على 56% كما ذكر في الملحق (ص 66)؛
4. ذكر في الفقرة الاخيرة “وضع قانون شركة النفط الوطنية موضع التطبيق بعد ادخال التعديلات المطلوبة لتلافي بعض الثغرات التي شخصها الخبراء، واصدار الانظمة والتعليمات وفق السياقات القانونية”. انني ارى:
1. الانتظار لحين اصدار المحكمة الاتحادية العليا قرارها بخصوص قضية الطعن بالقانون المعروض حاليا امام المحكمة الموقرة؛
2. الالتزام بما ورد في اللوائح القانونية المقدمة الى المحكمة المذكورة من قبل الوكلاء القانونين لكل من رئيس مجلس الوزراء ووزارة المالية؛
3. الغاء فورا قرار “التكليف” المبلغ الى وزارة النفط بموجب كتاب الامانة العامة لمجلس الوزراء المرقم 35393 بتاريخ 11/10/2018.

ثالثا: القطاع النفطي في الجزء الثاني لوثيقة المنهاج الوزاري
كما ذكر اعلاه فان القسم الثاني من وثيقة المنهاج الوزاري تضمن نص ملحق “مسودة اولية لتفاصيل برامج الوزارات” الذي اعدته الامانة العامة لمجلس الوزراء (89 صفحة). وقد ذكر بانه تمت الاستفادة من هذه المسودةوسيتم مراجعتها “في ضوء هذا المنهاج الوزاري واستراتيجية الحكومة الجديدة واولوياتها وبالتعاون مع الوزارات المعنية” (ص 4)؛ تبنت المسودة مفهوم “التوجه نحو اقتصاد السوق الاجتماعي” وبينت الكيفية التي تم فيها اعداد المسودة.
ان ما ورد في المسودة يثير كثيرا من الملاحظات حول منهجية ومضامين والمعلومات الواردة فيها وكذلك بالمقارنة مع ما ورد في المنهاج الوزاري. وبما انه سيتم مراجعة هذه المسودة عند اعداد البرنامج الحكومي فان ملاحظاتيستقتصر حصرا على ما ورد في المسودة بشان القطاع النفطي.
1. تم توزيع ما يتعلق بالقطاع النفطي ليس على اساس قطاعي بل على بعض من “المحاور” الخمسة/الستة واستخدام عشرة “معايير” و”الوزن” لكل معيار؛ ثمانية معايير لها اوزان متساوية (10%) ومعيار بوزن 5% واخر بوزن 15%. وهذه المنهجية بحد ذاتها تثير الكثير من التساؤلات حول صوابها الاحصائي والاقتصادي والمنطقي وخاصة ما يتعلق بتسلسل “الاولويات” في كل “محور” مما يتطلب اعادة النظر بهذه المنهجية “الغير مجدية” وتغييرها لتعكس الواقع والاهمية النسبية للنشاطات او الاهداف المذكورة فيكل محور.
2. تم في كل “محور” اعداد جداول تتضمن الفقرات التالية: الاولوية؛ البرامج والمشاريع؛ تاريخ البدء؛ تاريخ الانجاز؛ الوضع الحالي للبرنامج او المشروع؛ القيمة او النسبة المستهدفة؛ الوزارة المعنية. كانت حصةوزارة النفط مقتصرة على محورين: ضمن “المحور الاقتصادي والمالي والتنموي”: ثمانية مشاريع تتعلق باستثمار الغاز ومشروع واحد في قطاع التصفية وخمسة مشاريع تتعلق بالمشاركة مع الشركات الاجنبية بدأ بتنفيذها عام 2018!! ومشروعين لزيادة القدرة الانتاجية والتصديرية. وضمنمحور “الاعمار والبنية التحتية” توجد سبعة مشاريع خمسة منها تتعلق بمستودعات للمصافي الصغيرة؛ ثلاثة حقول نفطية تطور بالجهد الوطني.
3. ان ما ذكر من معلومات تتعلق بالمشاريع النفطية اعلاه تحتاج الى مراجعة جدية وتدقيقها لان معظمها تثير العديد من الاسئلة وبعضها غير صحيح؛ مثلا المزج بين الطاقة الانتاجية والطاقة التصديرية واعتبارهما شيءواحد وحصر ذلك بحقول جولات التراخيص الاولى والثانية!!.
4. كذلك يجب الاشارة الى ما ورد اعلاه بخصوص البدء في عام 2018 بتبني والبدء في ابرام “عقود مشاركة” بين خمسة شركات (غير منتجة للنفط) مرتبطة بوزارة النفط “مع شركات عالمية تخصصية” لتطوير عمل الشركات النفطيةالعراقية بحيث يتم رفع الانجاز في هذا المجال من 10% في عام 2018 الى 100% خلال ولاية الحكومة الجديدة. وانني ارى ان هذا الامر الذي ادخل بشكل غامض وسريع يحتاج الى دراسة كافة الجوانب القانونية والمالية والتعاقدية وبيان الجدوى الاقتصادية.
5. كذلك يلاحظ عدم ذكر بعض المشاريع المهمة في هذه المسودة وغياب بعض العقود التي وقعت منذ شهر آب 2016 بشكل سري او لم تنشر عقودها او معلومات كافية عنها.

رابعا: مناقشة ومتابعة المنهاج الوزاري والبرنامج الحكومي
بما ان كل من المنهاج الوزاري والبرنامج الحكومي يشملان كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والامنية والخدماتية والعلاقات الدولية وغيرها، فإنني ادعوا كافة الخبراء والمختصين كل حسب تخصصه وخبرته معالجة وتقييم المنهاج الوزاري ولاحقا البرنامج الحكومي خدمة لمصلحة الوطن والمواطنين.

* استشارية التنمية والابحاث/ العراق

النرويج
25 تشرين اول 2018
Ahmed Mousa Jiyad,
Iraq/ Development Consultancy & Research,
Norway.
25 October 2018
mail ; mou-jiya(at)online.no

اترك تعليقاً