السيمر / الثلاثاء 08 . 01 . 2019
معمر حبار / الجزائر
وعد صاحب الأسطر القارىء الناقد الكريم في الحلقة الأولى[1] أن يضع تحت تصرفه الحلقة الثانية من كتاب: henri pouillet – “la villa susini,Torture en Algérie, juin 1961- mars 1962 » ,EL Kalima édition, Alger, 2014, Contient 184 Pages. كتب التعذيب: اعتمد الأستاذ الفرنسي صاحب الكتاب على كتاب “شهادتي على التعذيب” للسّفاح الجلاد “أوساريس”، وسبق أن تطرقنا للكتاب عبر مقال[2] لمن أراد أن يعود إليه، كما هو مشار إليه في الهامش. واعتمد أيضا على كتاب: Henri ALLEG « LA QUESTION »، وقد وضعنا قراءة للكتاب عبر مقال[3] يمكن الرجوع إليه عبر الهامش. وجاء كتابه بعد نشر الجلاّد السّفاح “ماصو” مذكراته سنوات 1974-1975. بقيت الإشارة أنّ الكاتب اعترف أنّه نشر كتابه عن التعذيب في الجزائر إبّان الاستدمار الفرنسي بعدما نشر هؤلاء كتبهم، ويريد أن يقول أنا أيضا أشارك في كشف الستار عن التعذيب الذي كان إلى غاية 2000 من المحرمات في المجتمع الفرنسي، ولم يتوقّف عند القراءة بل دعّمها بشهادته عن التعذيب ضدّ الجزائريين حين كان شابا يقضي خدمته العسكرية الفرنسية المحتلّة بالجزائر. الكتاب إذن شهادة من صاحبها طيلة 10 أشهر، وليس نقلا عن الكتب المذكورة. ويمكن للقارىء أن يقرأ في نفس الموضوع كتاب لم يذكره صاحب الكتاب، وهو: Jean-Luc EINAUD « LA FERME AMEZIANE , Enquête sur un centre de torture pendant la guerre d’Algérie ». وقد أفردنا له مقال[4] جاء ذكره في الهامش. الاستدمار الفرنسي يختار أيضا النظيف الفرنسي ليعذّب الجزائريين: رغم أنّ المؤسّسة العسكرية اعترفت بكون الفرنسي صاحب الكتاب جندي يملك كلّ مواصفات الانضباط، ومتفوّق على زملائه حين كان يؤدي خدمته العسكرية بفرنسا، إلاّ أنّ فرنسا المحتلّة عاقبته بإرساله إلى الجزائر ليمارس القتل والتعذيب ضدّ الجزائريين، لأنّه كان يعارض الحرب ضدّ الجزائريين، ويطالب باسترجاع السيادة للجزائريين. وحين علمت المخابرات الفرنسية أنّه كان من المناصرين للثورة الجزائرية، والمناهضين للاحتلال الفرنسي، والمطالبين بمنح الاستقلال للجزائريين، منعته من تولي الإدارة في المؤسسة العسكرية، وشؤون المال، وتولي تدريب الجنود، رغم أنّه أثبت تميّزا، وشجاعة وبطولة، حين كان جنديا يقضي واجبه الوطني بفرنسا، وعاقبته بتحويله إلى الجزائر خلال جوان1961- مارس1962، ليشارك بنفسه في قمع الجزائريين، وتعذيبهم. كتبت عدّة مرّات فيما أنقله عن الأستاذ أبو القاسم سعد الله رحمة الله عليه، أنّ حثالة أوروبا هي التي احتلت الجزائر، واختارت فرنسا أسوء الجنود خلقا، وسيرة، ليعيثوا في الجزائر نهبا، وحرقا، واغتصابا، ونسفا، وتدميرا. واليوم، وبعد قراءة شهادة الفرنسي عن التعذيب في الجزائر، أضيف: فرنسا الاستدمارية كانت تختار أنظف الفرنسيين، والمناهضين للاستدمار الفرنسي، والمطالبين باستقلال الجزائر، ليشاركوا في كلّ عمل قذر ضدّ الجزائر والجزائريين. ولن يتورّع الاستدمار في اختيار النظيف النقي ليشاركه جرائمه وقبح أفعاله ولو كان أحد أبنائه، كما اختار من قبل الْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ لاحتلال الجزائر ، ونهب خيراتها، واغتصاب أبنائها. اختلافي مع الفرنسي صاحب الكتاب: أختلف مع الكاتب، حين يبرّر الاعتداء الجنسي على الجزائريات، كون الجندي المحتل الفرنسي الشاب، لم يتمتّع بامرأة منذ مدّة طويلة، ومنذ بقائه في مركز التعذيب. وأرى أنّ هذا التبرير للاعتداء الجنسي أخطر من التعذيب بحدّ ذاته. أختلف مع الكاتب حين يرى أنّ ما يعانيه القائم على التعذيب والاعتداء الجنسي من فرنسيين، هو نفسه الذي تعاني منه الجزائرية والجزائري الذي تعرّض للاعتداء الجنسي والتعذي، لأنّها مقارنة مجحفة في حقّ الجزائري، ولا يمكن حال الاعتماد عليها وأخذها بعين الاعتبار. أختلف مع الكاتب اختلافا جذريا حين يقارن بين مايسميه “ممارسات الجزائريين” تجاه المحتلين وهم يدافعون عن أنفسهم وأعراضهم، وبين ماقام به الاستدمار الفرنسي من حرق ونهب واعتداء جنسي وإهانة. فهو في هذه النقطة مثله في ذلك كمثل الذي لا يفرّق بين حجارة الفلسطيني وعجلة الفلسطيني الموجّهة ضدّ الصهيوني المعتصب، وبين الصهيوني الذي يقنبل الفلسطينيين، وينسف ديارهم، ويرجم الأبرياء. صدق الكاتب من خلال الندم على ما فعله وما لم يقله في حينه: قال الكاتب الفرنسي: البنايات الأخرى لم يكن يمارس فيها التعذيب ضدّ الجزائريين، والبناية التي كنت فيها شهدت التعذيب ضدّ الجزائريين. أقول: لو كان غيره لقال: كلّهم يعذّبون إلا نحن لم نعذّب أحدا. وقال أيضا: كان جنود الاستدمار الفرنسي يعتدون جنسيا على النّساء الجزائريات، وأعترف أنّي كنت أعتدي جنسيا من حين لآخر على الجزائريات. أقول: لو كان غيره لقال: أنا التقي النقي، لم أمسّ شعرة من جزائرية، وغيري كان يفعل ذلك باستمرار. أقول: هذا الصدق في النقل، والشهادة، هو الذي يدفعنا باستمرار غير نادين ولا آسفين، لقراءة ما كتبه الفرنسي والغربي الذي عايش المرحلة، وكان شاهدا حول تاريخ الجزائر، والثورة الجزائرية، وشخصيات جزائرية. ويبقى للقارىء حقّ النقد، والأخذ، والردّ، والتقديم، والتأخير. أضيف نقطة أخرى لم تكن في الحسبان، ولم أكن أسعى إليها من خلال قراءتي للغربيين والفرنسيين، وأنا أتصفّح صباح اليوم عبر مكتبة وسط المدينة بعض العناوين بأقلام جزائرية عن شخصيات ثورية جزائرية، ألا وهي: أقرأ للفرنسي وللغربي، لأنّه يتعامل مع الجزائر، ويتحدّث عن الجزائر، وعن الثورة الجزائرية، بينما الكتب الجزائرية الأخيرة أصبحت تركّز على الصراعات بين قادة الثورة الجزائرية، والاختلافات فيما بينهم، ونسوا في خضم هذه الصراعات الشخصية والاختلافات الهامشية، الجزائر، وعظمة الثورة الجزائرية، وأمعنوا في الاختلافات التي لا تعني إلاّ أصحابها في تلك الفترة، وأهملوا التحدّث عن مايقوي المجتمع ويعزّز وحدته، وكأنّ الأمر يتعلّق بحلبة متصارعين وليست ثورة واجهت أعتى قوّة يومها بفضل. الجلاّد السّفاح “أوساريس” تباهى بجرائمه، و”ماصو” تباهى بجرائمه، وآخرون لا نعرفهم لحدّ الآن. وصاحب الكتاب الذي بين أيدينا ندم وأقرّ بأنه ارتكب جرائم التعذيب والاعتداء الجنسي على الجزائريين والجزائريات. وما يهم القارىء المتتبّع، أنّ هذا الفرنسي ومن على شاكلته، يقرّ بأنّه ارتكب جرائم، ما يدل على أنّه صادق في شهادته، ونأخذ منه لأنّه صادق في النقل والشهادة. التعذيب من رموز الاستدمار الفرنسي: اغتصاب السّفاحين الجلاّدين للرجال الجزائريين لم يكن على يد المثليين، إنّما كان يقصد به الإمعان في إهانة الجزائري. وقرأت هذا العام كتاب: Frantz Fanon « L’an 5 de la révolution algérienne ، يتحدّث عبره الفرنسي “فرانس فانون”، ويقول: إجبار المستدمر الفرنسي المرأة الجزائرية على ترك لباسها، خاصّة في مظاهرات 13 ماي 1958 لم يكن لإبراز جمال المرأة الجزائرية، أو تقليد الأوروبية، إنّما كان إمعانا في إهانة المرأة الجزائرية. إذن، إهانة الجزائري رجلا كان أم امرأة في دينه، وأخلاقه، ورموزه، وعرضه من أسس الاستدمار الفرنسي. متى يكتب الجزائري عن التعذيب الذي تعرّض له إبّان الاستدمار الفرنسي؟: ليست أوّل مرّة أقرأ لفرنسي ينقل شهادات جزائريين عن تعذيب الفرنسيين لهم. ولحدّ الآن لم أقرأ كتابا ومذكرات بقلم جزائري تعرّض للتعذيب الوحشي على أيدي السّفاحين الجلاّدين، إبّان الثورة الجزائرية والاستدمار الفرنسي. وفي المقابل أقرأ باستمرار شهادات عن فرنسيين اعترفوا بالتعذيب والاغتصاب، خاصّة وقد اعترف الكاتب الفرنسي في صفحة 29: اتّفقت مع جزائريين للتحدّث عن تعذيب الفرنسيين للجزائريين إبّان الثورة الجزائرية. تظلّ المرأة الجزائرية طاهرة رغم اغتصاب الجلاّدين السّفاحين الفرنسيين لها: المرأة بشكل عام، والمرأة الجزائرية بطبعها، لم تتحدّث لحدّ الآن عن الاغتصاب الذي تعرّضت له على أيدي الجلاّدين السّفاحين الفرنسيين يومها. ضف لها أنّ الاستدمار الفرنسي لم يكن يدرج التعذيب والاغتصاب الفردي والجماعي ضمن الإحصاءات الرسمية، لأنّه في نظره لم يكن هناك تعذيب، والجزائري في نظر المستدمر الفرنسي أقلّ من أن يتحدث عنه ويقيم له إحصاءات. وكلّ اغتصاب يكون من ورائه ولدا أو بنتا، وهذا موضوع ما زال لغاية كتابة هذه الأسطر لم يفتح في الجزائر لحدّ الآن. ونظلّ نحترم المرأة الجزائرية، ونقدّرها، ونثني على خصالها، ونفتخر بها أيّما افتخار، ولو تعرّصت للاغتصاب على أيدي الجلاّدين السّفاحين الفرنسيين، وتبقى الشريفة الطاهرة العفيفة العزيزة الكريمة. عقيدة التعذيب: ما تأسّف له الكاتب الفرنسي باعتباره شاهدا على التعذيب، ومقرّا بأنّه مارس التعذيب، أنّ الجنود الفرنسيين المحتلين يومها كانوا شبابا في زهرة أعمارهم، وكانوا يمارسون التعذيب، والاعتداء الجنسي، وسفك الأرواح، ببرودة تامة، وبحماسة شديدة، وإقبال ملفت للنظر، وعن قناعة وإقدام، ودون أن يتعرّضوا لضغوط من قادتهم، وهذا هو الذي ظلّ يحيّر الكاتب الفرنسي الشاهد، حتّى أنّه تساءل: كيف لشاب في مقتبل العمر يقوم بكلّ هذه الجرائم؟. ترقية التعذيب: تحدّث الكاتب الفرنسي عن الضباط الفرنسيين المحتلين الذين مارسوا أبشع أنواع التعذيب والقتل والاعتداء الجنسي ضدّ الجزائريين والجزائريات إبّان الثورة الجزائرية إلى جنرالات، ونالوا كشكر وثناء وجائزة على جرائمهم البشعة، أوسمة الشرف وحب الوطن، وقد ذكرهم الكاتب بالإسم خاصّة في أواخر الكتاب. وبدورنا نقول: الرؤساء الذين زاروا الجزائر كـ: فاليري جيسكار ديستان في عهد بومدين، و فرنسوا ميتران في عهد الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد رحمة الله عليه، و السّكير ساركوزي، والعاشق هولاند، والماكرو ماكرون، شاركوا في تعذيب، أو الاعتداء جنسيا على الجزائريين والجزائريات، أو صمتوا، أو منعوا التحدّث عن التعذيب والاعتداء الجنسي، أو أخفوا معلومات عن التعذيب والاعتداء الجنسي. خاتمة – أمنيتي: إنّي على استعداد لأنقل شهادات الجزائريين والجزائريات الذين تعرّضوا للتعذيب إبّان الثورة الجزائرية على أيدي الجلاّدين السّفاحين الفرنسيين، باللّغة العربية أو أترجمها إلى اللّغة العربية.
[1] مقالنا: ” المؤسسة الفرنسية للتعذيب إبّان الثورة الجزائرية: الحلقة الأولى”، وبتاريخ: الجمعة 27 ربيع الثاني 1440 هـ الموافق لـ 4 جانفي 2019 .
[2] مقالنا: “الجنرال أوساريس .. صناعة قتل وتعذيب الجزائريين”، وبتاريخ: الثلاثاء 8 صفر 1438، الموافق لـ 8 نوفمبر 2016 .
[3] مقالنا: ” مصنع التعذيب في عهد الاستدمار الفرنسي”، وبتاريخ: السبت 09 شوال 1439 هـ الموافق لـ 23 جوان 2017
[4] مقالنا: ” أنواع التعذيب المسلّط على الجزائريين في عهد الاستدمار الفرنسي”، وبتاريخ: الثلاثاء 26 شوال 1439 هـ الموافق لـ 10 جويلية 2017