السيمر / الثلاثاء 22 . 01 . 2019
شهدت جلسات البرلمان الاولى حضور نحو 90 بالمئة من أعضاء المجلس البالغ عددهم 329 نائبا، ولكن سرعان ما انخفض هذا الحضور تدريجياً مع انعقاد الجلسات اللاحقة الى حد النصاب بغياب 30 بالمئة من أعضاء المجلس أبرزهم القيادات السياسية ورؤساء الكتل، وهذا ما دفع أعضاء لجنة النزاهة النيابية إلى جمع ما يقارب 97 توقيعاً لاستبعاد المتغيبين بصورة نهائية وإقالتهم وفق قانون مجلس النواب ببنديه الثالث والرابع من المادة 11 رقم 13 لسنة 2018، ذا لم تحد الغرامات المفروضة من قبل رئاسة المجلس بحقهم من تكرار حالات الغياب.
وقال عضو لجنة النزاهة النيابية صباح العكيلي في تصريح خاص لـ”الصباح”: “ينص البند الثالث من قانون مجلس النواب من المادة 11 رقم 13 لسنة 2018 على إقالة النائب إذا تجاوزت غياباته ثلث جلسات المجلس للفصل التشريعي الواحد من دون أي عذر مشروع، كما نص البند الرابع من نفس القانون على أن تخلف النائب عن أداء اليمين الدستورية بسبب تسنمه منصبا تنفيذيا آخر يعد تداخلا بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وهو ممنوع دستوريا خاصة وإن أغلبهم يشغل منصبا تنفيذيا، لذلك طالبنا من رئاسة مجلس النواب مفاتحة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لتزويد المجلس بأسماء بدلائهم وفق قانون الانتخابات للمصادقة عليها”.
غرامات مفروضة
من جانبها، اكدت عضو تحالف دولة القانون النائب عالية نصيف في حديث لـ”الصباح”، أن “الغرامات المفروضة لم تكن كافية للحد من حالات التغيب التي يشهدها مجلس النواب في كل جلسة، فقد وضعنا في السلوك النيابي لمجلس النواب غرامة مقدارها 500 الف دينار تقطع من راتب النائب المتغيب عن كل جلسة، وزادها رئيس المجلس محمد الحلبوسي الى مليون دينار، إلا أن هذا الامر لم يحد من سلسلة الغيابات المتكررة والتي نص عليها القانون بفصل النائب من مجلس النواب إذا غاب خمسة عشر يوما في الفصل التشريعي الواحد من دون عذر شرعي، ليؤثر وبشكل سلبي في اتخاذ القرارات التشريعية والرقابية المتعلقة بالمواطن”.
واضافت نصيف، “لا يمكن اعتبار أن النائب المنسحب من الجلسة البرلمانية غائباً فهذا الامر يعتمد على الموقف السياسي لكل كتلة سياسية من حقها أن تتخذ هذا القرار، لذلك فإنه في بعض الاحيان يشدد رئيس مجلس النواب على جمع تواقيع أثناء الجلسة لمعرفة المتغيبين”.
وأشارت النائب نصيف إلى أن، “الناخب هو من عليه معاقبة ممثله الذي لا يقوم بواجبه بالشكل الصحيح خاصة وإن العقوبات المفروضة من قبل مجلس النواب لم تؤثر فيه”، وأوضحت “للحد من كل تلك الانتهاكات؛ على مجلس النواب وضع قاعدة بيانات نهاية كل دورة تشريعية ومعرفة ما قدمه كل نائب خلالها ليتسنى للناخب تقييم المنتخب في الانتخابات”.
وبين النائب عن كتلة الجيل الجديد سركوت شمس في تصريح خاص لـ”الصباح”، “لقد أصبح تغيب النائب حالة ملازمة للمجلس، إذ تشهد الجلسة البرلمانية الواحدة تخلف أكثر من 50 نائبا عن الحضور، وقد يصل ببعضهم الى التواجد مرة واحدة في الشهر حتى لا تطالهم الغرامات التي فرضها قانون مجلس النواب على المتغيبين، ومع الأسف فإن أغلب المتغيبين من رؤساء الكتل والقيادات”، وأضاف، “وضعنا من ضمن النظام الداخلي عدة نقاط للتشديد على مسألة التغيب المتعلقة أساسا بهيئة الرئاسة التي عليها اتخاذ كل مايلزم لتطبيق فقرات القانون إما بالزامهم بالحضور أو إقالتهم”.
أعذار شرعية
النائب عن كتلة الفتح النيابية وليد السهلاني، أكد في تصريح لـ”الصباح”، ان “عدم الالتزام والانضباط من قبل بعض النواب في حضور الجلسات يعطي صورة غير صحيحة عن مجلس النواب الذي يمثل السلطة العليا التي نصت عليها المادة الاولى من الدستور، لذلك على النائب أن يكون أكثر التزاماً وانضباطاً من ناحية الدوام الرسمي خصوصاً في ما يتعلق بالجلسات المصيرية”، لافتاً الى أن “خير مثال على ذلك، هو ما حصل في جلسة سابقة كان يحتم على مجلس النواب فيها مناقشة ما يتعلق بالتقاعد العسكري ومناقشة الموازنة العراقية التي تمثل حالة استثنائية، اذ مدد البرلمان خلالها الفصل التشريعي بسبب عدم استكمال مناقشة الموازنة، والتصويت المتعلق بهذه القضايا المصيرية يحتم على مجلس النواب اتخاذ الإجراءات الخاصة للبت بها، لذلك أعتقد أن الالتزام بالحضور من قبل النائب أمر مهم جدا في سن القوانين والتشريعات التي بطبيعتها تصب في مصلحة المواطن”.
واقترح السهلاني على مجلس النواب “عقد جلسة باتفاق نيابي يطرح من خلالها المشاكل المتعلقة بتغيب النواب عن قصد و من دون أي أعذار شرعية واتخاذ الاجراءات القانونية التي تحد من موضوع عدم الالتزام بالحضور والذي يترتب عليه أثر سلبي على المواطن العراقي بشكل مباشر”.
القوانين التشريعية
من جانبه، أوضح الخبير القانوني على التميمي، أنه “وفق المادة 18 الفقرة الثانية من قانون مجلس النواب توجه هيئة الرئاسة إنذاراً للنائب المتغيب لخمس جلسات خلال السنة وعشر جلسات متفرقة، وفي حالة امتناع النائب عن الحضور يعرض الموضوع على مجلس النواب وفق المادة 52 من الدستور الذي أجاز للمجلس البت في صحة عضوية الاعضاء بأغلبية الثلثين خلال ثلاثين يوما من الاعتراض”.
وأضاف التميمي في تصريح لـ”الصباح”، ان “غياب النواب عن جلسات المجلس يؤثر بشكل كبير في التصويت وتوزيع الحقائب الوزارية، لذلك يجب على الجهات المعنية اتخاذ الاجراءات الرادعة بحق من يستخف بمصائر الشعب المتعلقة بالتصويت على القوانين واستبدالهم وفق قانون رقم 6 لعام 2016 وقانون 49 لعام 2007”، لافتاً إلى أنه “في حالة إقرار المجلس استبدال العضو المتغيب، يحل محله كنائب في البرلمان الشخص الذي يليه من نفس المحافظة والقائمة بعد مصادقة المحكمة الاتحادية على الاسم وتأدية اليمين الدستورية”.
الخبير القانوني طارق حرب، أشار إلى أن “العقوبة المقررة ضمن قانون مجلس النواب الجديد رقم 13 لسنة 2018 بشأن عدم حضور النائب قد تصل الى حد الإقالة إذا بلغت الغيابات ثلث الفصل التشريعي البالغ ستة أشهر، فإذا بلغ غياب النائب شهرين منها لا تحصل الإقالة إلا بالتصويت، ومنذ تأسيس البرلمان عام 2006 لم تتم إقالة أي نائب بسبب تغيبه”.
وأوضح، إن “استمرار سلسلة التغيب؛ ماهو إلا دليل على استهانة الاعضاء بقرارات المجلس والقانون، إذ شهدت جلسة الثلاثاء في الأسبوع الماضي تغيب 65 بالمئة من أعضاء المجلس، على الرغم من أن الجلسة لم تحتو شيئا خلافيا، فكل ما كان مطلوبا هو اجراءات متعلقة بتعديل قانون خدمة التقاعد العسكرية وخدمة قوى الامن الداخلي والسير في قانون الموازنة”.
وطالب حرب، هيئة رئاسة مجلس النواب، بـ”تنفيذ العقوبات فعليا وإقالة اثنين أو ثلاثة من النواب ممن بلغ عدد غياباتهم العدد المقرر لاستعادة هيبة رئاسة المجلس وتعزيز الروح الوطنية، فالحضور الى البرلمان هو مسؤولية وطنية ومصير أمة لا يمكن الاستهانة بها”.
السلوك النيابي
وأوضح المحلل السياسي كاظم الحاج في تصريح خاص لـ”الصباح”، أن “مدونة السلوك النيابي، الغرامة المالية، النظام الداخلي لمجلس النواب، وقبل كل هذا اليمين الدستورية وفق المادة 50 آليات حاول المشرع القانوني أن يضبط من خلالها التزام النائب وممثل الشعب بالحضور الى مجلس النواب لممارسة عمله التشريعي والرقابي، لكن مع الأسف فإن الحصانة والمحاصصة وحماية الكتل السياسية وزعاماتها يدفعهم للتغيب على الرغم من الإنذارات المقدمة من قبل المجلس”.
ويرى الحاج أن “معدل التغيب يكاد يكون ثابتا في كل جلسة، فهناك دائما مئة نائب أو أقل وأحيانا أكثر، هم غائبون عن جلسات مجلس النواب، وللأسف هذه السمة أصبحت عرفاً برلمانياً في الدورات الثلاث الماضية لمجلس النواب وهي مستمرة في هذه الدورة رغم أنها في بدايتها، وهناك قوانين على أعلى درجة من الأهمية رُحلت من الدورات السابقة الى هذه الدورة، بالاضافة الى أن هذه الدورة من المفترض أن تكون مختلفة من حيث توجه الكتل السياسية ونوابها لمحاربة الفساد وتشريع القوانين اللازمة التي تسهم في تحقيق هذا التوجه”.
تسريبات نيوز