السيمر / فيينا / الاثنين 18 . 03 . 2019
محمد ضياء عيسى العقابي
سقطت جميع المؤامرات على العراق الديمقراطي فضاقت السبل في وجه المتآمرين المتنوعين (عالميين وإقليميين ومحليين) المتفاهمين مع بعضهم البعض ولديهم غرف عمليات متخصصة بالشأن العراقي. لكنهم لا يستكينون. إنهم يبتدعون الطرق لفك الطوق عن رقابهم ومواصلة الهجوم. كيف لا والمسائل المطروحة مصيرية لإولئك المتآمرين:
– فالرأسمالية الإمبريالية قطعت شوطاً غير قصير على طريق الإنحدار بسبب طبقيتها الظالمة المتوحشة فشددت سياسة توتير الأوضاع العالمية حتى أصبح العالم أقرب الى الصدام العالمي من أية فترة مضت أيام الحرب الباردة، قاصدةً بذلك ترهيب الشعوب لنهب ثرواتها لمداراة أزمة الرأسمالية مثلما تحاول أمريكا اليوم إخضاع فنزويلا بإسلوب أقرب الى البلطجة؛
– وإسرائيل ما عادت تسرح وتمرح عسكرياً في فلسطين والدول العربية وفقدت القدرة على تقرير قواعد الإشتباك مع محور المقاومة بضمنه سوريا الناهضة، ولكن القيادة اليمينية المتطرفة الإسرائيلية إعتدائية مغامرة وأمريكا تمدها بوسائل العدوان ولكن القضية الفلسطينية تنهض من جديد والشعب الفلسطيني يخوض النضال في سبيل حقوقه متحدياً عربدة اليمين الإسرائيلي المتواصلة وأمريكا تمده بنظام “ثاد” المضاد للصواريخ؛
– ومملكة آل سعود مرتعبة أشد الرعب من الديمقراطية العراقية لأن أساسها المذهب الوهابي الإرهابي المتخلف آيل الى الزوال عن وجه الأرض لوقوعه خارج سياق العصر وما عادت تنفع الترقيعات والتغطيات والتشويهات والمال والرشى، وأصبح سلاح الوهابية المتمثل بإثارة الطائفية على نطاق الداخل السعودي والمنطقة والعالم يرتد عليها إذ جعل المسلمين يفتشون عن الأصول التأريخية ويفهمون حقيقة الوهابية ويفهمون سبب خضوع نظام آل سعود السياسي للإمبريالية والصهيونية العالمية، ولنا خير مثال في الصمود الرائع للشعب اليمني في وجه آل سعود المدعومين من أعتى قوى الأرض إجراماً الإمبريالية والصهيونية؛
– والطغمويون والإنفصاليون ذهبت ريحهم بقضاء العراق الديمقراطي بقواته المسلحة وحشده الشعبي على داعش وإنكشاف الحقيقة القذرة للطغمويين أمام الجماهير العراقية وخاصة الجماهير السنية، ومن ثم تبعه فشل إستفتاء الإنفصال المدعوم إسرائيلياً وأمريكياً الذي إستفز العراقيين أولاً ومنهم الجماهير الكردية التي تناضل ديمقراطياً يداً بيد مع شعوب المنطقة وفي مقدمها الشعب العراقي من أجل تحقيق الأماني القومية والعدالة للجميع، وإستفز الجيران الترك والإيرانيين خوفاً من خلق قاعدة أمريكية على غرار إسرائيل عند حدودهما.
فما الجديد من تكتيكات لإنقاذ الموقف؟
لا علاج جذري لكل العلل المستحكمة الخمس المذكورة أعلاه. ولكن هناك دواء “مُسكِّن” لبعض الوقت إذا ما نجح، وسوف لا ينجح، وهو إمساك أمريكا بمفاصل الحكم في العراق لمتابعة تنفيذ مشروع المحافظين الجدد القاضي بتمرير صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية وتمزيق وتدمير ما تبقى من الدول العربية غير مدمر، وخاصة مصر والجزائر، وتمكين إسرائيل من التحكم بها (بقفاز سعودي مرحلي) وضرب النظام الإسلامي في إيران وربما النظام التركي أيضاً والمضي نحو شرق آسيا لتخريب روسيا والصين وأخيراً الهيمنة على العالم بالمطلق لتصريف أزمات الرأسمالية الخانقة إليه.
ولكن كيف يتم الإمساك بمفاصل الحكم في العراق وقد فشلت أعتى مؤامراتهم من القاعدة لأبي مصعب الزرقاوي وصولاً لداعش وكلها كانت مدعومة طغموياً ومن الأطراف المتنوعة سالفة الذكر؟
لقد بدأ مسعى تكتيكيٌّ أمريكيٌّ جديدٌ بعد فشل الصعقة الأولى التي تمثلت بسيطرة داعش على ثلث المساحة العراقية وتفاؤل أمريكا وعملائها في الداخل والمحيط من إحتمال سيطرة داعش على كل الأرض العراقية لـ “تطهير” الوسط والجنوب من أهله “الصفويين” وغيرهم وإحداث تغيير ديموغرافي على غرار ما حصل في حقبة إبادة شعوب أمريكا الأصليين. ينقضُّ بعد ذلك “ثوار العشائر” (إقرأ: عملاء أمريكا) على داعش بحلق اللحى وتبديل الزي. وهكذا تُمسك أمريكا بتلابيب القرار العراقي.
بتقديري، إن هذا المسعى الإبادي لشيعة العراق من جانب الأمريكيين، مازال قائما، بل أصبحت الحاجة إليه أكثر إلحاحاً. وقد هدّد برت ماكورك، مبعوث ترامب للتحالف الدولي، السياسيين العراقيين بـ “عودة داعش” ما لن ينتخبوا حيدر العبادي لولاية ثانية حسبما قاله السيد عزت الشابندر لفضائية “روسيا اليوم”.
قد يستغرب ويستبعد البعض فكرة الإبادة. أقول: لا تستغربوا. قبل سنين كتب الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي والوزير اللبناني الأسبق الدكتور جورج قرم بأنه لو إكتشف الغرب النفط العراقي في حقبة إبادة شعوب أمريكا الأصليين لأبادوا الشعب العراقي.
واليوم مع ترامب العنصري رئيساً للولايات المتحدة الإمبريالية وطاقمه اليميني المتطرف أمثال مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو ومندوبه الى فنزويلا لا يُستبعد أن تراودهم أفكار الإبادة هذه التي تصب أيضاً في صالح النظام الوهابي السعودي المحتضر.
وكواقع وهو الأخطر، رصدتُ تصريحات غامضة صدرت في الآونة الأخيرة عن قادة ومتابعين سياسيين عراقيين عديدين ومن شتى الإتجاهات كلهم يتكلمون عن هواجس بشيء ما جلل قد يحصل في العراق. آخر المتحدثين كان السيد هادي العامري إذ حذّر في إحتفال يوم الشهيد عن الذهاب الى “مصير مجهول” في حالة نجاح محاولات إفشال حكومة الدكتور عادل عبد المهدي.
كل هذه الهواجس والتحسسات والتوقعات الغامضة لدى البعض كانت واضحة، بالنسبة لي على الأقل، ومنذ مدة طويلة وأعني منذ سقوط الموصل في 10/6/2014. ألم يقل البغدادي إنه سيتوجه بعد الموصل الى حيث يبيد عَبَدَةَ الحجر والبشر ويقصد الشيعة؟ وإن فشلوا في المرة الأولى فإن أصحاب العلل المستحكمة الخمس آنفي الذكر مازالوا متمسكين بسعيهم التدميري بكل همة وجد من أجل خدمة مخططهم العالمي للتغلب على أزماتهم الخانقة، ذلك السعي الذي بدأ من العراق المستعصي عليهم الأمر الذي يبرر لهم تنفيذ جريمة الإبادة الكاملة لشيعة العراق، كما ورد أعلاه، لإزاحة عائق كبير يقف في طريقهم.
كان أحد الأسباب التي ساقها الأمريكيون لمعارضة إحتلال صدام للكويت هو أن ضمَّ الكويت للعراق كان سيضع بين يدي صدام 12% من نفط العالم وهذا غير مقبول لهم علماً أن الشعبين العراقي والكويتي معارضان للنظام الصدامي. فما بالكم اليوم إذا إتحد نفطا العراق وإيران بحجمهما الأكبر، وكلا النظامين ذوا قواعد شعبية رصينة تصعب على أمريكا و”حلفائها” زعزعتهما؟ وربما تتحد معهما نفوط الجزائر وفنزويلا وروسيا. قد يقود هذا ألإمبريالية الأمريكية الى أن تنزل من بغلتها أو الإنتحار بشن حرب عالمية جنونية مدمرة لها قبل غيرها؛ أو أن تحصل ثورة في الداخل الأمريكي تقوم بها الجماهير الأمريكية الواسعة التي ليست لها لا ناقة ولا جمل من وراء الكسب الإمبريالي غير الشريف.
علينا أن نتذكر دائماً أن إغتصاب فلسطين وتشريد الشعب الفلسطيني لم يأتيا على أسس إنسانية لنصرة اليهود المضطهدين والمشردين كما يدعي الإمبرياليون والصهاينة بل كانا ضرورة أملتها مصالحهم الإمبريالية لجعل إسرائيل قاعدة متقدمة في المنطقة العربية والشرق الأوسط ذات الإنتاج النفطي والموقع الجغرافي الهامين لهم ففبركوا وإخترعوا قصة وهمية لا سند لها في التأريخ وجعلوا الشعب اليهودي المسكين درعَهم الهجومي، ووسيلتُهم هي تأثيرُ الحركة الصهيونية الماسكة بالمال والإعلام في أمريكا والقادةُ اليمينيون المتطرفون أمثال نتينياهو. وفي الأساس كانت فكرة خلق إسرائيل في فلسطين فكرة فرنسية لفصل المشرق العربي عن مغربه وتسهيل السيطرة عليهما ومن ثم طبّق البريطانيون تلك الفكرة.
لقد وُصفت إسرائيل بالأسطول الأمريكي الثابت؛ ونُقل عن السيد (جو بايدن)، نائب الرئيس (باراك أوباما)، قولُه إنه “لو لم تكن إسرائيل موجودة لخلقناها”.
(للعلم فإن فلسطين لا علاقة لها باليهود أساساً لا من قريب ولا من بعيد وأن بني إسرائيل هم قبيلة يمنية لم تكن يهودية كما أثبت ذلك الباحث العراقي والمؤرخ والقاص السيد فاضل الربيعي الذي أعطى شرحاً وافياً لهذه المسألة في برنامج “لعبة الأمم” لمخرجه الإعلامي البارع السيد سامي كليب في أروع فضائية تنتصر للإنسان في كل مكان أعني “فضائية الميادين” وذلك بتأريخ 6/3/2019.)
عليه وضعت أمريكا تكتيكاً طويل النفس فأمرت أتباعها بالتحوّل الى التكتيك الناعم فأطاعوا وفعلوا. ومن مظاهر ذلك التكتيك الجديد إهتمام السعودية وثامر السبهان بملاعب كرة القدم العراقية لتعزيز “عروبة” العراق، وإهتمام رئيس مجلس الأمة الكويتي بـ “عروبة” العراق ودعوته لعقد مؤتمر في بغداد لتأكيد عروبته، وصراخ المدعو إبراهيم الصميدعي وأمثاله “والله تعبنا، نريد أن نعيش مثل الكويتيين والسعودييين” كما أطلقها في حوار في فضائية “العهد”.
بقيت هذه طقطقات ناعمة لا تَعْبر على العراقيين. الآن بلغ الوضع المرحلة الحرجة وهي تقرير مصير الآلة الحقيقية التي يمكن بها إحداث فعل الإمساك بتلابيب القرار العراقي ألا وهي القوات والقواعد الأمريكية الموجودة على أرض العراق التي صرخ ترامب بإصرار، ليل نهار، أنها موجودة وسيتحرك منها ضد سوريا و”يتنصت” على إيران ولم يذكر واجبها الرئيسي، بالطبع، وهو ضعضعة الوضع الداخلي بخلق النزاعات والفرقة الطائفية والقومية ومحاولة تقسيم العراق وتشجيع الطغمويين والإنفصاليين على التخريب ومنع البناء وتقديم الخدمات للمواطنين بغية إثارتهم ضد النظام الديمقراطي تمهيداً وسعياً لتمكين عملاء أمريكا من الهيمنة على العراق بطريقة أو أخرى وتمكين ترامب من الإمساك بالنفط العراقي وهو بيت القصيد لترامب السمسار والوثوب من العراق على سوريا وإيران وربما تركيا إندفاعاً نحو الشرق وهو بيت قصيد إستراتيجيي مشروع المحافظين الجدد الذي إستقر في صلب الدولة العميقة الأمريكية بصفتيها العسكرية والمدنية.
مقابل تأكيدات ترامب بشأن وجود قوات قتالية وقواعد عسكرية على الأرض العراقية، تكتفي حكومة السيد عبد المهدي بتأكيد رأيها ورغبتها في عدم السماح بتواجد عسكري وقواعد عسكرية أجنبية على الأرض العراقية؛ ولكنها لم تخبرنا بواقع الحال: هل هي غير موجودة فعلاً أو أنها موجودة بالطريقة البهلوانية التي كان يخدعنا بها الدكتور حيدر العبادي وبرر وجودها تحت مسميات كاذبة مقابل، كما يبدو، دعم الأمريكيين له لعهدة ثانية لكن الشعب العراقي وقواه الحية شمّت رائحة غير وطنية فأبعدت العبادي عن سدة الحكم؟
أشعر أن الدكتور عبد المهدي مكبّل بإبتزاز مقتدى الصدر وحلفاءه ومشاريعه الصغيرة التي تخلق وضعاً يستغله الأمريكيون وعملاؤهم مؤكَّداً لتنفيذ جريمة الإبادة الجماعية للشيعة التي سبق الحديث عنها.
لذا فعلى الجميع الإرتقاء الى مستوى المسؤولية لأن الوضع خطير جداً ولا يحتمل العبث.
(يتبع 3)