السيمر / فيينا / الخميس 20 . 06 . 2019
لم يحاكم أي من المدانيين بالتسبب بحادثة سبايكر وسقوط الموصل حتى الآن
استعاد العراقيون خلال الأيام القليلة الماضية ذكرى مرور 5 سنوات على “مجرزة سبايكر”، وهي حادثة مقتل أكثر من 1700 منتسب وطالب في القاعدة الجوية المعروفة بهذا الاسم في محافظة صلاح الدين على يد تنظيم “داعش”، بعد أيام قليلة من سيطرته على مدينة الموصل في 9 حزيران/ يونيو 2014، مقابل تراجع القوات الأمنية حينها إلى أطراف العاصمة بغداد، قبل أن تبدأ هجومها المعاكس رفقة آلاف المتطوعين وفصائل مسلحة.
استذكر العراقيون حادثة سبايكر بمرور 5 سنوات منذ ارتكابها على يد تنظيم “داعش” نتيجة انهيار القوات الأمنية
ذوو الضحايا ذهبوا، الأربعاء الماضي 12 حزيران/ يونيو، إلى موقع الحادثة والمكان الذي أعدم فيه التنظيم أبناءهم على حافة نهر دجلة حيث ألقى جثثهم، في عادة واظبوا عليها كل عام من الخمسة الماضية، فيما تظاهر المئات، يوم الجمعة، بدعوة من لجان تنسيقية في بغداد وعدة مدن وسط وجنوب العراق مطالبين بمحاسبة المقصرين في الحادثة.
بعد ثلاثة أيام، زار رئيس الحكومة عادل عبد المهدي الموقع ذاته وكشف من هناك أن “عدد شهداء سبايكر 1972″، وهو أول رقم رسمي يخالف العدد المتداول، فيما أشار إلى أن “جهودًا كبيرة ومتواصلة تبذل لحسم ملف مجزرة سبايكر وضمان حقوق عوائل الشهداء والمفقودين”.
مكتب عبد المهدي الإعلامي وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي نشرت صورًا توثق إجراء الأخير جولة في المكان الذي شهد وقوع الحادثة ومحيطه، مرتديًا السواد ويتطلع في وجوه بعض الضحايا الذي اصطفت صورهم قرب القصور الرئاسية في تكريت، وهو ما تفاعل معه آلاف المعلقين بسخط، مذكرين بالعزاء الحقيقي الذي لم يقدمه المسؤولون منذ 5 سنوات بانصاف عوائل الشهداء ومحاكمة المتسببين بالحادثة التي مهد لها انهيار القوات الأمنية وسقوط الموصل.
تفاعل الآلاف بسخط مع زيارة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي إحدى المواقع التي أعدم فيها مئات الشباب في تكريت وعدوها “فعاليات إعلامية”
“فعاليات إعلامية لم تعد تنطلي علينا”!
كثيرون من أصحاب هذه التعليقات لم يروا في تلك الجولات التفقدية للمسؤولين وإلتقاطهم الصور ما ينفع عوائل الضحايا بشيء و”لا يثلج قلوب” إمهاتهم اللاتي يتظاهرن بشكل مستمر في بغداد للمطالبة بحقوق تقاعدية لمن لم يشمله ذلك بسبب عدم العثور على جثث بعض الضحايا، وما يقاسينه من متاعب بسبب الإجراءات الروتينية المتبعة في دوائر الدولة أثناء مراجعتهن. وهو ما يتحدث عنه ذوو الضحايا في لقاءات متلفزة توثق تظاهراتهم العديدة، التي اقتحموا مبنى البرلمان في واحدة منها في أيلول/ سبتمبر 2014.
قسم آخر، رأوا أن عبد المهدي “لو زار” عوائل الضحايا واستمع لمطالبهم ثم اتخذ على أساسها قرارات فعلية بشأن رواتب أبناءهم وشمولهم بتوزيع قطع أراض ومخصصات أخرى، مثل التي تمنح لمحتجزي “معسكر رفحاء”، تحفظ كرامتهم وتخفف شيئًا من “فجيعتهم المهولة” لكان قد “اختلف” عن غيره من المسؤولين السابقين، ومنهم سلفه حيدر العبادي، وجاء بشيء جديد يختلف عن “الفعاليات الإعلامية” التي اعتاد عليها العراقيون ولم تعد تنطلي عليهم، أما “قراءة الفاتحة على أرواح الضحايا فهو فعل يقوم به عامة الناس.
جدد المتفاعلون أيضًا، عدم ثقتهم بالمسؤولين وشككوا بجديتهم بالاهتمام بأسر الضحايا، “وإلا لكانوا قد ذهبوا إلى منازلهم خلال شهر رمضان المنصرم ليتعرفوا على احتياجات هذه العوائل بشكل مباشر ويطلعوا على أحوال نساء وأطفال الشهداء وماحضروه من ملابس للعيد، أو يفتحوا لهم أبواب مكاتبهم الرسمية على الأقل”.
أحدهم واسمه “قاسم عبد الكريم” خاطب عادل عبد المهدي: “اييييي ايييي هسة ارتاحت قلوب الامهات.. دمشي ابو الهوك لوك”، دون أن يوضح قصده بـ “الهوك لوك”.
“العزاء الحقيقي!”
معظم المتفاعلين مع الأمر، اتفقوا على أن “العزاء الحقيقي” الذي يجب تقديمه لهذه العوائل هو محاسبة المسؤولين الحكوميين المقصرين في الحادثة، الذين أدى “فسادهم وإهمالهم” إلى وقوعها. وأرفق بعضهم في التعليقات، صورًا لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي كأبرز أولئك المسؤولين، في وقت تشير تقارير صحافية، إلى أن “حزب الدعوة يمارس ضغوطات منذ سنوات على القضاء واللجان التحقيقية والتنفيذية في المجلس، من أجل منع استدعاء نوري المالكي والتحقيق معه بشأن مجزرة سبايكر”.
أشار متفاعلون إلى عدم التفات المسؤولين إلى أسر الضحايا وعدم إعمار المناطق المحررة كـ “عزاء حقيقي” بالشهداء والضحايا
آخرون، استبعدوا أن تؤدي زيارة رئيس الحكومة لموقع “مجزرة سبايكر” إلى نفع عوائل ضحاياها، فالحكومة كما يرون، “لم تفعل شيئًا” لتخفيف معاناة المواطنين “الأحياء”، هذه الأيام، من جراء تردي التيار الكهربائي وانقطاعه حتى عن المستشفيات ودوائر حكومية وثيقة الصلة بمصالحهم ما دفع العشرات للتظاهر احتجاجًا على ذلك.
ولفت انتباه هذا القسم، جسر بدا متهدمًا على مقربة من المكان الذي تجول في عادل عبد المهدي، وهو ما اعتبروه مظهرًا من مظاهر “الإهمال الحكومي، والفساد بملف إعادة إعمار المناطق المحررة، الذي رصدت له أموال طائلة من خزينة الدولة”.
لم يتسلم عدد كبير من أسر ضحايا سبايكر أي حقوق لعدم العثور على رفاتهم حيث يشترط القانون مرور 10 سنوات على غيابهم لاعتبارهم شهداء
كانت وزارة الصحة أعلنت مطلع آيار/ مايو الماضي، إكمال إجراءات فحص ومطابقة الحمض النووي الخاصة بالوجبة 28 من “ضحايا مجزرة سبايكر” وعددهم 28 شخصًا نشرت أسماءهم حينها. فيما قال النائب السابق جاسم محمد جعفر في تصريحات صحافية، الأربعاء الماضي، إن “400 من شهداء ضحايا سبايكر لم يحصلوا على حقوقهم لغاية الآن بسبب اشتراط القانون العراقي بقاء الإبلاغ عن المفقود لمدة 10 سنوات ليحتسب بعدها شهيد، وهو ما ضيع حقوق ذويهم”.
وأنهى البرلمان يوم الثلاثاء 11 حزيران/ يونيو الجاري، القراءة الثانية لمشروع قانون “حقوق شهداء مجزرة سبايكر”، الذي تبناه رئيس الجمهورية برهم صالح. ويتضمن المشروع “اعتبار كافة ضحايا جريمة القاعدة الجوية شهداء سواء الذين عثر على رفاتهم أو المفقودين حتى الآن، وشمول ذويهم بتوزيع قطع الأراضي، وإكمال فتح المقابر الجماعية الخاصة بهم، ومتابعة الفاعلين أو المشتركين أو المساهمين أو المساعدين أو المسهلين أو المحرضين على ارتكاب الجريمة وعدم شمولهم بأي عفو عام أو خاص”.
لكن الخبير القانوني طارق حرب أشار، إلى أن “الحقوق والامتيازات التي يمنحها مشروع القانون لضحايا سبايكر أقل بكثير من تلك الممنوحة للسجناء السياسيين ومحتجزي رفحاء، من حيث الراتب والأراضي والسفر والعلاج”.
سبايكر.. “الهاوية”!
مع تشكل البرلمان الحالي في 3 أيلول/ سبتمبر 2018، تعهد تحالف “سائرون” المدعوم من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بـ”فتح ملفي سقوط الموصل ومجزرة سبايكر، ومحاسبة المسؤولين المقصرين فيهما”. ويدين الملف الأول، بحسب رئيس لجنة الأمن والدفاع البرلمانية في الدورة السابقة حاكم الزاملي، الذي تولى رئاسة لجنة التحقيق الخاصة به، 36 شخصية تبدأ برئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي ومحافظ نينوى السابق أثيل النجيفي والوكيل الأقدم لوزارة الداخلية عدنان الأسدي، فصلًا عن أبرز القادة العسكريين آنذاك، وتصل إلى القنصل التركي.
هذه التعهدات من جانب “سائرون”، والتي تصاعدت وتيرتها مع ذكرى الحادثتين في حزيران/ يونيو الجاري، أثارت حفيظة المقربين من المالكي، حيث حذر القيادي في إئتلاف “دولة القانون” محمد الصهيود الخميس 13 حزيران/يونيو، من أن “الاتهامات الفارغة لنوري المالكي بشأن سقوط الموصل ومجزرة سبايكر، ليست من مصلحة البلاد وتؤدي إلى سقوط الجميع في الهاوية”.
لم يتم حتى الآن محاسبة أي من قائمة المقصرين في حادثتي سقوط الموصل وسبايكر والتي تضم قيادات سياسية وعسكرية أبرزهم المالكي
أما رئيس فريق التحقيق الأممي لـ “تعزيز المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها داعش” كريم أسد أحمد خان، فقد قال في بيان بمناسبة الذكرى الخامسة لـ “مجزرة سبايكر”، إن “التحقيقات المستقلة والمصداقية والمحاكمات العادلة تعتبر من الأمور الأساسية لتحقيق عدالة هادفة لضحايا جرائم داعش وأقاربهم”.
المصدر / تسريبات نيوز