السيمر / فيينا / السبت 27 . 07 . 2019
ربما تشهد الانتخابات المحلية المقبلة في العراق نسبة مشاركة ضئيلة (تويتر)
بعد شد وجذب لنحو عامين، صوّت مجلس النواب مساء الاثنين 22 تموز/يوليو 2019 على التعديل الأول لقانون انتخابات مجالس المحافظات غير المنتظمة في إقليم والأقضية التابعة لها رقم 12 لسنة 2018. وتضمّن القانون اعتماد طريقة “سانت ليغو” في احتساب أصوات الناخبين وفق القاسم الانتخابي 1.9، الأمر الذي عارضته العديد من القوى والتيارات الصغيرة المستقلة والمدنية، لاعتقادهم أنه يصب في مصلحة الكتل الكبيرة.
التعديل الأول حمل معه موعد إجراء الانتخابات في الأول من نيسان/أبريل من العام القادم. كما تضمن إجراء انتخابات كركوك في وقتها واضعًا شرط تدقيق سجل الناخبين ومطابقة الأسماء الواردة في البطاقة التموينية مع هويات الأحوال المدنية.
وفيما ترى قوى سياسية أن طريقة احتساب الأصوات المعتمدة في القانون تضر بالكتل الصغيرة، وقد تؤثر على نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة، ترى قوى أخرى أن ذلك القانون سيخلق انسجامًا داخل الحكومات المحلية، ويمنع المشكلات التي ظهرت في الانتخابات السابقة.
انتكاسة ودكتاتورية
خلق التصويت على التعديل الأول لقانون المجالس المحلية العديد من ردود الفعل المعترضة عليه. واعتبر النائب عن كتلة النهج الوطني في 23 تموز/يوليو تصويت البرلمان على خيار سانت ليغو المعدل 1.9 هو “انتكاسة خطيرة في مجمل العملية السياسية والحالة الديمقراطية في البلاد”، مبينًا أن “العديد من القوى السياسية تنصلت عن وعودها للجماهير بإيجاد قانون انتخابي يمثلهم تمثيلًا حقيقيًا، بعد تصريحاتها بأنها ستبحث عن خيار آخر”.
وفيما يعتبر بعض السياسيين والمراقبيين أن القانون الحالي يسمح للأسماك الكبيرة أن تأكل بقية الأسماك على حد قول النائب عن الحكمة حسن خلاطي في تصريح صحفي، يصف الخبير القانوني علي التميمي التعديل الجديد بأنه “دكتاتورية من الكتل الكبيرة، سيسحق الكتل الصغيرة ويحرمها من التمثيل في الحكومات المحلية”. ويلفت التميمي إلى أن “الحصول على مقعد مجلس المحافظة سيكون أصعب من الحصول على مقعد برلماني بعد التقليص الجديد”، موضحًا أن “قانون سانت ليغو المعروف يعتمد نسبة 1.4 لينصف الكتل الصغيرة وتجد لها تمثيلًا في البرلمانات والحكومات المحلية”.
مطالب الاحتجاج .. ذهبت مع الريح؟
في سنوات خلت، تظاهر الصدريون رفقة المدنيين في ساحة التحرير وسط وبغداد وبقية المحافظات احتجاجًا على مفوضية الانتخابات وقانون الانتخابات ذاته. ودعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أنصاره لتظاهرة حاشدة في 3 آب/أغسطس 2017 لرفض مشروع قانو انتخابات المجالس المحلية كونه “يتماشى مع مصالح السياسيين الضارة بمصالح الشعب، بعد شروع البرلمان بعملية التصويت على بنود مشروع قانون المجالس المحلية التي كان من المقرر أن تجري في 21 كانون الأول/ديسمبر 2017. وكان اعتراض الصدريين كون مشروع القانون يرسخ هيمنة الكتل الكبيرة على حساب الكتل الصغيرة والأفراد ويحول دون وصولهم إلى المجالس المحلية.
في الأثناء، كان الحزب الشيوعي ـ حليف الصدريين في الاحتجاجات ثم الانتخابات ـ يُعارض اعتماد نظام سانت ليغو المعدل في الانتخابات المحلية، إذ يعتبره إقصاءً للقوائم التي لا تنتمي للكتل المتنفذة الكبيرة.
وفي حينها، اعتبر سكرتير اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي، الذي أصبح نائبًا عن سائرون فيما بعد، أن القانون يهدف للحيلولة دون تمثيل القوى التي تدعو لمغادرة الطائفية السياسية ونهج المحاصصة واعتماد المواطنة.
بعد عامين، إلا بضعة أيام من تلك التصريحات والاحتجاجات، أُقر التعديل الأول لقانون مجالس المحافظات، وسط تساؤلات عن مصير المطالب التي رُفعت في ساحة التحرير. وحتى اللحظة، لم يصدر بيانًا رسميًا من تحالف سائرون حول هذا القانون وتداعياته السياسية والإعلامية.
وفي إطار التصريحات الفردية، وصف النائب عن سائرون محمد الغزي بتصريح تلفزيوني في 25 تموز/يوليو 2019 نظام سانت ليغو 1.9 بـ “غير العادل”، متوقعًا “ضعف نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية المقبلة”. فيما اعتبر النائب الآخر عن سائرون سلام الشمري، التصويت على قانون انتخابات مجالس المحافظات بـ “الإنجاز الجديد” للبرلمان.
أما شريك الصدريين في سائرون، الحزب الشيوعي، فكشف القيادي فيه، طلعت كريم عن “حراك سياسي وبرلماني لجمع أكبر عدد من التواقيع في سبيل تعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات، بسبب القاسم الانتخابي 1.9″، مبينًا أن “ما حصل هو عملية انتاج للكتل الكبيرة للسيطرة والاستحواذ على الحكومات المحلية”.
من جانبه، كتب القيادي السابق في الحزب الشيوعي حسن عاكف في افتتاحية جريدة طريق الشعب التابعة للحزب، إن “حلفائنا في سائرون من النواب في التيار الصدري صوتوا لصيغة سانت ليغو 1.9 بالرغم من المعارضة السياسية والشعبية الواسعة لها”، مبيًنا أن ذلك يعد “خذلانًا من يُذكّر بتخلي الصدريين عن شعار رئيسي للحراك الجماهيري بتمريرهم صفقة تشكيل مفوضية الانتخابات الحالية”، طارحًا السؤال التالي: “هل ما زال هناك من مسوغ لاستمرار وجود حزبنا الشيوعي في تحالف سائرون إذا كانت هذه مواقفه؟ أم كتب علينا انتظار اللدغة الثالثة؟”.
جريمة تشريعية!
تعتزم كتل وأحزاب مدنية، التحرك على مختلف الأصعدة لمنع تمرير التعديل الأول لقانون الانتخابات المحلية، لما سيتسببه بإضرار لها في الانتخابات، بوصفها كتلًا صغيرة مقارنة بالأحزاب الإسلامية التي تحظى بجماهيرية كبيرة إضافة لإقدام ناخبيهم على التصويت لهم في الانتخابات.
يقول نائب رئيس حزب الأمة العراقية محمود العكيلي، إن قانون الانتخابات “جريمة أخرى ترتكب بحق الشعب العراقي من قبل المُشرِّع”، مبينًا أن “القصد منه تثبيت كراسي الفاسدين والسيطرة على مكامن خيرات العراق ومنع العراقيين من الاستفادة من ثرواتهم وتطوير مستقبلهم ومستقبل أبنائهم”.
ويصف العكيلي في حديث لـ “ألترا عراق”، قانون الانتخابات، بـ “مؤامرة كبيرة من الأحزاب الإسلامية المهيمنة على السلطة لسنوات كثيرة، وإجحاف بحق الكتل السياسية والأحزاب المدنية”، مشيرًا إلى أن “الغاية منه إبقاء العراق في خانة الفساد والتشرد والحرمان والعوز المستمر بالنسبة للمواطن”.
أضاف: “نحن في حزب الأمة وقفنا ضد هذا القانون وأصدرنا بيانًا، وستكون لنا مواقف خلال الأيام القادمة، وسندعو لتظاهرات واعتصامات في عموم العراق”، كاشفًا عن “اجتماعات للقوى المدنية السبت في مقر حزب التجمع الجمهوري للاتفاق على آليات العمل في المرحلة القادمة، وكيف نواجه هذا الخرق القانوني”.
انسجام الكبار يمنع تقييد الصغار
لم يُخفِ بعض النواب ترحيبهم بالتعديل الأول لقانون انتخابات المجالس المحلية، إذ رأى النائب عن ائتلاف دولة القانون عبد الإله النائلي في 25 تموز/يوليو أن “قانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية المصوت عليه في مجلس النواب سيعمل على خلق نوع من الانسجام والاستقرار داخل مجالس المحافظات المقبلة”.
فيما يلفت النائب عن تيار الحكمة أسعد بارح، إلى أن مشاركة الكتل السياسية الصغيرة في الحكومات المحلية يُضعف من دور هذه الحكومات ويُقيد عملها في تقديم الخدمات”، مبينًا أن “قانون انتخابات مجالس المحافظات الجديد لا توجد فيه مشكلة بما يتعلق بالكتل الصغيرة”.
ويوضح بارح: “دائمًا ما يحدث في الحكومات المحلية، أن الكتل السياسية الصغيرة تعمل على مساومة الكتل الكبيرة من أجل الحصول على مناصب، وهذا حدث كثيرًا في الحكومات المحلية في المحافظات”.
من جانبه، يعلق القيادي في تحالف القوى العراقي حيدر الملا، في تصريح تلفزيوني، على قانون سانت ليغو 1.9، بالقول: “عندما تفككت الكتل الكبيرة أصبح الأفراد محل بيع وشراء لمواقفهم وأصواتهم”، مشيرًا إلى أن “نظامنا السياسي بحاجة إلى كتل كبيرة رصينة قادرة على خلق تفاهمات، كون تفتت تلك الكتل في ظل منظومة قيمية وأخلاقية ضعيفة سيؤدي إلى تراجع الوضع السياسي”.
المصدر / تسريبات نيوز