السيمر / فيينا / الاثنين 30 . 09 . 2019 — في «بلاد الرافدين»، ثمة من يرى في الولايات المتحدة ضمانة للمنصب. اليوم، يحاول عادل عبد المهدي كسر هذا «المفهوم». حراك «حسم» انتماء الضباط، و«الحدّ» من تواصلهم مع السفارات، وتحديداً الأميركية، أُطلق مطلع العام. ضباط كبار أُحيلوا إلى إمرة وزارة الدفاع، بصمت، إلا أن عبد الوهاب الساعدي «النجم الفايسبوكي» رفض القرار، مفضّلاً السجن، متكئاً على «الالتفاف الشعبي». أسبابٌ عديدة حرّكت ملف الرجل، إلا أن مرحلة جديدة كُرّست: التواصل مع الأميركي من «المحظورات»!
إقالة قائد «قوات مكافحة الإرهاب» الفريق ركن عبد الوهاب الساعدي، من منصبه، «جاءت متأخرة». هكذا علّق المفتش العام لوزارة الداخلية جمال الأسدي على قرار رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، بإحالة الساعدي إلى إمرة وزارة الدفاع، موضحاً أنّه «وبعد التحقق والتدقيق في المعلومات الواردة، تبيّن أن للرجل اتصالات مع جهات أجنبية متكرّرة، خارج نطاق عمله المهني والعسكري». رئيس الوزراء، بدوره، أكّد في حديث صحافي أنّه «لا رجعة عن القرار، إذ نقلناه إلى مكان مشرّف»، موضحاً أن «هناك طلباً من رئيس الجهاز طالب شغاتي، بنقل الساعدي». وأضاف: «قد تكون هنالك شكوى من الساعدي، ولكن يجب أن تكون بعد التنفيذ، فلا يمكن أن يكون للجهاز رئيسان».
اللافت في تصريحات عبد المهدي الإشارة إلى السبب الحقيقي المحرّك لقراره، بالقول إن «ضباطاً يرتادون السفارات هو أمرٌ غير مقبول وغير ممكن»، مبيّناً أنه «لا يمكن ترك المؤسسة العسكرية لأهواء شخصية، سواء كانت أهواء القائد العام أم أي شخصية أخرى». وختم حديثه بالإشارة إلى أن «الضابط لا يختار موقعه إنما يؤمر وينفذ… والذهاب إلى الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي خطأ كبير وغير مقبول»، إذ أثار قرار «الإقصاء» غضباً كبيراً لدى فئة من الشارع العراقي ومنصات التواصل الاجتماعي، فتحوّل إلى مادة للسجال السياسي، وظّفت للتصويب على الحكومة ورئيسها.
مصادر حكومية عديدة لفتت في حديث إلى «الأخبار» إلى أن دوافع الإحالة، التي بعد دراستها اتخذ هذا القرار، مقسّمة على ثلاثة مستويات: الشبهة الأمنية في الدرجة الأولى، والعلاقة المتوترة مع رئيسه (شغاتي) في الدرجة الثانية، وملفات الفساد المتّهم بها في الدرجة الثالثة». وفي هذا الإطار، كان بارزاً ما كشفته وكالة «فرانس برس»، نقلاً عن مسؤول حكومي، أن «قياديين لفصيلين في الحشد الشعبي مارسا ضغوطاً لتنحية الساعدي، المقرّب من واشنطن».
في الحديث عن «المستوى الأوّل»، كان عبد المهدي واضحاً: «التردّد إلى السفارات أمر غير مقبول». رسم رئيس الوزراء «خطّاً أحمر» أمام ضباط اعتبروا «العلاقة» مع السفارة الأميركية – على وجه الخصوص – ليست «جرماً»، خاصّة أن لواشنطن الدور الأبرز في تأسيس «جهاز مكافحة الإرهاب»، وتدريبه وتقديم المشورة له (2003 – 2019). هنا، يحاول مصدر أمني، في حديث إلى «الأخبار»، شرح «القاعدة» الجديدة التي صاغها عبد المهدي: في ميدان الحرب على تنظيم «داعش»، كان التواصل مع المستشارين الأميركيين مبرّراً (بمستوى محدّد، ولضباط مشخصين)، إلا أنّه بعد انتهاء الحرب (كانون الأوّل/ ديسمبر 2017)، لم يعد مبرّراً أيّ تواصل «من دون علم القائد الأعلى للقوات المسلحة».
ثمة من يقول من الأمنيين إن الساعدي نسج علاقات مع الأميركيين «مثيرة للشك والشبهة». بعضهم ذهب إلى القول إن «حكومة الإنقاذ، التي رُوّج لها أواخر أيام (رئيس الوزراء السابق حيدر) العبادي، بدعم أميركي مباشر، كانت رئاستها ستُسند إلى الساعدي نفسه». هؤلاء، يصفونه بـ«أحد خيارات السفارة الأميركية، وحكومة الإنقاذ مشروع جاهز ينتظر فقط الساعة الصفر». كذلك، ثمة من يسأل عن سفر الساعدي إلى الولايات المتحدة، ربيع 2018، ومكوثه هناك مدة 40 يوماً من دون التنسيق مع أي جهة حكومية، معتمداً فقط على «غطاء» منحه إيّاه العبادي، الذي عمل على صعود نجمه بعد معركة الفلوجة 2016 مقابل صعود نجم عدد من قادة «الحشد» آنذاك. يسأل هؤلاء عمّا فعله الساعدي في الولايات المتحدة: من التقى؟ ماذا نسّق؟ ما هو الدور المطلوب منه؟ خصوصاً أن الرجل، وفي لقاءاته الخاصة، ذهب إلى القول: «أستطيع القضاء على الحشد في غضون ساعات».
أما في الحديث عن «المستوى الثاني»، فتختصره مصادر عسكرية رفيعة بـ«صراع أجهزة»، مضيفة أنّه «منذ 3 أشهر يُناقش الموضوع بعيداً من الأضواء». تقول المصادر إن العلاقة بينهما متوترة جدّاً، ومردّها إلى «شخصية الرجلين»، فـ«شغاتي يمتلك كاريزما معيّنة، ولا يريد أحداً غيره من ضباط الجهاز البروز إعلاميّاً، ولا يقبل أيضاً بأن ينافسه أحد على منصبه (طرح بعض الأوساط السياسية الساعدي خليفة لشغاتي، الممدّدة خدمته منذ سنوات)»، مشيرة إلى أن «الساعدي، ومنذ صعود نجمه، بات محبوباً جماهيريّاً، وهذا لا يُناسب شغاتي، الذي وصفه بالخطر عليه».
هنا، يوجّه السؤال: هل ما جرى هو تطهير لمؤسسات الدولة من «الوجوه الأميركية»؟ تجيب مصادر حكومية وعسكرية، عديدة، بأن عبد المهدي، ومنذ مطلع العام الجاري، أحال العديد من الضباط، إمّا إلى التقاعد أو إلى الإمرة، للأسباب عينها (بعضهم أحيل لبلوغه سن التقاعد، كقائد قوات «الجهاز» عبد الغني الأسدي)، لكنهم – عكس الساعدي – «لم يثيروا أي ضجّة أو هلع إعلامي، بل التزموا وبصمت بالقرار»، مؤكّدةً أن «أسماء كبيرة ستحال إلى الإمرة، قريباً، وللأسباب عينها».
عملياً، ووفق المصادر، فإن تصفية «الوجوه الأميركية» ستكون بقدر وبشكل يحفظ «توازن القوى» في المؤسسة العسكرية – الأمنية، من دون أن يثير ذلك «حساسية» الأميركيين. فشغاتي، وبإجماع مختلف القوى السياسية والعسكرية، له علاقاته «المميزة» مع واشنطن، إلا أنّه – في الوقت عينه – يدرك «حجمه» في «لعبة التوازن». وعليه، أجاد توظيف «تورّط» الساعدي، فأطاح بأقرب منافسيه، مكرّساً نفسه واحداً من حلقات التواصل بين بغداد – واشنطن.
وإلى الحديث عن «المستوى الثالث»، فإن المصادر تفضّل عدم «الغوص» في هذا الملف، رافضة نفي أو تثبيت أن سبب الإحالة «شبهات أخلاقية تحوم حوله، أو الضلوع في ملفات فساد مُتهم بها». ثمة من يقول إن «الحلقة الضيقة» المحيطة بالساعدي هي المحرّك والمؤثر في قراراته، وهنا يُفسّر تلميح عبد المهدي وقوله إنّه «لا يمكن ترك المؤسسة العسكرية لأهواء شخصية».
المصدر / الاخبار اللبنانية