السيمر / فيينا / الخميس 07 . 11 . 2019
د. ماجد احمد الزاملي
مما لا يخفى على أحد أن الحراك الشعبي في الدول العربية منذ عام 2011 والى زمننا هذا ينتهي بما لا تريده الجماهير المتظاهرة ، ابتداءاَ من تونس مرورا بليبيا ومصر واليمن وسوريا والبحرين .. ثم السودان والجزائر وصولا إلى العراق ولبنان .. ففي كل حالة نشهد انحرافا واضحا عن مسار الأهداف التي تضعها هذه الشعوب ويسرقها انتهازيون في الداخل وبعض عملاء الخارج.ليتم توظيف التظاهرات لتحقيق انقلابات سياسية لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تقدم للمواطن اي من أهدافه. بل تتحول هذه الجماهير إلى وقودا لتغذية الخلافات السياسية هنا وهناك, والضحايا باتت بالملايين. أن أي تظاهرة أو حراك شعبي يجب أن يمتلك شرطين مهمين كي يحقق منهما أهدافه .. الوعي الجماهيري لأهداف الحراك بعيدا عن الانتماءات السياسية والعرقية والطائفية .. والقيادة الوطنية الواعية والتي تتحكم بالحراك بما يخدم مصالح الشعب المتظاهر. ومع غياب أحد الشرطين فمن الصعوبة تحقيق أهداف الحراك .. وعلينا ألا ننتظر حتى نرى نهاية المشهد .. بل يجب النظر إليه بكثير من الحذر والتحفظ.
التجاوب مع مطالب المنتفضين واقتلاع جذور الفساد بالقضاء على الفاسدين ومحاسبتهم ومحاكمتهم والقضاء على الطائفية والمذهبية والقبلية وحكم العائلة وتكريس حق المواطنة وجعل الانسان يحس بكرامته داخل وطنه هي السبل الكفيلة لتقوية الاوطان وتحصينها من المخططات والمؤامرات الصهيوامريكية والغربية وعبيدهم وخدمهم من صهاينة الاعراب لان وحدة الشعوب وتلاحمها في دولة الحق والقانون هي الضامن الرئيسي والاساسي لاستمرارها اما القمع والاستبداد والاستعباد والفساد والطائفية والمذهبية والقبلية وما الى دلك من السلبيات لن تزيد الاوطان الا خرابا ودمارا وفرقة وفوضى واقتتالا كما يحدث في الجغرافيا العربية المستباحة والمنكوبة.
التظاهر ضد الوجود الامريكي في العراق و نهبه لامواله في الخفاء والعلن و قتل مليون عراقي وحصار الشعب خلال ثلاث عشر سنة , فهذا هو العدو الحقيقي . امريكا هي العدو والبلوى , فهي حاصرت العراق حد الموت وامريكا من حلّت الجيش والشرطة وامريكا من اوصلت الاحزاب التي تقود الدولة الى الان للسلطة وبريمر من أشرف على كتابة الدستور واستغل تهافت الموجودين على المراكز والمال ومرر جميع الالغام التي يحتويها الدستور من المحاصصة الى المكونات والخ. جميع الحكومات التي تدور في فلك الصهيو امريكا اما فاسدة او مستبدة لان هاتين الصفتين تتيحان لامريكا الاستحواذ الكامل لثروات و حريات الشعوب. و كلما قامت ثورة ضد هذه الحكومات تدخلت امريكا و مخابراتها اما مباشرة او بواسطة طابورها الخامس لحرف مسيرة الثورة الحقيقية بما ينسجم واستمرار نهب الثروات. فعادل عبد المهدي انه لم يكن هو و حكومته اكثر فسادا من الذين سبقوه و حكموا 12 سنة و كانت امريكا تغض الطرف عن فساد حكوماتهم و لا مشكلة لدى المواطن المسكين تجاه تلك الحكومات مادام التحريض الاعلامي على مختلف وسائل الاعلام غير موجود. الجميع متفقون على ان نقاوة الحراك العراقي اللبناني مشكوك في درجة صفائه وان وعي الشعوب لم يصل بعد الى درجة حصانتها من التدخلات الخارجية رغم ان البعض مازال يرهن فكره وقلمه الى خدّام المشاريع التقسيمية بالعالم العربي وابواق الفتنة الطائفية لكن هذه سنة الكون التي خلق عليها فالخير والشر في خطين متوازيين. فمهما اكفهرت سماء العراق ولبنان بالغيوم فالبوادر الاولى تبشر بالخير فسقف المطالب التي لبتها الحكومتان مبدئيا اعتراف بالتقصير والتفريط في حقوق الشعوب رغم عمرهما القصير مقارنة بانظمة حكمت لعقود بمصر وتونس وليبيا فلما جائها زلزال الثورة انكر عليها كل حق وادعى الفرعنة فقتل من قتل ودمرت اوطان بتواطئ داخلي وخارجي لم يعر اهتماما لا بشعوب ولا باوطان وبعد المخاض عادة حليمة الى عادتها القديمة بل زادت الشعوب ظلما وفقرا فهذا وحده يكفي لنامل الخير كله من هذا الحراك المبارك الدي لايجادل في احقية الشعوب فيه الا عدو عميل ويبقى الاشكال فيه في المنافذ والطرق اذ لايمكن لسيارة قديمة مهترئة ان تتحول في لحظة الى محطمة للارقام القياسية المهم ان تؤمن الشعوب بالوصول الى بر الامان. الخوف كل الخوف من الوضع القادم في العراق ولبنان يوم تقول الشعوب كلمتها لاجل الاصلاح وحين ذلك نرى اصحاب الاصلاح ومحاربة النفوذ الايراني يشترون سكوت الشرق والغرب مدعي الديمقراطية بشيكات ذات ارقام فلكية هذا ان ترك لهم سمسار البيت الابيض درهما في خزائنهم وحين ذلك سيتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود فكيفما كان الحال فدوام الحال من المحال.
لا أظن أن عراقيا واحدا يهمه بقاء عادل عبد المهدي رئيسا للحكومة العراقية، وينشغل بعدم سقوط حكومته، وحتى هو الرجل عبّر عن رغبته في الاستقالة واشترط تقديمها بإيجاد بديل عنه، كما أن جميع العرب واللبنانيين بمن فيهم أنصار التيار الوطني الحر وحزب الله مسكونون ببقاء سعد الحريري رئيسا لحكومة لبنان وعدم سقوطها، ومعهما الطائفية والفساد، فلو كانت المشكلة مطروحة على النحو الذي يؤدي إلى استبدال حكومتين فاسدتين خاضعتين للنفوذ الخارجي، بحكومتين نزيهتين مستقيمتين تؤمّنان للعراقيين واللبنانيين حاجياتهم من فرص العمل والتعليم والصحة والشفافية في تدبير الشأن العام والحفاظ على ثروات البلدين، وضرب الطائفية والفساد، لكان الكل مع هذا الحل، لكن التخوف منبعه أن يكون غرض الذين يعملون في غرفهم لتوظيف الحراك لأغراضهم ، هو نقل البلدين من موقعهما الحالي المعارض للتطبيع مع الكيان الاسرائيلي، إلى الموافق عليه والمتحمس له على غرار دول الخليج باستثناء الكويت، خصوصا وأنهم يعدون العدة لطرح صفقة القرن على المائدة. ان القفز على واقع هذه المظاهرات ..الاحتجاجات ..الثورة ..فلنسمها ما شئنا ..واعتبارها مؤامرة على محور المقاومة ..هو التظليل بعينه ..وهي جناية في حق المتظاهرين السلميين الذين خرجوا في بيروت وفي بغداد بكل عفوية وسلمية شهد لها الجميع وكأن العراقيون واللبنانيون ليسوا من طينة البشر يتأثرون بمحيطهم وواقعهم الاجتماعي ويؤثرون في محيطهم ويستشعرون تلك النجاحات والاخفاقات السياسية والاقتصادية في واقعهم داخل بلديهما على الاقل منذ عام 2003,وكأن الاحتجاجات لم تحدث الا في العراق ولبنان ..وهذه قراءة قاصرة وغير منصفة بحق قطاع عريض من مواطني الدولتين ..قراءة تنطوي على جانب كبير من الاساءة في حق هؤلاء ..فهم في النهاية مواطنون عراقيون ولبنانيون ومن حقهم الاحتجاج على اوضاعهم المعيشية او على السياسات المتبعة من طرف حكوماتهم. لا يجهل العراقيون واقعهم المعقد وارتباطاتهم الاقليمية بمحيطهم العربي من جهة ومحيطهم الايراني والتركي من جهة اخرى ..ولا يغيب عن بالهم تلك الاجندات الخارجية التي تجعل من العراق عقدة التجاذبات العربية الايرانية التركية ..كما لا يخفى عليهم تلك الارادة الايرانية – التركية في ان يبقى العراق سوقا كبيرا للسلع والمنتجات الايرانية – التركية فالعراق هو الرئة التي يتنفس منها الاقتصاد الايراني خصوصا مع سنوات الحصار الجائر الذي تفرضه امريكا منذ سنوات .وهو ايضا مكان اليد العاملة الايرانية التي تبحث عن عمل ولو بأجور زهيدة في وقت تعمل فيه الحكومات العراقية عن قصد او عن غير قصد على ابقاءه كذلك. هذا الاخفاق على الجانب الاقتصادي قابله نجاح على الجانب العسكري والامني ..الغاية منه في اعتقادي هو ان يبقى العراق .. جدار الصد الاخير في وجه الاطماع الامبريالية الامريكية والغربية عموما الطامعة في زعزعة الاستقرار الايراني. المواطن العراقي البسيط ..لاتعنيه هذه المقولات الكبرى بقدر ما تعنيه لقمة العيش والكهرباء والماء والخدمات والصحة والتعليم ولذلك ثار هذا المواطن على هذا الواقع البائس في لبنان وفي العراق .
الوعود التي قدمها عبد المهدي تدخل في اطار اعادة تهدئه الشارع العراقي المحتقن وهو جهد ياتي في اطار اعادة بناء الثقة التي اصبحت متاكلة ومفقودة بين من يسكنون الشارع وبين من يسكنون المنطقة الخضراء ..ويبدو الامر في لبنان اكثر تعقيدا ..بانسحاب الرئيس الحريري الذي ترك الامر لاجتهادات السياسيين والطبقة السياسية والفرقاء اللبنانيبن .. فالواقع الذي بنيت عليه العمليه السياسية في لبنان وفي العراق مختلف تماما. يبقى من الضروري ان تسارع الهيئات السياسية في كلا البلدين الى احتواء الوضع وايجاد حلول وميكانيزمات عملية استعجالية للخروج من هذه الحالة قبل ان يتجاوزها الزمن .. لان الواقع سيقفز على الجميع وتصبح مقولة:( الان فهمتم ) التي رددها القذافي وبن علي ومبارك قد تجاوزها الزمن.