السيمر / فيينا / الثلاثاء 03 . 12 . 2019
عباس راضي العزاوي
عندما دخلت داعش للعراق اغلب المدونون والمدنيّون البواسل فسروا واطنبوا بالشرح والتفصيل,الأسباب الموضوعية للحدث وأضراره الكارثية وشخصّوا المسبب والمذنب وطالبوا باعدامه فورا ومنهم من طبّل لداعش وبرر ورقص على انغام عرسها الدموي بلا حياء واعتبرها ردة فعل طبيعية لشعب مهمش!.
جاء الحشد الشعبي بفتوى المرجعية وسحق الفتنة الطائفية بجدارة وهشم اسطورتها المفتعلة بعد تضحيات كبيرة وعظيمة, تغيرت مؤشرات العقول الصغيرة والمتوسطة وترك العباقرة والمبدعون داعش وابدوا قلقهم وخوفهم من السلاح الذي بيد هذا الحشد ” الغريب” وتاثيراته الميتافيزيقية على تركيبة المزّه والفستق المالح وليالي الهزّ الفاخر والطرب الاصيل,علاوه على مظاهر الترميز الطائفي واستفزاز المشاعر الاخوية والانتماء للوطن بوجود صور شهدائهم ” الخونة ” ورايات وبيارغ اهل البيت!.”
خرجت التظاهرات السلمية والحضارية قبل شهرين في بغداد ضد الحكومة الفاسدة، دعم اغلب هؤلاء المثقفون والنخب هذا الحدث الكبير وأصبح سائق التك تك الكادح البسيط رمز وطني جليل لما قدمه من دعم لوجستي هائل للمتظاهرين بعد أن كان مظهر من مظاهر التخلف والفوضى في العاصمة.
الجميع كان متفقاً تماماَ الا النزر اليسير ممن يخافون الانزلاق الى الفوضى ،تغيّرت بوصلة الحراك بشكل واضح ودخلنا في نفق مظلم يسوده الحرق والتخريب والتحريض ضد الآخرين، لم ينتبه اي من المفكرين والباحثين والمحللين السياسيين الافذاذ الى خطورة ما يحدث فعقولهم كانت مشغولة حد الثمالة باحلام وردية اخرى!! فالهدف كبير والصيد ثمين جدا ولاوقت لسفاسف الأمور وتوافهها.
سقوط المزيد من الضحايا برصاص القوات الامنية اضاف ضبابية كبيرة على مجمل المشهد العراقي, وصار الثأر من القوات الامنية هو الهدف الجديد بدل اسقاط الحكومة بالتظاهرات السلمية وكان للناصرية حصة الاسد, رافق هذا التوتر ,قلق بالغ من الاهالي بسبب الانفلات الامني وقطع الجسور وانتشار الحرائق خارج اسوار ساحة الحبوبي التي يتجمع فيها المتظاهرون الشرفاء واصحاب الحق الاساسي.
فبعد ان بلغ التهديد حداً لايطاق واحتمالية وصول المخربون الى سجن الحوت الذي يضم خمسة آلاف ارهابي, استيقظ المارد العشائري الذي طالما كان الحصن المنيع ضد اي انفلات امني يهدد السلم الاهلي في محافظات الجنوب, فقطعوا الطريق على المخربين والمهووسين ممن استغل وجود الاضطرابات ليمارس هوايته الجوكرية بحرق المدينة وتهديد اهلها وكل معترض على الاعمال التخريبية.
مرة اخرى يصحو المثقفون من سكرتهم ونشوتهم ليحذروا في مدوناتهم ونقاشاتهم من قيام العشائر بحمل السلاح وخطورة هذه المظاهر على امن البلاد وربما الذهاب الى خيار الحرب الاهلية!! مع من وضد من؟ لايفصح هؤلاء المفكرون عن ذلك بشكل واضح ,رغم انهم كانوا قبل ساعات قليلة لايستشعرون اي خطرمحتمل من تزايد اعمال الحرق والتخريب الجارية, كما انهم لم يدركوا من قبل خطورة داعش ولكنهم انتبهوا لسلاح فصائل الحشد بعد الانتصار مباشرة.
فكيف يمكن لنا تصنيف هؤلاء ؟ وضمن اي جوقة رادحة نضعهم؟ وهم يقلبون الحقائق والوقائع بما ينسجم وميول اسيادهم والا لماذا يجب ان ندعم من يشوش على هذا الحراك الجماهيري الكبير؟ والذي سيطيح بكل رؤوس الفساد ان استمر بقوة دون اي مشاكل تمنح المجرمين والفاسدين ايّ كان انتماءهم فرصة للافلات من العقاب. فتأملوا يرحمكم الله.