السيمر / فيينا / الاثنين 25 . 05 . 2020
د. نضير الخزرجي
ذات مساء من أمسيات لندن وفي إحدى المراكز الدينية رأيت حركة غير طبيعية على وجوه متجهمة، سألت صاحبي ممن يديم الحضور إلى المركز عن الأمر فأسرّني بأن هؤلاء ساءهم ما جرى في مدينة كاشان في إيران من إغلاق مقبرة أبي لؤلؤة الذي قيل أنه من المتصوفة، وهم عازمون على عقد إجتماع مغلق للخروج بقرارات عملية للوقوف أمام هذا الحدث، ففهمت الأمر إلى آخره.
وبين أنا جالس مع بعض الرفقة نتحدث في أمور مختلفة بعد انتهاء الخطيب من مجلسه كعادتنا حيث تجمعنا المراكز والمنتديات والحسينيات في المهاجر، جاءني أحدهم من دعاة الإجتماع المغلق وقد سادت قسمات وجهه الغضب داعيا إياي المشاركة في إبداء الرأي:
فسألته سؤال استنكار عن الغرض من الإجتماع.
فقال بنبرات مرتجفة غاضبة: إنَّ السلطات الأمنية في إيران أغلقت مقبرة أبو لؤلؤة في كاشان.
فعدت وسألته سؤال مستفهم مستنكر عن شخصية أبو لؤلؤة؟!
فقال: ألا تعرفه؟
قلت نعم: الآن تذكرته إنه قاتل الإمام علي (ع).
فرد علي مستنكرا: أو لا تعرف من هو قاتل الإمام علي (ع) وأنت الذي صرفت عمرك في القراءة والكتابة والتأليف والبحث والتحقيق في أكبر موسوعة علمية هي دائرة المعارف الحسينية؟
قلت: أو ليس قاتله هو أبو لؤلؤة؟
فرد بعصبية: ما تقول يا دكتور إنَّ قاتل الإمام علي (ع) هو الخارجي عبد الرحمن بن ملجم المرادي وأبو لؤلؤة فيروز النهاوندي هذا الموجود قبره في كاشان هو قاتل عمر بن الخطاب.
قلت له: بلى إن أبا لؤلؤة هو الذي قتل الإمام علي (ع) أو ليس هو الذي سنَّ قتل الخلفاء حينما غدر بعمر بخنجر مسموم وهو في المسجد؟ والمرادي الذي نلعنه ويلعنه اللاعنون هو الذي غدر وهوى بسيفه المسموم على رأس خليفة المسلمين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وهو في محراب الكوفة، فهذا أخذ من ذاك!
فزاد استغرابه من كلامي، ثم قلت له: وكيف وصل صاحبكم أبو لؤلؤة هذا من المدينة إلى كاشان؟
قال: ألا تعرف .. ألم تقرأ التاريخ؟
قلت: نعم قرأت التاريخ، وما أدريه إنه ألقي القبض عليه وتم الإقتصاص منه، وزاد عبيد الله بن عمر بن الخطاب على ذلك انتقامًا لأبيه بقتل ابنة أبي لؤلؤة دون ذنب، واقتص من آخرين بصورة جاهلية بشعة دون وجه حق!
قال إذن أنت لم تقرأ التاريخ على حقيقته.
قتل له: وكيف زدني؟
قال: إن القوم لم يلقوا القبض على أبي لؤلؤة وإنما هرّبه الإمام علي إلى إيران بغمضة عين.
قلت: وكيف ذلك زدني علما؟
قال: أدخله تحت جبته ومدَّ يده إلى إيران وأنزله من كمّ يده في كاشان؟
قلت: يا سبحان الله وهل كان المسلمون في عهد الرسالة الأولى يرتدون الجبة التي يلبسها اليوم علماء الدين، وكيف يفعل خليفة الرسول (ص) هذا، ولو أراد أن يتولى أمر المسلمين لما احتاج إلى ما فعله أبو لؤلؤة، وفي أكثر من مناسبة إئتمن الخليفة عمر عليًّا عليه السلام وولاّه المدينة وهو ذاهب إلى مهمة خارجها، مثلما فعل عندما ذهب إلى بيت المقدس بمشورة من أمير المؤمنين علي عليه السلام، لأن الخليفة كان على دراية تامة وفي قرارة نفسه أن أبا الحسنين أحرص على دين الإسلام ورسالة محمد (ص) من غيره من الصحابة، ولا يستأمن غيره ويخاف الغدر من أقرب الأقربين إليه، فلو أرادها عليا بهذه الطريقة التي في ذهنك فكان الأولى أن يأخذها ومقاليد الحكم بيده والحاكم الأول منشغل مع بطانته خارج المدينة!
ثم قلت له: يا صاحبي دعك من هذه الخزعبلات والخرافات التي لا تغني ولا تسمن من الولاء شيئا؟
فردًّ علي: يا دكتور عليك بمراجعة دينك وإيمانك فأنت ضعيف الولاء، وعليك أن تعيد حساباتك وتقوي إيمانك بأهل البيت عليهم السلام!
قلت: ونعم البيت هم أهل بيت النبوة عليهم السلام، وعدم إيماني بخزعبلات بعض كتبة التاريخ لا يقلل من إيماني بالمعتقد كما لا يزيدك إيمانك بها قربا من أهل البيت عليهم السلام.
بالطبع ذهب صاحبنا منزعجا إلى الإجتماع المغلق الذي لم يفض إلى شيء، ولكن بقيت علاقتنا طيبة والإحترام قائم، فليس لي أن أدخل في ضميره لأغيّر مما أرى أنه من الخرافة والغلو، وليس له أن يدخل في ضميري ليغير مما يراه من الحقيقة ومبلغ الإيمان، لأن الإعتقاد لما بعد التوحيد والنبوة أمر نسبي ولهذا ظهرت المدارس الفقهية والمذاهب الإسلامية.
هذا الحدث الذي وقع في حزيران عام 2007م، استذكرنيه كتيب “شريعة المعتقد” للمحقق الفقية آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي الصادر في بيروت نهاية العام 2019م عن بيت العلم للنابهين في 72 صفحة بضميمة 131 مسألة شرعية و40 تعليقة للفقيه آية الله الشيخ حسن رضا الغديري وقد تقدمت على مسائل الأحكام والتعليقات مقدمة للناشر ومثلها للمعلق وثالثة للمصنِّف مهّد بها لأحكام المعتقد.
الرأي الآخر للدراسات- لندن
…………………………………………….……….
Hussaini Centre for Research
45 Peter Ave, London NW10 2DD, U.K
Tel (0044) 208451 3055 Fax: (0044) 208451 5899
Website: www.hcht.org
الاتصال بكاتب المقالة
00447944003181