السيمر / فيينا / الثلاثاء 09 . 06 . 2020
هاتف بشبوش
(الجنس هو الأكثر عنفاً من بين شهواتنا ، هو رغبة جميع رغباتنا …شوبنهاور) …
أستعرضُ نقداً تفصيليا أدبياً سينمياً لنصٍ واحدٍ لشهيرالسماوة الشاعر الكبير (سعد سباهي) رئيس إتحاد أدباء المثنى الحالي ، وهذا النص معنونٌ ومُهدى للشاعر(هاتف بشبوش) كاتب المقال . هذا النوع من النقد البسيط تفرّدتُ بها أنا شخصياً ولم يأت به أحد من قبل عربياً أو عالمياً على طيلة القرن العشرين وحتى الآن . لنقرأ النص أدناه :
سعد سباهي
الأخ الأستاذ هاتف بشبوش المحترم **
في الرابع من هذا الشهرِ حزيران
وأنا في صومعتي وحدي
وأكادُ بتلك الساعةِ من ساعات الملل الكافر أتحجَّرُ كالتمثال
وبين الفَيْنَةِ والفينة
كانت تشغلني
الإشعارات
وأخبارُ كورونا
وأصيبَ فلان
وماتَ فلان
وشاهدنا سيارة إسعافٍ واقفةٍ في باب فلان
في تلك الساعةِ وأنا بين الهاتف
والذاكرةِ المهزومةِ منِّي
قدّامي وعلى منضدة المكتب ، كتبُّ في النحو وفي الشعر
صار أمامي إسمكَ
يا(هاتف بشبوش)
على وجه غلافٍ بُنَّيٍّ تتوسَّطُهُ
امرأةَ تستجدي ساعة أُنسٍ
رحتُ حثيثاً ألكزُ شهوةَ عيني
بقراءةِ سِفْرِكَ حتى أوشكْتُ
على ليل الملك الضِّلِّيلُ
القائل…
ألا زعمتْ (بسباسة) اليوم أنني**
كبرتُ وهلّا يحسنُ اللهوَ أمثالي
ساميةٌ تلك القصائد التي تخرج وكانها بريالة الطفل الوليد توا ، كما القصيدة النثرية المدرجة أعلاه للشاعر القارض سعد سباهي التي فضّت شرنقتها في ذات اليوم من نشرها في الرابع من يونيو الحالي ، فكانت ذات نكهةِ أنفاسِ ريقٍ لفتاةٍ قد ذاقت قبلتها أول مرةٍ فصعقت وسقطت على الأرض لتستريح بنشوتها. قصيدة بسطورها البريئة الصامتة التي ترى ولاتقول غير الإيماءات المفهومة لدى أم الوليد التي تعرف بأنّ وليدها بهذه الإيماءة أوتلك يبغي العناية والتدليل وماعليها سوى ان تخصص وقتها الكافي كي يشعر وليدها من انه في حضن الأمومة الشسيع . كذلك الحال مع هذا النص السعدي ( سعدي سباهي) خرج الى النور توا مما حدا بي انْ أتلاقفه بكلتا كفّي بصيرتي النقدية لنعومة أسطره التي تشبه غضاضة هذا الطفل الذي لم يذق نور الشمس بعد ، غير سنا عيني قابلته وأمه التي تهدهده بعد حين . فكان الذي خرج من سريرتي هذه القراءة النقدية البسيطة لقصيدة نثرية مباشرة لكنها ليست تلك المباشرة المندفعة نحو الوضوح الخطابي التي تحرف الشعر عن مساره الصحيح لأن الشعر حساس للغاية كما خيط تستطيع انْ تنسج منه ماتريد من أرديتك لكنه عند القطع لايتطلب العناء البتة . الشاعر سعد كان موفقا ومحسودا بهذا الخصوص وأحيانا هناك ضربة حظ يحصل عليها الشاعر فيكتب نصا إسفنجياً مشبعا بماء العناوين والمفاهيم العديدة وخارجا من سجن الحجرالحقيقي بفعل كورونا فظهر هذا البوح الإستثنائي الأبستمولوجي ، علاوة على شموله بالسهل الممتنع العصي على الكثيرين لكنه المطواع لشاعر كبير كما سعد سباهي . هذا النص فريد لكونه شمل حتى الدراما ونادرا ما تجد نصا شعريا قصيرا دراميا ، لكن هذا الذي حصل مع الشاعر سعد في أن تأتي الدراما الشعرية والحزينة ايضا في ذات الوقت دون أن يكون قد خطط لها الشاعر ولكن يبدو لكون الشاعر كان رهين الحبس ومايدور في ذهنه من أحلام ميتة وأحاسيس موجعة وصبرٍ كوفيدي( كورونا) لايطاق فانفجر في لحظة ما وتفرّغ بسرعة برقٍ قلما نراها في سماء الإبداع .
الشاعر الكبير سعد يزداد طيبا كلما مرت الدهور كما نبيذ عبئته في جوفي ذات يوم في ساحلٍ من جزيرة (بالي) يكنى بنبيذ تشيلي . الشاعر في هذا النص اللاشفري واللاملغّز والذي إبتعد كل البعد عن المدرسة الرمزية لكنه إحتوى على أجمل فاكهةٍ الا وهي تنوعها في مذاقها المعنوي الإستدراكي والحداثي ، لكنه وبكونه شاعرا قريضا شهيرا منذ نزقه الأول فوجدنا من أنه قد إنداح الى النستولوجيا الشعرية والى أسلافه الأوائل فأجاد بمزج الحداثة مع الماضي العتيد بذكره بما قاله إمرؤ القيس في ( بسباسة) التي سوف نعرج عليها لاحقا .
الشاعر سعد أثار في هذا النص المختلف موضوعة الأيروتيك والتغزّل بالجنس اللطيف وصنع اللهو لذواتنا التي قتلها الكبت وهلكتها التقاليد السائدة والأعراف القابضة على إندفاع شهواتنا. هذه الموضوعة لها جدل كبير والتوجس منها لدى الكثيرين في بلداننا إذا ما اتخذت منحىً فاضحا أو فيما يسمى خادشا للحياء لكنها في الغرب الذي أعيشه أنا كاتب المقال وجدت نفسي وما أكتبه لاشيء إذا ماقورن مع ما أشاهده في الشارع الدنماركي من حداثة في كل شيء ، أما في بلداننا فكل شيء ميت عدا الله والحاكم ، فبالتأكيد سوف تكون الحداثة ناقصة بل معطوبة ، بينما هي بكل تجلّياتها لاتقبل التبعيض .
الشاعر في عزفه هذا المستوحد والمستوحش ، كتب نصين مختلفين ضمن القصيدة الواحدة ، وهذه تعتبر بحد ذاتها ضربة معلم فاز بها هذا الشاعر القدير . فالنص في بدايته وحتى الربع الأخير منه إحتوى الإستعارة الواقعية المطلقة بحيث ان القريحة ساقته دون دراية منه وهو في حالة الشرود الذهني المتمعن لمايحدث حوله . أما الربع ألأخير من النص فكان فنتازياً مطلقا جاء نتيجة المحاورة الصامتة بين النفس والروح ، المحاورة التي أدت به في نهاية مطاف المخيال المترف أن يتساءل منتظراً جوابا شافيا لعلّهُ ينقذه من الحيرة التي تراود الشاعر في أغلب الأحيان . لذلك سأطلق جوابي الى الشاعر الساهي والداهي هنا على سؤاله في الربع الأخير والذي قلنا عنه نصا فنتازيا محضاً الذي يقول به :
رحتُ حثيثاً ألكزُ شهوةَ عيني
بقراءةِ سِفْرِكَ حتى أوشكْتُ
على ليل الملك الضِّلِّيلُ
القائل ..
ألا زعمتْ بسباسةُ اليوم أنني**
كبرتُ وهلّا يحسنُ اللهوَ أمثالي
(بسباسة) تعني في قواميس اللغة المعتمدة نوع من انواع النباتات الجميلة الرقيقة والتي يتشبب بها الشعراء الجاهليون أنذاك فيقصدون بها الجنس اللطيف كنعناعة وريحانة ومنها جاءت الأغنية العراقية المعروفة ( ياريحانة) للمطرب رعد ميسان، الا أنّ بعض المصادر تقول بأن (بسباسة) هي إسم إمرأة لرجلٍ ذو شأن وقد أناخ به الدهر أن يكون خامدا هامدا بكل مايشعر به من طاقة جنسانية إتجاه زوجته بفعل الشيخوخة والكبر فقالت له لقد كبرت ياهذا ، لقد تكاسلت ياشيخي وماعدت تنفع للدفع ، ماعدت نشيطا في ولوجك كما كنا في الأيام الخوالي ، وهذا المنحى إعتمده الملك الشاعر الجاهلي الشهير إمرؤ القيس فقال بيته المعروف(وقد زعمتْ بسباسةُ اليوم أنني كبرتُ/ وأن لا يُحسنَ السرّ أمثالي ) حتى أصبح مثالا يتداول بين القبائل أنذاك لمافيه من معاني تحاكي الجنسانية التي هي الأعنف في رغباتنا .
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع في الجــــــــــــــــــــــــــــزء الثانـــــــــــــــــــي
شاعر وناقد عراقي