السيمر / فيينا / الجمعة 17 . 07 . 2020
سليم الحسني
بعد الانسحاب الأميركي من العراق نهاية عام ٢٠١١، بدأ نوري المالكي يواجه تزايداً في جبهة المعارضة. فقد شملت التيار الصدري والقيادات السنية ذات التوجهات الطائفية والقيادات الكردية وخصوصاً مسعود البرزاني. وبدا واضحاً أن الرجل الذي أصرّ على انسحاب القوات الأمريكية أصبح موضع سخط واشنطن والحكومات الخليجية.
وكانت زيارته الى واشنطن في كانون الثاني ٢٠١٢ سبباً مهماً في جعل أمريكا تشطب على بقايا الخيارات في إمكانية بقائه لولاية ثالثة. جاء ذلك بعد حديثه في المؤتمر الصحفي المشترك مع باراك أوباما في البيت الأبيض. فقد تحدث أوباما عن ضرورة تعاون المجتمع الدولي لإسقاط بشار الأسد واختيار رئيس جديد، فاعترض المالكي بقوله إن هذا ليس من شأن الآخرين، وأن اختيار حاكم لسوريا هو شأن سوري خالص لا يحق لأحد أن يتدخل فيه.
دخل المالكي المنطقة الصعبة، حين دعم نظام بشار الأسد في مواجهة الحرب الأهلية التي أشعلتها السعودية وقطر وتركيا. وتدهورت علاقات العراق مع هذه الدول بشكل كبير. وقد ظهر المالكي بمظهر الرجل القوي الذي يقاتل على عدة جبهات في وقت واحد.
في تلك الفترة كانت أمريكا ومعها السعودية وقطر، تشق الأنفاق العميقة لتفجير الأوضاع في العراق، وكانت تعمل على تصدير الربيع العربي بطريقة مختلفة. لقد أرادته ربيع الجماعات الإرهابية، وهو ما بدأته في ساحات الاعتصام في الأنبار والتي كانت قاعدة الانطلاق للأحداث الدموية التي شهدها العراق عبر تنظيم داعش.
في الربع الأخير من عام ٢٠١٣ بدأت أمريكا خطواتها لإسقاط المالكي، لقد وجدته مُصراً على دعم محور المقاومة، ورفض أي خطوة تعيق مساره في هذا الاتجاه.
كان على المالكي في تلك الفترة أن يعيد قراءة نفسه ليكتشف ما حوله بدقة، فقد كان عليه أن يتلافى أخطاءه السابقة، ويُحدث تغييراً عاجلاً فيمن حوله ليستعد لمعركة عاجلة لاحت طلائعها في آفاق بغداد والنجف والأنبار وصلاح الدين والموصل.
كانت نقاط الخلل عند المالكي في إدارته الداخلية، فقد واجه المعارضة السنية والكردية بفريق لا يُحسن المناورة ولا يجيد إدارة الأزمات، وكان معظمهم متفرغاً لعقد الصفقات وتجميع الثروة بجشع مفرط.
لم يكترث المالكي لما كان يثار عليه من تهاون في ملفات الفساد، بل أنه تمادى في إطلاق يد أبنه واصهاره ومقربيه وحلفائه ليتصرفوا بما يشاؤون. وقد شهدت فترته تلك تصاعداً مرعباً في منسوب الفساد من قبل الكتل السياسية من سنة وشيعة وكرد.
كان فريق المالكي ومستشاروه يرمون سنارات الصيد بكل الاتجاهات للحصول على المال، وبعض تلك السنارات كانت تصيب جسم المالكي نفسه. وكان لصوص الكرد والسنة يقطعون ما تصله سكاكينهم، وكانت تقطع من جسم المالكي نفسه.
خسر المالكي فرصة أن يكون زعيماً قوياً بسبب المحيطين به، وبسبب اعتماده على الفاسدين في قيادة الجيش، وبسبب عدم تقديره لخطورة بعض رؤساء العشائر والقيادات السنية التي فتحت أبواب المناطق الغربية لتنظيم داعش، ضمن مشروع أمريكي خليجي كانت ملامحه واضحة من خلال شعار (قادمون يا بغداد).
لم ينته مشروع أمريكا ومحور العداء للعراق، إنه يكبر ويزداد خطراً.
للحديث تتمة
١٦ تموز ٢٠٢٠
الجريدة غير مسؤولة عن كل ما ورد من آراء بداخل المقالة