السيمر / فيينا / الجمعة 17 . 07 . 2020
سليم الحسني
(إما ان تكون لنا وزارة الخارجية أو ننسحب). هذه هي العبارة القاطعة التي طرحها الزعيمان الكرديان جلال الطالباني ومسعود البرزاني في الأيام الأولى من تشكيل مجلس الحكم في ١٢ تموز ٢٠٠٣.
كانت القيادات الكردية تريد كسر الثابت العراقي، بحيث يفقد العراق جزءاً مهماً من شخصيته العربية، وتصبح بعد ذلك فكرة الانفصال مقبولة إقليمياً ودولياً، وقد تعزز ذلك من خلال منصب رئيس الجمهورية الذي صار موقعهم الدائم. وحتى القضايا التي تبدو بسيطة، فانها كانت ضمن مسار بعيد المدى. ومن ذلك عدم تسليم المطلوبين للقضاء العراقي، في موقف يشير الى أن كردستان في حقيقتها دولة، وأن حالة الإقليم شكلية لمقتضيات الدستور لا أكثر، ولحاجة الكرد الى ثروات العراق.
كانت القيادة الكردية تعرف ما تريد، وقد تصرفت على أساس رؤيتها للهدف البعيد الذي تعمل له. لقد أرادت فترة انتقالية تهيئ فيها مستلزمات الدولة الكردية، وتسحب أقصى ما تستطيع من الثروة العراقية لتنقلها الى كردستان، مع احتفاظ لا يقبل النقاش على امتيازاتها في الإقليم من النفط والمنافذ الحدودية وغير ذلك.
تُدرك القيادات الكردية أن العراق المستقر يعني انهيار مشروع الانفصال، وأن الحكومة القوية تعني تلاشي حلم الدولة الموعودة، وأن محاربة الفساد تعني تراجع الضخ المالي من بغداد الى أربيل.
وقد وجدت قيادات الكرد سهولة الطريق نحو أهدافها، فمع وجود التصدع الداخلي للكيان الشيعي، صار بإمكانها الدخول عميقاً لتؤثر على التوازنات السياسية، وأصبح بمقدورها ممارسة نفس الأسلوب مع الكتل السنية. وهكذا أصبح الموقف الكردي هو المؤثر الأكبر في التوازنات السياسية، وكان هذا المؤثر يزداد قوة مع بقاء التدهور الأمني والإداري والسياسي.
مسعود البرزاني بخبرته الطويلة، وتاريخ العلاقة مع إسرائيل، جعلته يطمئن الى أن زعامته المستقبلية على الدولة الكردية ستكون قريبة ومتوارثة في أسرته، فيما لو أحسن خدمة المشاريع الكبيرة. فكان هو المبادر لإستقدام ضباط الموساد الى كردستان، والى تصدير النفط الى إسرائيل والى فتح أبواب الاستثمار لشركاتها.
ما تريده إسرائيل في العراق، وما تريده أمريكا في المنطقة، تنفذه حكومة أربيل. لقد قامت بدورها على الوجه الذي أرضى واشنطن وتل أبيب.
إن الاجتياح الداعشي ووصوله الى العمق العراقي، بقدر ما كان يمثل تهديداً وجودياً للدولة، فانه كان بمنظار قيادة أربيل يمثل الفرصة التاريخية نحو الانفصال. ولم يكتم البرزاني فرحته حين أطلق تصريحه بأن ما سيطرت عليه قوات البيشمركة أصبح أمراً منتهياً، وأن الحديث عن تطبيع كركوك صار من الماضي.
ورغم كل ما حصل فان الدرس لم تستوعبه قيادات الشيعة والسنة، فحين ننظر الى حكومة الكاظمي، نجد رئيس الجمهورية صاحب قناعات انفصالية، شارك في الاستفتاء وأدلى بتصريح حماسي يشجع على الانفصال. ووزير الخارجية كردي انفصالي منذور من أجل الانفصال. وحكومة أربيل مستقلة بقراراتها وتحصل على ثروات العراق لتبني دولتها على حساب خراب دولة الشيعة والسنة.
للحديث تتمة
١٧ تموز ٢٠٢٠
الجريدة غير مسؤوولة عن كل ما ورد من آراء بداخل المقالة