السيمر / فيينا / الاحد 19 . 07 . 2020
علاء اللامي*
حول “معهد صحافة الحرب والسلام” والقوائم السوداء المشبوهة، أود تسجيل الآتي: القاعدة التي أؤمن بها عميقا، والتي قال بها رفيقي الراحل هادي العلوي خلال حادثة معينة تقول؛ الرد على الكلمة يجب أن يكون بالكلمة، وعلى الرصاصة برصاصة! لا، لترويع الناس وترهيبهم لأنهم مخالفون أو مختلفون عنها أو معنا في الفكر والممارسة والموقف والرؤية، طالما اعتمدوا الوسائل السلمية في التعبير عنها ومنحوا خصومهم فرصة الرد.
وحتى لو كان أولئك الناس ينشطون في معاهد إعلامية وسياسية ومنظمات مجتمع مدني مشبوهة وممولة من لندن أو واشنطن كمعهد صحافة الحرب والسلام الذي هو قطعة من الريبة والمشبوهية كما سنوثق بعد قليل، فإن الحق في فضحهم ومقاومة نشاطاتهم بالكلمة والسجال، بعيدا عن العنف أو التهديد به، حق طبيعي.
أما إذا كانوا يروجون للتطبيع مع دولة العدو “إسرائيل”، أو من المحرضين الطائفيين الداعين للانتقام، فيجب الرد عليهم بالكلمات والحجج والأدلة في الإعلام وأمام القضاء (بغض النظر عن نزاهة أو عدم نزاهة القضاء في الوقت الحاضر) وبغض النظر عن إمكانياتهم الإعلامية والمالية والدعم الذي يتمتعون به فأغلبهم من المقربين من نظام المحاصصة الطائفية وماكنته الإعلامية والسياسية والبحثية رغم مزاعمهم اللبرالية الجوفاء.
إن الرد بالكلمة والدليل والحجة شيء مقبول وحق قانوني وأخلاقي، أما التحريض على القتل والتشهير والاتهامات الباطلة دون أدلة فشيء آخر مدان ومرفوض مثلما هو مرفوض تشهيرهم بالمدافعين عن مقاومة الغزاة والمحتلين وتشويه مواقفهم واعتبارهم “إرهابيين وقومجية وعملاء لإيران أو روسيا …إلخ”.
وفي المقابل، ينبغي رفض الابتزاز المباشر وغير المباشر الذي يقوم به بعض المتورطين في نشاطات مشبوهة كهذه مع جهات دولية معادية كهذا المعهد تحت ذريعة الاختلاف والخلاف وبهدف كتم الأصوات المعارِضة لهم، والظهور بمظهر الضحية المسكينة المعتدى عليها، وكأنهم يريدون من الناس أن يعلقوا لهم الأوسمة مكافأة لهم على تورطهم ونشاطاتهم تلك، ومنحهم صكوك غفران مسبقة عن كل موقف أو تصريح تطبيعي دوني يصدر عن بعضهم!
إن من حق الناس أن تقول رأيها بحرية في كل شخص سياسيا كان أو مثقفا او دعي ثقافة، وفي كتاباتهم وفي المؤسسات التي يعملون فيها، وليدافعوا هم عن أنفسهم بالكلمات والأسلوب السلمي ذاته، ولا يَلومون الناسَ على إساءة الظن بهم بعد أن ارتضوا لأنفسهم موضعهم السيء الذي هم فيه، فـ (مَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مَوَاضِعَ التُّهَمَةِ فَلاَ يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِهِ الظَّنَّ/ نهج البلاغة الحكمة ١٥٦).
والواقع فإن غالبية الأسماء الواردة في القائمة السوداء أو الصفراء التي نُشرت مؤخرا لم يعرف عنهم أية دعوة للتطبيع أو دفاع عن دولة العدو الإسرائيلي، وأخص بالذكر منهم الكاتب عمر الشاهر الذي عُرِفَ بكتابته المناهضة للطائفية ولم أقرأ له كلمة واحدة يدعو فيها، مباشرة أو بشكل غير مباشر للتطبيع مع دولة العدو الإسرائيلي، ولم يكن ساكتا أو متساهلا حتى مع دولة الاحتلال الأميركي. أما البعض الآخر فقد كذب حين قال إن منهم من سبق له أن نشر على الأقل مقالة واحدة ضد دولة العدو! وهناك من عرف من هؤلاء بطائفيته المقيتة ودعوته علنا الى تدمير الفلوجة وتحويل مساجدها إلى خمارات ومراقص وكل هذا موثق ومعروف ثم يأتي ليحسب نفسه لبراليا معاديا للسلفية الرجعية على سن ورمح وهو يقطر طائفية ويمجد أذناب الاحتلال الأميركي من أمثال كنعان مكية وفالح عبد الجبار وفخري كريم!
إن دعاة التطبيع العلنيين، والذين زاروا دولة العدو معروفون بأسمائهم وصفاتهم رغم قلة عددهم، وقد سكت عليهم النظام الحاكم والقضاء القائم، لا بل أن القضاء أنقذ أحدهم وهو النائب السابق مثال الآلوسي من محاولة تمت فعلا لرفع الحصانة البرلمانية عنه وتقدميه إلى المحاكمة بتهمة ارتكاب جريمة التواصل مع دولة معادية في حالة حرب مع العراق. أما الإعلام الرسمي فقد لمَّع وقدَّم أول عراقي زار إسرائيل علنا وهو كاتب مغمور يدعى “نجم والي” حيث استضافته قناة “العراقية” الرسمية والممولة من المال العام قبل ثلاثة أيام!
ليعلم الجميع أنني واحد ممن لن يسكتوا على دعاة التطبيع والمحرضين الطائفيين ولا على المنظمات والمعاهد المعادية التي يعملون فيها، وسأرد عليهم بالكلمات وأكشف عن نشاطاتهم ودعواتهم التطبيعية مع العدو الصهيوني أو باللجوء إلى القضاء إن أمكن ولكنني سأقف بحزم ضد استعمال العنف ضدهم أو تهديدهم بالقتل وهدر الدماء والتكفير…إلخ، لأنني أفصل بين أمرين: بين تلك المعاهد والمنظمات كمعهد صحافة الحرب والسلام المشبوه ونشاطاته من جهة، وبين القائمة المريبة للأسماء التي نشرت وزعم أنها لدعاة التطبيع مع دولة العدو وماهي كذلك في أغلبيتها وربما يراد من خلالها خلط الأوراق والانتقام ممن رفضوا الانخراط في دعوات التطبيع وترويج الصهيونية!
لا بد من رسم فرق عميق وواضح بين الأفعال الوحشية للتكفيريين والعنصريين الذين يحسمون خلافاتهم واختلافاتهم مع خصومهم وأعدائهم بالسكاكين والرصاص أو بتشويه سمعتهم وإهدار دمائهم وبين الداعين إلى الجدل والصراع الفكري السلمي ومواجهة الحملات الإعلامية والسياسية المعادية لشعبنا وتراثنا وبلادنا بشكل حضاري وإنساني يحترم حياة الإنسان كقيمة مطلقة أولا، ثم لتأتِ التفاصيل لاحقا!
*نبذة تاريخية عن معهد صحافة الحرب والسلام : منظمة دولية غير حكومة أسست في بريطانيا خلال الحرب البلقانية “حرب تدمير يوغوسلافيا” سنة 1991، وبعد انتهاء الحرب البلقانية تم توسيع نشاط المعهد ونشر فروعه في 28 دولة غالبيتها مستهدفة بالاحتلال والغزو والحصار الغربي ومنها سوريا والعراق وأفغانستان وليبيا وتونس، ويعتبر الفرع العراقي من أنشط الفروع قاطبة.
تأسست هذه المنظمة في البداية تحت اسم (يوغو فاكس Yugofax ) كان الهدف منها جمع المعلومات السياسية والاجتماعية وحتى الأمنية عن يوغسلافيا خلال أزمة تفكيك النظام الاشتراكي في هذا البلد، وتقديم تلك المعلومات لدوائر التحالف الغربي الإعلامية والأمنية، وهم يعترفون بذلك ولكنهم يقولون إنهم فعلوا ذلك (في البداية كرسالة إخبارية تحدثت عن التطورات المثيرة للقلق في جميع أنحاء البلقان من منظور متوازن) وهي لم تكن من منظور متوازن أبدا بل من منظور مخابراتي. مع تطور النزاع إلى حرب شاملة، غيرت نشرة “Yugofax” اسمها إلى (تقرير – أو صحافة حرب البلقان) Balkan War Report.
في عام 1998، غيرت هذه المنظمة اسمها مرة أخرى، وهذه المرة إلى معهد صحافة الحرب والسلام (institute for war and peace reporting) وسُجلت كمنظمة غير حكومية، بالصفة والرقم التاليين: (مؤسسة خيرية: 1027201 ، رقم الشركة: 2744185) ، وفي الولايات المتحدة بموجب IRS Section 501 (c) (3) ؛ وهولندا كمؤسسة خيرية.
في الوقت الحاضر يعتبر (معهد صحافة الحرب والسلام) شبكة دولية من ثلاث منظمات شريكة يحكمها مجلس أمناء مؤلف من صحفيين غربيين مشهورين وخبراء مهنة جديدة يسمونها |”بناء السلام وحقوق الإنسان” وإضافة إلى “متخصصين إقليميين في كل شيء وخبراء الأعمال والمنظمات غير الحكومية. يرأس مجلس الإدارة الدولي لهذه المنظمة التي انتشرت فروعها إلى عشرات الدول السير ديفيد بيل، الرئيس السابق لصحيفة فاينانشال تايمز اليمنية المحافظة والتي تأسست سنة 1888. ومن بين الأعضاء الآخرين آن أبلبوم وجورج باكر وكريستينا لامب الحاصلة على وسام “المرتبة الإمبراطورية البريطانية”. وآخرين جلهم من اليمين المحافظ والعنصري.
وأختم بتكرار هذه الحكمة العلوية (مَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مَوَاضِعَ التُّهَمَةِ فَلاَ يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِهِ الظَّنَّ/ نهج البلاغة الحكمة ١٥٦).
*كاتب عراقي
اعادة نشر من الكوكل