أخبار عاجلة
الرئيسية / ثقافة وادب / لبنان ـ نوال مروان ـ وإغتصابُ الأديان ، في حرائق INCINDIES

لبنان ـ نوال مروان ـ وإغتصابُ الأديان ، في حرائق INCINDIES

السيمر / فيينا / الثلاثاء 29 . 09 . 2020

هاتف بشبوش

نوال مروان إمرأة لبنانية في قصتها الحقيقية التي لايمكن تصديقها ، أم لتوأمين ( جان وسيمون) وفي نفس الوقت زوجها إبنها ، وفي نفس الوقت زوجها وإبنها هذا يكون أخاً وأبا لتوأميها ( جان وسيمون) ، كيف يحصل ذلك في هذا الخلط العجيب غريب للدماء التي إمتزجت في عروق هذه العائلة . فتعالوا معي لنقرأ كل هذا الإجرام الرهيب بسبب الطائفية والأثنية وبلاءها الذي لم ينزل على الأرض الاّ لخرابها ودمارها ويبقى ضياءُ الله الجميل في هذه الأرض ولاغيره.

نوال مروان إمرأة لبنانية صحفية مسيحية ليبرالية وعاشقة لرجل مسلم ، تتزوجه ومن ثم تثأر عائلة الرجل المسلم لهذه الخطيئة بأعرافهم المتخلّفة الموروثة في العقل الباطن لكره المسيحية وبقية الأديان على طريقة)  من يبتغِ غير الإسلام دينا فلم يقبلَ منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) ، فيُقتل زوجها بطريقة بشعة من قبل عائلته ليس لذنب إقترفه الا لكونه فضّل راية الحب على راية الأديان وبهذا يخلّف رضيعا في يومه الأول فتقوم القابلة (الجدّة) بوشم الطفل بعد ولادته بثلاث علامات على قدمه اليمنى وأمام أمه( نوال) لكي تتعرف عليه لو حصل مكروهاً ما في قادم الأزمان . وبعد غارةِ من قبل الميليشيات الدينية المتحاربة( المسيحيين والمسلمين) أدت الى دمار ملجأ الأيتام الذي وضع به طفلها الرضيع ( نهاد مايو) وبهذا فقدت طفلها ولم تعرف عنه شيئا يذكر بعد بحثٍ وعناء طويلين . تذهب نوال بحافلة تقل المسلمين النازحين من هول الإنفجار وفي الطريق ترتدي حجابا إسوة مع الهاربات فتعترض الحافلة مجموعة من المسلحين المسيحيين الأشرارالذين قرروا حرق كل من فيها فتخلع ( نوال مروان ) حجابها وتصرخ من انها مسيحية وتريهم صليبها على صدرها ، وتتوسل بالأشرار أن يتركوا الأبرياء المسلمين في هذه الحافلة ، لكن الحقد الديني يسوقهم لإكمال جريمتهم بعد رش البنزين على الحافلة فيشوى كل من فيها من نساء وشيوخ عزّل ، بينما هي تنجو لكونها مسيحية  .

وسط دوّامة القتل الديني المستديم في لبنان الذي يثير غضب نوال مروان الصحفية  الليبرالية فتقتل قائد أحد الفصائل المسلحة للمسيحيين التابعة لإسرائيل مما يؤدي ذلك الى إعتقالها 15 عشر عاما في سجن ( كفر رايات ) تابع للميليشيات المسيحية ، فلبنان عبارة عن دول داخل دولة واحدة و هي دولة الفوضى العارمة منذ أكثر من 100 عاما تحت فساد الحكم الطائفي الأثني البغيض . في السجن ذاقت نوال رحلة أخرى مع الألم الشديد لكنها كانت تلقب ( بالمرأة التي تغني ) فتسحر السجناء والسجينات وتعطيهم الدفق بالأمل والبقاء وهم في سجنهم الدامي . فكانت شجاعة للغاية مما عجز السجانون منها ومن صلابتها الهائلة التي تستمدها بالأغاني عن الحب وليس بالتراتيل الدينية . في الأخير يأتوها بأبشع جلاد معروف وهو شاب قوي البنية لايتوانى بفعل أي شيء مع سجانه في سبيل النيل من إعترافه وإذلاله وهذا الشاب كان يلقب بـ ( أبي طارق ) وهو قاتل محترف في الفصائل المسيحية بل كان مدعاة للسخط والوحشية . فجاء بها الى غرفة الإعتراف وقال لها بكل حقد وإصرار على المضي في عظمة الجريمة : اليوم أعلمك كيف تغنين أيتها العاهرة وبدأ بإغتصابها بطريقة تدل على أن هذا الجلاد قد جبل ليكون عنيفا مدمرا مغتصباً ، ففرّغ كل سموم نزوته الممتزجة بحقد الأديان وشراهتها للقتل في رحم هذه المرأة التي كانت تأن من هول المشهد . لكنها المرأة الصلبة التي لاتضعف تحت أي قهرٍ مهما عظم أمره وكبرت بشاعته . وإستمر هذا الجلاد الملقب بأبي طارق بإغتصابها على مدار سنتين حتى أنجبت منه توأمين في السجن ( جان وسيمون ) .

تهدأ الحرب الدينية في لبنان فترة وجيزة وتخرج نوال مروان من السجن وتهرب الى كندا بلد الكفر واللاّدين مع توأميها ( سيمون وجان) أبناء إغتصاب الدين . وهناك حيث الديمقراطية والمساواة فتعيش الحياة الحرة لكن الألم لايمكن أن يندمل فأبناءها لايعرفون من هو والدهم بينما السر الدفين لدى أمهم المناضلة نوال ظلّ أعواما وأعوام.

في يوم وفي أحد المسابح الكندية بينما العائلة بأكملها نوال وإبنيها يتمتعون بأجواء الحرية المطلقة في كندا حيث الأبناء هم اليوم في عمر العشرين ، وبينما الأم تتأمل في حزنها الماضي وهي في حوض السباحة ترى قدمَ أحد الرجال في المسبح يحمل نفس الوشمات التي حفرتها جدّتها لطفلها الرضيع ( نهاد مايو) من زوجها الأول المسلم المقتول على يد عائلته ، فتحدق نوال جيدا في هذا الشخص وتحدقُ مرة أخرى ملياً في وجهه فتراه (أبا طارق) الذي كان يغتصبها في سجن كفر رايات .. وتحدق تارةً أخرى لهول الصدمة فتراه هو..هو..هو أبو طارق الجلاد مغتصبها وأبو توأيمها (جان وسيمون ) وهو نفسه إبنها ( نهاد مايو) من زوجها الأول لكنه في السجن كان يلقب بالجلاّد أبي طارق ، ودون أن تعرف حين كان يغتصبها في السجن من انه إبنها وهو لم يكن يعرف ايضا من أنه كان يغتصب أمه …أنه الهول .. الهول .. الهول .. فكان الأمر كما الصاعقة على قلب هذه المرأة الأم المناضلة نوال فسقطت في الحال مصابة بجلطة قلبية لعدم تقبل فضاعة الأمر وبقيت في المشفى حتى مماتها تلعنُ الأديان تاركة أعظم رسالة حب لتوأميها جان وسيمون ولمغتصبها أبي طارق الذي في نفس الوقت هو إبنها وأبو توأميها جان وسيمون بطريقةٍ لمزج الدماء الحرام التي لم تستطع فعلها سوى الأديان وجرائمها على مر العصور  .

في المشفى وبينما نوال راقدة تحتضر تكتب رسالة لأبنيها جان وسيمون في أن يبحثوا عن أخيهم وأبيهم وفي نفس الوقت تكتب رسالة لمغتصبها وإبنها ( أبي طارق.. أو نهاد مايو) تستحثه في أن يجد أبناءه وأخوته . ويبقى الطرفان مذهولان لمعرفة هذا السر الدفين والغير معقول في ذات الوقت . رسالة كانت تحمل الحب والحب فقط  ، تريد من خلالها أن يجتمع شملهم مهما كانت عظمة الجريمة ولينسوا الماضي وليعيشوا بسلام كعائلة تحت نير السلام وحب الإنسان لذويه وليس تحت ظلام الأديان . فكم كانت هذه المرأة تحمل في دواخلها من الفضيلة الهائلة لكونها أم ولكم ضحّت وعانت من جرائم زيف الأديان فما كان منها الاّ أن ترفع راية الحب التي تعلوا على كل الرايات الدينية الدنيئة والمتدنيّة حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة في المشفى بعد ان أوصت في أن تدفن عارية من دون كفن حتى يتحقق مطلبها في لم شمل عائلتها ، هذه هي الأم والمناضلة الحقيقية التي لاتُقهر . وبالفعل حصل ذلك بعد بحثٍ طويل من قبل أبي طارق وجان وسيمون ، بحث إستمر بين لبنان وكندا حتى يلتقوا تحت راية الحب ولم الشمل وهم اليوم يعيشون في كندا حتى هذه اللحظة التي كتب بها المقال تاركين خلف ظهورهم إستمرارالحرب اللبنانية بين الطوائف بسبب العنف المتوارث وطبيعة الأديان في حروبها التي تتكرر الآن في كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن والإهمال الأخير من قبل الساسة الطائفيين في تفجير ميناء بيروت الذي حصد أرواح العشرات وآلاف الجرحى .

هذا الفلم الموسوم ( حرائق) هو إنتاجُّ كندي للعام 2011  ، ومن إخراج الكندي المعروف دنيس فيلينوف Denis Villeneuve ومن تمثيل القديرة LUBNA AZABAL (لبنى أزابيل) . رشّح الفيلم لجائزة الأوسكار كما حصل على جائزة أفضل فيلم بمهرجان فانكوفر السينمائي 2016 كما شارك في كثير من المهرجانات السينمائية الدولية . الفلم إحتوى على الكثير من مشاهد الفلاش باك مع موسيقاه الحزينة الضاربة في عمق آلام الإنسان ومعاناته ، إحتوى على لقطات البانوراما الذكية للذكريات المؤلمة وللتفجيرات الهائلة ونيرانها التي تخلّف الدمار الحقيقي للبنى التحتية وبني البشر في ذات الوقت . وأما الأمر الأشد غرابة في هذا الفلم وروايته الحقيقية هو أنّ الجلاّد أبو طارق مزيج بين المسيحية والإسلام فأمه نوال مروان مسيحية وأبوه مسلم فلسطيني ، هذا يعني مزج عنف الطائفتين فخرج بنفسية مشوّهة لاتعرف غير القتل والترهيب والسفاح . وفي النهاية أقول : رحمكَ الله (ماركس) لقولك الشهير (سيأتي يوماً من يستغل الدين ويجعلهُ أفيونَ الشعوب) .

 

اترك تعليقاً