الرئيسية / مقالات / ضمانات الديمقراطية داخل الاحزاب السياسية

ضمانات الديمقراطية داخل الاحزاب السياسية

السيمر / فيينا / الخميس 01 . 10 . 2020

د. ماجد احمد الزاملي

الأحزاب السياسية هي مؤسسات ذات طابع جماعي تنظيمي تساهم بصورة غير مباشرة في التأثير على مراكز القرار السياسي ,و حرية تشكيل الأحزاب السياسية تستند في وجودها إلى حرية الرأي التي تعد الأساس لسائر الحريات الفكرية. وبما أن الأحزاب السياسية جزء لا يتجزأ من النظام الديمقراطي والأنظمة السياسية للدول ، فإن التحديات التي تواجه الأحزاب السياسية يجب أن تُرى في السياق الأوسع للنظام السياسي العام. ويعتمد وجود الأحزاب السياسية على قدرتها على تعبئة الناس والفوز في الانتخابات. لذلك ينبغي التفكير على المستوى الشعبي لتحسين وتطوير الأحزاب السياسية في أنشطتها اليومية ، وعلى المستوى النظامي – مما يعكس النظام السياسي والديمقراطي ككل.
ان الحزب الديمقراطي يحتاج إلى أن ينتهج الديمقراطية والشفافية داخل الحزب عن طريق إجراء انتخابات دورية تُمَكِّن الأعضاء من اختيار قادتهم على المستويين المركزي و الوطني وعلى مستوى المحافظات بكل حرية واستقلالية وكذلك ينبغي أن يتخذ اختيار القياديين المرشحين لمناصب عامة طابعا تشاركيا أكثر لجهة إشراك أعضاء الحزب في هذه العملية . أن ضعف الممارسة الديمقراطية الداخلية للأحزاب السياسية يؤدي إلى إفراغ العملية الديمقراطية من محتواها وبالأخص في مسألة اختيار القيادات الحزبية , فلا يمكن للأحزاب السياسية أن تؤدي دورها في ترسيخ المبادئ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة إذا كانت لا تؤمن بهذه المبادئ ولا تعمل على تجسيدها. و كذلك دور الأحزاب في تنفيذ السياسة العامة من خلال مشاركتها في السلطة التنفيذية و حجم هذه المشاركة. أضافة الى ذلك معرفة دور الأحزاب في عملية تقييم السياسة العامة، لأن التقييم الفعَّال و الموضوعي و الحقيقي يُعدّ أساس نجاح السياسة العامة في تحقيق أهدافها. في الدول المتخلفة وغير المستقرة كالعراق، ففي العراق صدرت العديد من القواعد القانونية المنظمة للعمل الحزبي ومنها القانون رقم (30) لسنة 1991 الذي أورد نصوصاً تتعلق بتمويل الأحزاب حيث ورد في المادة الثامنة نصاً يفيد بضرورة أن يتضمن النظام الداخلي للحزب مصادر تمويل الحزب، وألزمت المادة الثامنة عشر الحزب بعدم قبول أي أموال نقدية أو عينية إلا بموافقة مجلس الوزراء وفي حال مخالفة ذلك يعاقب المخالف بالسجن المؤبد ومصادرة الأموال، وتضمن المادة الثالثة والعشرون أهم مصادر تمويل الأحزاب والتي تمثلت بـ(الاشتراكات والتبرعات، عوائد الاستثمارات، عوائد صحافة الحزب ومطبوعاته، منحة الدولة السنوية)، ووضعت المادة الرابعة والعشرون حكماً مقتضاه (يقرر رئيس الجمهورية مقدار منحة الدولة السنوية في ضوء عدد منتمي الحزب وممثليه في المجلس الوطني ودوره في النضال الوطني) وبهذا نجد ان منحة الدولة للأحزاب في العراق أقرت منذ خمس وعشرين سنة ولا تعود إلى القوانين التي أقرت بعد التغيير السياسي العام 2003 إلا انها كانت معطلة واقعياً في تلك الحقبة من الزمن ووضعت لها شروط مجحفة تمثلت بـ(عدد المنتمين إليها ما يحتم تأسيس أحزاب جماهيرية في ظل نظام دكتاتوري فمن يقبل المخاطرة بنفسه ومستقبله لينتمي إلى حزب غير حزب السلطة، والشرط الثاني عدد أعضاء الحزب الفائزين بعضوية المجلس الوطني وبعيداً عن كون المجلس الوطني كان مجرد ستار تقف وراءه غايات فان انتخاب شخص غير مرشح من حزب السلطة يعرض الناخب إلى تهمة الخيانة والعمالة لدول الجوار والمحصلة النهائية ان يبقى مطارداً لما تبقى من عمره). ومع ظهور الكثير من الأحزاب في أعقاب سقوط الديكتاتورية عام 2003 في العراق ، واجه الناخبون مهمة شاقّة في محاولة تحديد الحزب الذي سيمثّل مصالحهم خير تمثيل. والذي زاد المشكلة تعقيداً هو واقع أنّ أحزاباً كثيرة بدت وكأنّها صورة طبق الأصل عن بعضها البعض، وتخلو من أي إيديولوجيا، وتعتمد على تأييد مجموعة صغيرة من النخبة. حتّى تلك الأحزاب التي تبنّت إيديولوجية معيّنة تبدو في أغلب الأحيان وكأنّها تخفّف من مدى تأثير هذه الإيديولوجيا على تحديد هويّتها. وتملك جميع الأحزاب تقريباً مناهج وخططاً غامضة ومتخلّفة. والنتيجة كم هائل من المنظمات السياسية المتشابهة التي يكاد يستحيل على الناخبين التمييز في مابينها. غالباً ما تعتمد الأحزاب على شخصيات مؤسّسيها بدلاً من التركيز على برامج واضحة، الأمر الذي جعلها غير قابلة للاستدامة على المدى البعيد، وأثار الشكّ في صفوف المواطنين من أن يكون هدف هذه الأحزاب الحقيقي هو تمجيد شخصية الأفراد عوضاً عن رفاه الشعب. وهناك العديد من الفرضيات العملية التي قد تظهر نتيجة لتطبيق حرية تكوين الأحزاب السياسية ومنها كيفية ضمان الوحدة الوطنية للبلاد بعد تبني التعددية الحزبية باعتبار أن الأحزاب تزيد من عوامل الاضطراب والانشقاق والتشرذم السياسي في الدولة. فمبدأ المواطنة يرفض تشكيل أحزاب سياسية على أساس ديني أو طائفي من حيث البرامج والعضوية والأهداف والنشاط , وان كان يقبل تأسيس أحزاب مدنية ذات مرجعية دينية تستلهم برامجها من الشرائع السماوية باعتبارها مرجعية ثقافية تهيمن على المجتمع. والأحزاب السياسية تؤثر بشكل مباشر على سير و حركة النظام السياسي و ضمان استمراره و استقراره، حيث تؤدي دوراً حاسما في تنشيط الحياة السياسية و ركناً أساسياً من أركان النظم الديمقراطية، فأداء الأحزاب ينعكس سلباً أو إيجاباً على نوعية الحياة السياسية و على مستوى التطور الديمقراطي و التحديث السياسي و فاعلية النظام السياسي الذي يُعدّ انعكاساً للنظام الحزبي السائد في الدولة. وفي مصر قررت المادة الخامسة من قانون الأحزاب السياسية المصري رقم(40) لسنة 1977 وذلك في الفقرة (5) منها بان تكون تشكيلات الحزب و اختيار قياداته و أجهزته القيادية و مباشرته لنشاطه و تنظيم علاقاته بأعضاءه على أساس ديمقراطي و ذلك بنصها “…..خامسا:طريقة و إجراءات تشكيلات الحزب و اختيار قياداته و أجهزته القيادية و مباشرته لنشاطاته و تنظيم علاقته بأعضاءه على أساس ديمقراطي و تحديد الاختصاصات السياسية والتنظيمية و المالية و الإدارية لأي هذه القيادات و التشكيلات مع كفالة أوسع مدى للمناقشة الديمقراطية داخل هذه التشكيلات “. كما أن الديمقراطية الحزبية تستلزم أن يكون الفوز داخل الحزب بمناصبه المختلفة مرتبطاً بإرادة أعضاءه الحرة الواعية , والمادة المذكورة لا تكفل الحرية الحزبية لفئة بذاتها داخل الحزب الواحد ولا تقرر أفضلية لبعض أعضاءه على بعض في أي شأن يتعلق بممارسه ولا تفرض سيطرة لجماعة من بينهم على غيرهم لضمان أن يبقى العمل الوطني قوميا و جماعيا في واحد من أدق مجالاته و أكثرها خطرا. وللأحزاب السياسية دور مهم في صنع السياسة العامة و تأطيرها، حيث تُعد إحدى قنوات المشاركة السياسية للمواطن، و كذلك إحدى قنوات الاتصال السياسي المنظّم في المجتمع، إذْ يعدّها علماء السياسة، الركيزة القوية و المنظمة للربط بين القمة و القاعدة و كمحطة اتصال لازمة بين المواطنين و السلطة.
وهنا لا بد من التأكيد على أنه إذا كانت الديمقراطيات الغربية لم تتأسس (لم تأخذ البعد المؤسساتي) إلا بعد الثورات التي عاشتها الدول الغربية (بدءاً بالثورة الإنكليزية سنة 1688 مروراً بالثورة الأمريكية سنة 1765 وصولاً إلى الثورة الفرنسية سنة1789 ( والتي أرخت للصراعات الاجتماعية الطبقية، وجعلت الدولة في هذه الأقطار تتحول من دولة الأمير إلى دولة المؤسسات مع ضمان الحريات العامة والخاصة، فإن الديمقراطية الحديثة على العكس من ذلك تتميز بقدرتها على استيعاب التحولات السلمية. غير أنه إذا سلمنا بحتمية التغيير السلمي فإنما يجب التسليم به أيضا هو أن أي نظام يصبو إلى الديمقراطية مجبر على احترام المعايير والمبادئ . ومن القضايا الرئيسة لضمان الديمقراطية الداخلية الحزبية هي عملية من يقرر في الاحزاب ، والكيفية التي يتأهل بها المواطنين لخوض الانتخابات البرلمانية كمرشحين عن الحزب المعني . وفيما اذا كانت مثل عمليات التسمية هذه تبدوا ديمقراطية من عدمه ، فذلك يعتمد على درجة المركزية ، اي كم من السلطة تُعطى الى الهيئات الاقليمية والمحلية وللمقاطعات والمحافظات في عملية الاختيار. وتؤخذ درجة المشاركة في عملية التسمية بالاعتبار ,فكلما ازداد عدد المشاركين في الاختيار ، كلما ازدادات ديمقراطية العملية. ويعد نطاق صنع القرار وعدد المرشحين المتنافسين للتسمية مهم أيضاً. وأي تحول يراد به أن يكون ديمقراطيا لا بد له من الأخذ بعين الاعتبار هذه المقاييس فالتحول الديمقراطي إذن يتأسس على حقيقة الاعتراف بفشل العنف في فرض الشرعية والاستيلاء على السلطة وهي حقيقة بارزة اليوم في أكثر من بلد، ففي التجارب السياسية الحديثة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية فشل الاحتكام إلى القوة.
أهم ميزة للحزب السياسي “بمفهومة الديمقراطي الحديث” أنه يقدم ما يثبت إمكانية الاستغناء عن الوسائل والادوات القديمة في الحكم. والحزب الديمقراطي الناجح هو الذي يتمكن من تحقيق التقدم والتطور ويحافظ على الاستقرار بذات الوقت، وهو الحل للمعادلة المعقدة: معادلة الامن والاستقرار والحرية. ولكن مفهوم الاستقرار في النظم الديمقراطية (وكما تثبته التحولات السياسية والثقافية والامنية المنبثقة عن الثورة التكنولوجية) مبني على التوازن وليس على السكون. لذلك لا بد من وجود الحزب الفاعل بما يمكن من إعادة مؤسسات الدولة لدورها الصحيح وهي في خدمة جميع المواطنين سنداً للقانون. ويحكم القانون عملية التسمية في عدد قليل من البلدان فقط. وفي معظم النظم القانونية ، يحق للاحزاب ان تقرر بنفسها على معظم العمليات والضوابط الداخلية المناسبة. يجب أن تحافظ السلطات التنظيمية على حياديتها وموضوعيتها في التعامل مع عملية تسجيل الأحزاب السياسية حسب االقتضاء وتمويل الأحزاب السياسية وتنظيم الأنشطة الحزبية. ويجب أن تطبق القواعد التنظيمية دوما على نحو موضوعي وغير تمييزي. كما ينبغي إخضاع جميع الأحزاب لنفس الأحكام التنظيمية وأن يعاملوا بمساواة في تطبيق القواعد التنظيمية. وقد بينت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن الأحزاب السياسية هي شكل من أشكال التنظيم الضروري لسلامة الأداء الديمقراطي ,كما ذكرت المحكمة أنه: “يكمن في طبيعة الدور الذي تؤديه الأحزاب السياسية٬ وهي الكيانات الوحيدة التي يمكنها الوصول الى السلطة، قدرتها كذلك على التأثير في مجمل أنظمة الحكم في بلدانها فبمقترحات النموذج المجتمعي الشامل التي تضعها بين أيدي الناخبين وبقدرتها على تنفيذ هذه المقترحات عند وصولها الى السلطة , وقد تتمايز الأحزاب السياسية عن غيرها من المنظمات التي تسهم في الساحة السياسة وصفت المحكمة الأحزاب السياسية بأنها تضطلع بدور أساسي في ضمان التعددية وسلامة الأداء الديمقراطي.

 

اترك تعليقاً