السيمر / فيينا / السبت 03 . 10 . 2020
راوند_دلعو
كلنا يعرف ذاك الرجل الهزيل الذي يحمل عوده بخجل ، و يجلس وراء سيدة الغناء أم كلثوم …..
نعرف شكلة و لا نعرف اسمه ، كما لا نعرف شيئا عن مكانته ، و يسميه بعضنا العم النائم وراء الست ، فغالبا ما يوحي شكله بكم هائل من الإنهاك و التعب المنسكب من نظارته الكوميدية وشنبه الهِتْلَرِي الذي يتوسط شفته العليا بشكل ساخر …. !!!
لا لا تخف إنه ليس بمنهك ، و لا متعب و لا مريض ، لكنه مخمور بصوت أم كلثوم ، فما يتذوقه القصبجي ابن حلب الشهباء بأذنه الموسيقية العبقرية لا يتذوقه أحد كان !
فمن هو هذا الرجل …… من هو محمد القصبجي ؟
#الحق_الحق_أقول_لكم …. إنه الأب الروحي للموسيقا كعلم و كعمل جماعي ….
إنه أستاذ كل من مسك آلة موسيقية في مصر القرن العشرين ، حيث أعظم قرون الإنتاج الموسيقي في التاريخ !!
إنه السبب غير المباشر لكل لحن شرق أوسطي في القرن العشرين !!!! و ما أدراك ما القرن العشرين في مصر …. إنه القرن الذي تم خلاله إنتاج أعظم و أجمل موسيقا في كل التاريخ البشري …. إنه عصر الربع تون …. إنه عصر المزّيكا !!!
فنحن الآن في حضرة الأب الروحي للربع تون …. نحن في حضرة القصبجي.
و لكن مهلاً !! هل أنا أبالغ ؟؟؟؟؟
طيب ، فلنرى إن كنت أبالغ أم لا ….
( بعض إنجازات الموسيقار العظيم محمد القصبجي )
من إنجازات بطل مقالتنا اليوم أنه قام باكتشاف أم كلثوم و صناعتها من الألف إلى الياء … و ذلك بعد أن استمرت لسنوات مجرد مؤدية نمطية بعقال يغطي رأسها ، تنشد موشحات دينية مملة و مكررة …. مثلها مثل عشرات الفتية و الفتيات في صعيد مصر ، يجلن في الموالد و الأعراس …
و لو عدنا إلى تاريخ أم كلثوم …. لوجدنا أنها بقيت على هذه الحال إلى أن رضي عنها قدرها و استمع إليها العم القصبجي للمرة الأولى …. إنه اللقاء التاريخي الأهم في عالم الموسيقا … حيث تذوق القصبجي موهبتها فالتهم حنجرتها بجميع تردداتها الصوتية … ثم تفرّس مُستقبَلها ، فاستطاع بنبوءته أن يرى بأذنه العبقرية العابرة للقارات و العصور ما ستكون عليه هذه المرأة في المستقبل ، فشمر عن أنامله المقدسة الماهرة في التلحين و نقب في موهبتها ثم شذبها و صنع لها الفرقة الموسيقية ( التخت) ثم صنع لها مجداً لم تكن لتحلم به لولا العم قصب …. !
و هكذا نقلها من مجرد منشدة و موشِّحَة دينية مملة و واحدة من مئات المنشدات … إلى مغنية عظيمة على مسرح عظيم بين يدي الملك فاروق !!! تغني و وراءها تخت يضم أعظم العازفين إذ ذاك !
لتقوم بعد ذلك الست _ الوفية !! _ بتهميشه و محاربته و من ثم إذلاله برميه خلفها مجرد عازف عود دون أن تأخذ منه أي لحن لمدة عشرين سنة !!!
و يتساءل بعض الخبراء … هل كان ذنبه أن قام بالتعامل مع بنت بلده أسمهان ؟ فكيف للقصب أن يجرؤ و يلحن لأسمهان ، و هي و أم كلثوم فرسي رهان ؟؟؟!!
أم أن قراراً سيادياً صدر عن القصر الملكي لحماية الموسيقا المصرية من أن يصبح رمزها رجل سوري ؟؟!!
في الحقيقة لا ندري إلى اليوم سبب الاختفاء المفاجئ للقصبجي من حياة أم كلثوم كملحن !!!
مع العلم أنه الرجل الذي وضعها بين يدي الملك فاروق عندما لحن لها أغنية ( رق الحبيب !!).
و من إنجازات السيد قصب تعليم فريد الأطرش أساسيات التلحين و العزف على العود ، و ما أدراك ما فريد و عود فريد ، علمه القصبجي فصار أمهر عازف عود في القرن العشرين ( فريد سوري الجنسية من جبل الدروز ).
أما ثاني أمهر عازف عود في القرن العشرين فهو أيضا خريج مدرسة القصبجي لتعليم العود و التلحين ، و هو الموسيقار رياض السنباطي ، حيث تتلمذ على القصبجي و من ثم تأثر بأستاذه بشكل كبير ، إلى درجة أن بعض النقاد بالغوا بجعل السنباطي ناسخ لاصق لما قدمه القصبجي من ألحان مع تطوير بسيط نتيجة لتطور التوزيع و الآلات بحكم تطور الزمن !!!
نعم هناك إضافات سنباطية لكن ضمن النكهة و الإطار القصبجي العام ….
و الحق يقال … لم يستطع السنباطي الخروج من عباءة القصبجي طيلة عمره إلى أن مات !!!
ذلك السنباطي بكل روائعه العظيمة … ذلك الذي برع في تلحين القصيدة العربية ، ثم ارتقى في هذا المجال إلى أن لحن أجمل أغاني القرن العشرين ألا و هي قصيدة ( الأطلال ) !!
إنه مجرد تلميذ لم يستطع الخروج من عباءة العم قصب !!!
من أوائل مكتشفي موهبة أسمهان الأطرش ( سورية من جبل الدروز أخت فريد ) صاحبة الصوت الساحر ، حيث قام بتلحين معظم إنتاجها الفني المشهور الذي يعتبر من أرقى ما قدم الفن الشرق أوسطي للعالم ….
أسمهان تلك التي كانت ستعبر بالأغنية المصرية نحو العالمية بفضل السيد قصب ( أغنية يا طيور كمثال ) لولا أن يد الموت كانت أقرب لتستل أنظف حنجرة عرفها القرن العشرين أو كما قال القصبجي (صوت هارب من الجنة) .
و من إنجازات القصبجي تعليمه محمد عبد الوهاب _ مطرب الأمراء _ كيفية مسك العود و الدندنة ليستخدم ما تعلمه من أستاذه القصبجي فيما بعد و يوظفه في اقتباس الكثير من الألحان و تطويرها ليصنع لنفسه اسم ( محمد عبد الوهاب موسيقار الأجيال العظيم ) .
لكن الذي حدث بعد ذلك _ للأسف _ أن تآمر عبد الوهاب مع أم كلثوم لتهميش القصبجي و حرمانه من كرسي نقيب الفنانين و من ثم حجبه عن أي تكريم يذكر !!!
الأثر البالغ في ما قدمته المطربة المتألقة منيرة المهدية و التي سيطرت على الساحة الفنية في نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين ….. حيث تتربع ألحانه على قائمة أهم إنجازاتها.
صاحب أجمل أغنية في القرن العشرين برأي عدد من النقاد ، و هي أغنية ( رق الحبيب ) حيث قام بتلحينها خلال أربع ساعات فقط مع مقدمة موسيقية رائعة و سابقة لعصرها و هي معزوفة ذكرياتي !!
إذ قام القصبجي بتلحين هذه الرائعة وهو واقف في بيت أم كلثوم و في حالة من العجالة لأنه يريد الذهاب لأمر مهم !!!
مهما كانت أهمية ذلك الأمر الذي كان يدفع القصبجي للاستعجال و الذهاب …. لكنه لم يعلم أن رائعته ( رق الحبيب ) هي الأهم !!! لتكون ثورة في عالم الفن و نقلة نوعية بحيث يقسم تاريخ الموسيقا ما قبل رق الحبيب و ما بعد رق الحبيب …..!!
ملاحظة : لقد اقتبس الموسيقار العالمي ياني من معزوفة ذكرياتي واحدة من أروع معزوفاته و أجمل حفلاته التي جنى منها ملايين الدولارات …
اختراع ما يسمى المونولوج الغنائي ، و هو النمط الذي مشت عليه الأغاني و القصائد المطولة معظم القرن العشرين ، فاعتُبر بذلك زعيم التجديد في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا في القرن العشرين وفق الكثير من النقاد.
أول من لحن أغنية طويلة ( يا قلبي بكرة السفر ) ، فبعد أن كانت الأغاني تستمر لمدة خمس دقائق فقط ، تقدم السيد قصب بفكرة الحفلة الطويلة مستثمراً إمكانيات الحنجرة الذهبية القابعة في حلق أم كلثوم ….. فاخترع ما يسمى الحفلة الطويلة !! و هي البدعة التي بسببها ظللنا نستمتع بالأغاني الطويلة لمعظم فناني الحقبة الذهبية المباركة و الزمن الجميل في عالم الفن الشرق أوسطي.
أول من لحن مقدمة موسيقية طويلة لأغنية طويلة لأم كلثوم ؛ و ليس كما يدّعِي البعض بأن محمد عبد الوهاب هو أول من فعل ذلك في أغنية ( إنت عمري) ، حيث جعل المقدمة طويلة … فالتأريخ الموسيقي يثبت أن القصبجي سبق تلميذه محمد عبد الوهاب بحوالي نصف قرن في أول أغنية طويلة تلحن على الإطلاق ( يا قلبي بكرة السفر ) و في أغنية ( رق الحبيب ) و مقدمتها الملحمية ( زكرياتي ).
أول من أضاف آلة تشيلو و آلة كونترباص للموسيقا الشرق أوسطية بعد أن كان هذا حراماً و عيباً قبل عصر العم قصب ( بحكم الانغلاق و السير على خطا الأجداد )!!
فجاء العم قصب و خطا خطوة عظيمة فأخرجهم من الصندوق …. و كان أن أُعجب محمد عبد الوهاب بالفكرة القصبجية الثورية فسار على درب القصبجي بالتجديد و المزج بين الآلات … و استمر في مَصْرَنَة الآلة الموسيقية الغربية !!!
معجزة ليلى مراد ( أنا قلبي دليلي قلي حتحبي !!!!) …. و هي الأغنية المقدسة التي لحنها القصبجي في فترة تهميشه من قبل الست ثومة !!! ، و يلاحظ الناقد الموضوعي أن أغنية ( أنا قلبي دليلي ) أجمل من كثير من الألحان المغمورة التي غنتها الست ثومة خلال فترة الحرب الشعواء على العم قصب و التي استمرت طيلة فترة الخمسينات و الستينات !!! و من هنا نستطيع أن نجزم أن سبب عزوف الست ثومة عن مكتشفها ليس تدني مستواه الموسيقي نتيجة ضربة بالعصا على رأسه ، بل لسبب ما قد يكون سياسياً أو عنصرياً يقبع خلف الكواليس !!!
معزوفة ذكرياتي ( طريقة سابقة لعصرها في العزف و التنقل الإيقاعي )
كان محمد القصبجى صاحب مدرسة خاصة في التلحين والغناء ولم يقلد أحداً في ألحانه ( على عكس عبد الوهاب الذي اتهم باقتباس الكثير ، و على عكس سيد درويش الذي أخذ كثيراً من الموسيقا و القدود الحلبية ، و على عكس رياض السنباطي الذي نسخ أستاذه القصبجي و طوره ليزيح التلميذ معلمه عن مقعده بجوار أم كلثوم) .
كما أضاف العديد من الآلات الغربية إلى التخت الشرقي ، كل هذا أدى إلى ارتفاع مستوى الموسيقا و الموسيقيين أيضاً ، أضف إلى ذلك الأجواء الرومانسية الحالمة التي أجاد التحليق فيها فاكتسبت ألحان القصبجى شهرةً واسعةً وجمهوراً عريضاً حيث حمل على ظهر ألحانه ، أسمهان و أم كلثوم و منيرة المهدية و ليلى مراد و غيرهن إلى القمة.
قدم الموسيقار محمد القصبجى أعمالاً سابقة لعصرها في الأسلوب و التكنيك ، و أضاف للموسيقا الشرقية ألواناً من الإيقاعات الجديدة و الألحان سريعة الحركة و الجمل اللحنية المنضبطة البعيدة عن الارتجال ، والتي تتطلب عازفين مهرة على دراية بأسرار العلوم الموسيقية ؛ أي أنه حول الموسيقا من مجرد دندنة شخصية و موال فردي يقوم به أي شخص إلى علم معقد و مقامات لا يقدر عليها ابن الشارع !!!
صنع القصبجي في ألحانه نسيجاً متجانساً بين أصالة الشرق والأساليب الغربية المتطورة ، فكان بذلك مجدداً ارتقى بالموسيقا الشرقية نحو عالم جديد دون أن يقوم بتشويه هويتها ، و اهتم كثيراً بالعنصر الموسيقي إلى جانب العنصر الغنائى في أعماله.
أول من أدخل أوبّرا في الموسيقا الشرق أوسطية من خلال رائعته ( أوبرا عايدة ) …
و الكثير الكثير من الإنجازات الإبداعية العظيمة !!!
إذن دعوني أتساءل …. ما الجريمة التي ارتكبها محمد القصبجي ليتم تهميشه بهذه الطريقة و تقديم سيد درويش و عبد الوهاب ( تلميذه ) عليه !!!! ؟
و ما الجريمة التي ارتكبها لتتوقف أم كلثوم عن أخذ ألحانه بعد أغنية رق الحبيب ؟؟؟؟؟
ما الجريمة التي ارتكبها العم قصب ليتم إبعاده عن أي منصب أو تكريم فني في مصر ؟
الحق الحق أقول لكم …. إنه من البديهي أن تعودَ لتأخذ مني لحناً آخر و تستمر في التعامل معي عندما أقدم لك لحنا عظيماً يوصلك إلى الغناء بين يدي الملك فاروق …. و هذا أمر طبيعي كي تستمر بالارتقاء …..
و لكن ليست هذه الحالة مع أم كلثوم !!! فبعد أن أوصلها القصبجي إلى مستوى الغناء أمام الملك فاروق ، و حولها إلى أيقونه من المحيط إلى الخليج ، ردت له الجميل بأن توقفت فجأة عن أخذ ألحانه من بعد أغنية ( رق الحبيب ) !!!!
ثم حولته بشكل غير مبرر لمجرد عازف عود وراءها لمدة عشرين سنة دون أن يلحن لها لحناً واحداً ، في حين تأخذ من تلاميذه الذين علمهم الموسيقا و العزف ألحاناً مملة في كثير من الأحيان !!!
من وجهة نظري الشخصية أن الجريمة التي ارتكبها السيد القصبجي هي نفسها تلك الجريمة التي ارتكبها العبقري فريد الأطرش و نال على إثرها حرباً لا هوادة فيها من بعض المتنفذين في الوسط الفني المصري ….
و الجريمة هي أنه ليس مصريَّاً !!!
فمن الصعب أن تقودك الأقدار إلى أن تزرع في غير أرضك و أن تغرس في غير بلدك ….
لقد فكر بعض العنصريين المتعصبين في الوسط الفني المصري بطريقة سيئة … ( و أؤكد على كلمة بعض !!! فمعظم أهل مصر من الطيبين الرائعين ) فكيف لرجل غير مصري أن يتربع على عرش الموسيقا المصرية ؟؟!!
فبعد أن فاق القصبجي كل توقعات النقاد في مصر ، و حاز على الساحة و الأستذه بامتياز ، و حان وقت تربعه على عرش الموسيقا المصرية بلا منازع ليصبح موسيقار الأجيال و أمير اللحن …. تم تهميش العم قصب و تسليط الضوء على منتجات منافسه الموسيقار العظيم سيد درويش ، و من ثم عزو العملية الثورية الفنية في مطلع القرن العشرين إلى هذا الأخير وحده ، ليعود بساط الفن المصري إلى رجل مصري بعد أن كان سيسحبه رجل سوري اسمه محمد القصبجي.
في الحقيقة لا ألومهم على هذا الفعل … إنه أثر مباشر للجين الأناني … إنه أمر مغروس في النفس البشرية … و لن تقبل أي أمة أن يأتي مجرد ( غربتلي مغترب ) ليتربع على عرش الريادة قي مجال ما من مجالات الفكر أو الفن أو الإبداع !!!
و في النهاية ، لم يحصل القصبجي على أي وسام أو تكريم في مصر طيلة فترة حياتة ! …. و كان كلما رشح نفسه لنقابة الموسيقيين ، تدخلت أيادي رئاسية و ملكية لتهميشة … و هكذا تذهب النقابة لأم كلثوم أو عبد الوهاب !!! في حين يبقى القصبجي مهمشاً في الظل ليستمر كذلك إلى أن يموت فقيراً تتبرع له أم كلثوم و تتفضل عليه !!! … مع العلم أنه مكتشفها و صاحب الفضل في شهرتها و في أموالها الطائلة …. !
إنها قساوة القدر ! أنها سخرية الحياة !!!
و من هنا يجب علينا كسوريين أن نتبنى الرجل و نقدم الدراسات المعمقة حول موسيقاه ثم نعيد نشرها بتوزيع جديد ليأخذ بعضا من حقه ، فنحن أولى الناس بابن حلب العم قصب.
و في النهاية يجب اعتبار القصبجي رمزاً وطنياً في سوريا ، كالقباني و فريد الأطرش … و من هنا و كأديب و مفكر ولدت في دمشق … أدعو وزير الثقافة السوري إلى افتتاح معهد في سوريا لتعليم الموسيقا و تسميته معهد الموسيقار محمد القصبجي ابن حلب الشهباء و تقديمه باستمرار على أنه الرجل الذي أسس للقفزة الهائلة في عالم موسيقا الشرق الأوسط في مطلع القرن العشرين .
كما أننا لا ننسى تواضع الرجل و أخلاقه الفنية العالية ، فمهما بحثنا لن نجد موسيقاراً يقبل أن يجلس طيلة حياته وراء مطرب كما فعل القصبجي بجلوسه وراء أم كلثوم !
إنه و الحالة تلك ، كالمهندس المدني الذي يقبل أن يعمل سائقاً عند عامل البناء الذي يشتغل تحت يديه في نقل الطوب !!!
و ما فعل القصبجي ذلك إلا إيمانا منه بتلك الحنجرة الكلثومية و رضوخاً منه لسطوة أذنه الموسيقية حيث أسرها صوت أم كلثوم الرهيب !
هنا عند هذه الحالة البوهيمية حيث يعلو الإحساس الفني على الكبرياء ، فترى الرجل مخموراً بأحاسيسه الفنية يتصرف بناء عليها ، ليقوده سكره الفني إلى القبول بالذل في سبيل الفن و الجمال … و لذلك أجدُني مجبراً على اعتبار هذه الحالة القصبجية النادرة أرقى حالات الفنان ، حيث يعرج في سماوات الفناء و الذهول من أجل فنه …..
لأستنتج أن العم قصب مثالاً رائعاً للفنان الذي حرر الأنا في سبيل فنه حيث جلس عازفاً في تخت الست ، و هو المطور الأكبر لموسيقا الشرق و المكتشف لحالة الست … و الذي يستحق أن تجلس الست و ست الست و ست ست الست و الدنيا كلها وراءه عازفة في خضم إبداعاته الخالدة ….
إنه الفنان الحقيقي المتواضع …. إنه الإحساس الفني في أرقى صوره …
إنه التقديس الحقيقي للحالة الفنية والقيم الجمالية ….
إنه العم الذي هاجر جده من حلب إلى مصر ….
مفكر حر