السيمر / فيينا / الجمعة 30 . 10 . 2020
▪️الإعداد للمحرقة:
إنتخابات ٢٠١٤ أجبرت سلطاتٍ كبيرةً على التدخل العلنيّ ضدّ ما إعتبره البعض حقاً دستورياً للمالكي بولايةٍ ثالثة.
أسفرت تحالفاتُ الظِلِّ عن المجيءِ برئيس وزراءٍ ضعيف، لا يمتلك قاعدةً شعبيةً ولا مؤهلاتٍ قياديةً، ليحلّ بدلاً عن المالكي، الزعيمِ القويّ والعنيد.
أخطاءُ حِقبة الولايةِ الثانية وعثراتُها جُيّرت بالكامل ضدّهُ سياسياً وإعلامياً.
رغبةُ الداعين للتغيير والإصلاح تطابقت مع رغبةِ الأمريكان وحلفاءِهم بالخارج والداخل للتخلصِ من الزعيم الشيعي العنيد، الذي إمتلك قوةً وشعبيةً مؤثرة .. صفات كانت تثير الأعداء وتؤرق المنافسين.
.. لكن أكبر آثامِه كان التقارب مع المحور الإقليمي المقاوم .. الأمر الذي وحّدَ الخصومَ ضدّه، وعجّل في نهايتِهِ.
دفع المالكي فواتير ذلك التقارب، بعد أن أعطت أخطاءُه الذريعةَ لمعارضِيهِ الشيعة – كي يُنَسّقوا جهودَهم مع القوى الآخرى (كرد وسنة وأتراك وأمريكان وخليجيين … ) للإطاحة به ومنعه من الولاية الثالثة.
إزاحة المالكي عن رئاسة الوزراء كانت فرحا شديدا لشخصياتٍ دينيةٍ أيضا – أقحمت نفسها في ذلك المعترك الخطير .. لكنه كان فرحا مشوباً بتعاونٍ شبهِ مُعلنٍ مع جهات أجنبية – قيادة الإحتلال تحديدا .
.. منذ ذلك التأريخ لم يعد تفاهم الأضداد خطاً أحمر ، وتم إقحام أكبر العناوين الدينية للشيعة في أدوارَ سياسيةٍ مباشرةٍ ومثيرةٍ للجدل .
خلاصة الأمر : الأطرافُ المتقاطعة بشدة مع الإسلام الحركي -الشيعي- حققت إنتصارها المهم بإزاحة المالكي عن السلطة مستغلةً أخطاءَ حكومتِه وبعضَ الصفاتِ السلبية التي بدأت تظهر في سلوكٍه، والتي نفّرت عنه كثيرا من الأصدقاءَ، ومنحت غُرماءَهُ أسلحةً مهمةً للنيل منه.
.. لكن بهجةَ الأطرافِ تلك لم تدم طويلاً..
.. فقد سطعَ نجمُ الحشد الشعبي .. قوةٌ إسلامية ثورية أكتسحت شعبيتها العراق بأسره وإختطفت كل القلوب والأضواء.
نجاحاتُ الحشد الشعبي المعنوية شكّلت مصدرَ قلقٍ لجهاتٍ عديدة- خارجيةٍ وداخلية.
إنتصاراتهُ العسكرية أفشلت مخطط إسقاط حكم الشيعة وتمزيق العراق.
لذا- كان أمراً طبيعياً وتلقائياً أن تتوحّدَ طاقاتُ تلك الجهاتِ وأحقادُها ضدّ الحشد ..
.. لكن معضلتَهم معه لم تكن سهلةً أبدا.
▪️ بسرعة خاطفة أضحى الحشد كياناً كبيرا، يمتلك القوةَ المسلحة، ويحظى بالشرعية الدينية وبالغطاء القانوني .
سمعةٌ نقيةٌ وشعبيةٌ طاغية، ومسيرةٌ لم تشُبها أخطاءٌ كبيرة يمكن للخصم إستثمارُها ..
تسقيطُه معنويا لم يكن أمراً سهلا – بخلافِ ما حصلَ مع الأحزاب. فهو لم يمارس سلطةً تنفيذية فيها المناصب الرفيعة والأموال.
.. على العكس كان الحشد هو من يعطي – وعطاءُه كان دماً وأرواحاً..
كان يسطّر الملاحم، ويسلب موقع الصدارة من الجميع.
… لكن أهم عنصر في قوة الحشد كان إمتلاكه للقيادة الفذة:
▪️ ابومهدي المهندس –
.. ذلك الرجل العقائدي ، مجاهدٌ من الطراز الأول، خبير عسكري، كاريزما عالية، نزاهةٌ وورعٌ واضحين، تُرابيةٌ وتواضعٌ وروحٌ أبوية جامعة، وشجاعة نادرة – صفاتٌ جعلته كعبة العاشقين.
.. صفاتٌ جعلت الأمريكان يمقتونه بشدة لا توصف، هم وحلفاؤهم السعوديين وأشباههم- ممن يبغضون الشيعة ويحرصون على إبقاءِهم ضعفاء بلا قياداتٍ مؤهلة وناجحة.
– الحشد بقيادة المهندس أفشل مشروع داعش وهو الذي كان رهانهم الأكبر.
– متطرفو الداخل العراقي أغاضتهم هذه الشخصية ..
– السياسيون الفاشلون والفاسدون، والزعماء القاصرون ، جميعهم شعروا بحرجٍ كبير أمام جمهورهم، حيث تضاءلت مكانتهم أمام هذه الرجل الذي إمتلك القلوب – تاركاً العناوين لهم والقصور والكراسي.
كثيرون باتوا في قلق دائم .. أصبح الحشدُ كابوساً ملازما لهم.
_____ تتمة الحديث في الحلقة 4
المعمار
تحليلات في الشأن العراقي- الشيعي
28 . 10 . 2020