السيمر / فيينا / الثلاثاء 12 . 01 . 2021 —–لا يحتاج المرء لتكون لديه معلومات واسعة، ليتعرف على الدور الكارثي والمدمر للاستعمار البريطاني في العالم، فأغلب الحروب والازمات التي نشبت بين الدول في العالم، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، تعود جذورها الى فترة الاستعمار البريطاني، بعد ان زرعت بريطانيا بذور الازمات والحرب بين الدول عبر التلاعب بحدودها ، بهدف استغلالها مستقبلا للمحافظة على مصالحها غير المشروعة في العالم.
اليوم وبعد ان غابت الشمس عن “الامبرطورية البريطانية”، وانكفأت الى جزيرة صغيرة تقبع في شمال اوروبا، الا انها بين وقت واخر، وخاصة عندما تواجه ازمة اقتصادية، او عندما يُطلب منها تقديم خدمات للصهيونية العالمية، تقوم بنفث سمومها، عبر ما بات معروفا بـ”سياسة الكشف عن وثائق سرية”، تعود لفترة الاستعمار، والتي تبين ان اغلبها ملفقة ومزورة ، جاءت تحت ضغط حاجة فعلية.
من الوثائق “السرية”، التي باتت تكشف عنها بريطانيا “عند الطلب”!!، هي الوثائق التي كشفت عنها هيئة الاذاعة البريطانية، القسم العربي، وما ادراك ما هيئة الاذاعة البريطانية!!، مؤخرا، والتي تضمنت معلومات اقرب ما تكون الى مزحة، حيث تقول هذه الوثائق: “أن بريطانيا درست شراء الجزر المتنازع عليها في الخليج الفارسي( بو موسى وتنب الصغرى وتنب الكبرى) من العرب وإهداءها لنظام الشاه أو تأجيرها له، بهدف تسوية النزاع وضمان الاستقرار في المنطقة”!!.
من الواضح ان هذه الوثيقة قد تم إعدادها على عجل، لتكون في خدمة المصالح البريطانية وكذلك الكيان الذي زرعته بريطانيا في المنطقة وهو الكيان الاسرائيلي، وهو ما جعلها مضحكة ومثيرة للسخرية. وإلا لماذا كل هذا الحرص البريطاني على ” تسوية النزاع وضمان الاستقرار في المنطقة”، بينما سياستها قائمة على مبدأ “فرق تسد“؟. ولماذا تتحمل بريطانيا، اعباء شراء هذه الجزر و”اهداءها” الى الشاه؟، ولماذا لم تختر جزرا اخرى غير هذه الجزر، لتشتريها وتهديها الى ايران؟. ولماذا كانت تصر ايران على استعادة سيادتها على هذه الجزر الثلاث تحديدا دون غيرها؟.
هذه الجزر هي جزر ايرانية، وتعود سيادة ايران عليها الى عصور ضاربة في اعماق التاريخ ، حيث كانت تحت سيادة الامبراطوريات الايلامية والمادية والاخمينية والاشكانية والساسانية، الا انه في العصور المتأخرة، قامت بريطانيا باحتلالها بين اعوام 1903 و 1908، لموقعها الاستراتيجي في الخليج الفارسي، لكن مختلف الحكومات المتعاقبة على ايران، رفضت هذا الاحتلال وسعت الى اعادة سيادتها على هذه الجزر، عبر مختلف الطرق القانونية، وبعد سبعين عاما من الاحتلال البريطاني وتحديدا في عام 1971 تمكنت ايران من استعادة سيادتها على هذه الجزر، بعد انسحاب بريطانيا من المنطقة.
منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم فشلت الامارات في تاييد سيادتها المزعومة على هذه الجزر، التي تحولت الى ورقة ضغط تستخدمها امريكا على ايران، لاسيما بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران، من اجل تبرير تواجدها غير المشروع في المنطقة، وايجاد اسواق لبيع اسلحتها. واليوم جاء دور بريطانيا، التي كشفت وبشكل مفاجىء عن” وثائقها السرية” في هذا التوقيت الحساس التي تمر به بريطانيا والمنطقة، فمن الواضح ان بريطانيا بحاجة الى اسواق اثرياء في دول الخليج الفارسي بعد خروجها من الاتحاد الاوروبي، وخاصة سوق السلاح. كما قد تكون ورقة ضغط يمكن ان يمارسها الغرب ضد ايران بعد مواقفها الحازمة من الاتفاق النووي. او قد تكون رسائل يبعثها حليف ترامب ، رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون ، بتحريض اسرائيلي، الى الرئيس الامريكي المنتخب جو بايدن، بهدف فرملة اندفاعه للعودة الى الاتفاق النووي. او قد تكون تبريرا للتواجد الامني والعسكري الاسرائيلي في الامارات، لاسيما بعد تطبيعها المخزي مع الكيان الاسرائيلي، و بعد فقدان المنطقة لاهميتها لدى امريكا.
هذه الاسئلة ، واسئلة اخرى عديدة يمكن طرحها، لتبرير هذا الكشف البريطاني المفاجىء والمضحك ، الا ان الشيء الاكيد والذي لا شك فيه، هو ان جزر، بو موسى وتنب الصغرى وتنب الكبرى ، ستبقى ايرانية الى الابد، كما كانت ايرانية منذ الازل، وعلى الامارات ان تكف عن ان تكون اداة بيد قوى لا تريد الخير لبلدان المنطقة، وفي مقدمتها الامارات نفسها.
المصدر / العالم