السيمر / فيينا / الاحد 28 . 11 . 2021
سليم الحسني
بطرح اسم الشيخ محمد باقر الإيرواني، يكون الغروب قد حلّ على مرجعية السيد السيستاني. إنه إعلان بشكل ما عن الشمعة التي توشك أن تنطفئ.
لقد شغلت مرجعية السيد السيستاني فترة زمنية طويلة امتدت لثلاثة عقود من الزمن ـ حتى الآن ـ فهي إذن واحد من أطول المرجعيات الشيعية عمراً. وهي أول مرجعية شيعية في العراق أحنت لها السلطة الحاكمة رأسها، فبعد سقوط نظام القمع البعثي في نيسان ٢٠٠٣، صار البيت الصغير العتيق في شارع الرسول بالنجف الأشرف، أقوى قلعة في العراق، وتواضع أمام عتبته كبار السياسيين من بغداد الى واشنطن.
حدث ذلك نتيجة عاملين أساسيين:
الأول: الولاء الجماهيري الشيعي للمرجعية الدينية. وهو ولاء عقائدي وثيق، برّهن الشيعة على تمسكهم به طوال عصر الغيبة، وهو ولاء الصادقين
المخلصين، ولو لاه لما أخذت المرجعية هذه المكانة العالية طوال الحقب التاريخية المتعاقبة، ولكانت وجوداً هامشياً محدوداً في أجواء طلبة العلوم الدينية.
الثاني: الدور الذي قامت به القيادات السياسية الشيعية في التعبير على ارتباطها بالمرجعية وطاعتها لمراجع الدين. وقد حرصت الأحزاب والكيانات السياسية الشيعية طوال فترة المعارضة في العراق وخارجه على تأكيد الولاء للمرجعية، والمناداة بقيادة المرجع للأمة وأن الكلمة كلمته والرأي رأيه. وكان لذلك أثره البالغ في تعريف العالم والقوى الدولية المهتمة بشؤون العراق والشيعة بمكانة المرجعية السياسية.
ويجب أن نسجّل للقيادات الشيعية دورها التاريخي في تقديم مرجعية السيد السيستاني كقيادة دينية وسياسية عليا أمام المجتمع الدولي بعد سقوط نظام صدام، من خلال رجوع هذه القيادات الى المرجع الأعلى منذ الأيام الأولى التي بدأت فيها إجراءات تنظيم العملية السياسية. وهذا ما جعل سلطة الاحتلال الأمريكي والقوى الدولية تتعامل على أن المرجعية الشيعية هي القيادة السياسية الأعلى للشيعة.
لقد انفتحت أبواب التوجيه والرأي والقرار أمام السيد السيستاني، وجاءته سلطة واسعة المساحة والمكانة بطفرة زمنية خاطفة لم تتوفر أبداً لأي مرجع شيعي في العراق، فلقد قضى المراجع حياتهم الشريفة تحت القمع والظلم والمضايقة والحصار طوال حقب التاريخ المختلفة التي مرت على العراق.
وبذلك أصبح السيد السيستاني مبسوط اليد في القرار وتوجيه مسار الأحداث وتحديد المواقف لأهم محطات العملية السياسية ومفاصلها، فالقيادات السياسية الشيعة كانت تلتزم برأيه التزاماً كاملاً، بل كانت ترجع اليه في طلب المشورة والرأي قبل أن تتخذ مواقفها في الاجتماعات الرسمية مع الشركاء السياسيين ومع سلطة الاحتلال الأمريكي.
وهنا يخرج علينا السؤال الحساس:
هل كان السيد السيستاني بمستوى الدور الذي وصل اليه وقبل به؟ أين أصاب وأين أخطأ؟
هذا السؤال يلامس أكثر المناطق حساسية في الوسط الشيعي، لأنه يُقرأ بعيون العاطفة عادة من قبل أغلبية الشيعة. وعلى هذا يكون الجواب مجازفة حقيقية تحتاج الى استعداد لمواجهة عواصف صاخبة من ردود الأفعال. ومع ذلك فان الجواب يبقى ضرورياً لابد منه، لأنه يقيّم مرحلة مهمة، وقد يضع علامات مفيدة لمرحلة قادمة.
له تتمة
٢٨ تشرين الثاني ٢٠٢١