السيمر / فيينا / الأربعاء 18 . 05 . 2022
حيدر حسين سويري
تكاثرت علينا هذه الأيام التقلبات المناخية في العراق وعموم الشرق الاوسط، منها تكرار العواصف الترابية التي تجتاح البلاد كل أسبوع تقريباً، والكل يرمي تأويلهُ في تعليل حصولها، وهكذا هو الانسان على مدى صراعه مع الطبيعة ومحاولته السيطرة على ظواهرها، أصبح في كر وفر معها، فساعة يسخرها وساعة أخرى تغلبه ولا يستطيع لها دفعا. هنا سنستعرض وجهات نظر مجتمعنا حول هذه الظاهرة وكيفية معالجتها حسب ما يرون:
أولاً: المتشائمون المتدينون: يعزونها الى كونها غضباً إلهياً، وآية لبيان عدم رضا الخالق على فعل المخلوق، ويستدلون بقوله تعالى (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً [الإسراء: 59])، وغيرها من الآيات الأخرى التي تدل على نزول العذاب بسبب الغضب الالهي. والحل عندهم في اتباع ما شرع الله وترك المحرمات؛ وهنا سؤال: فما ذنب الطفل والشيخ والأخر الذي لا ذنب له؟ خصوصاً وأن القران جعل قاعدة له في الحكم بقوله (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [الزمر: 7})
ثانياً: وعلى عكسهم المتفائلون المتدينون حيث يرون أن كل ما يأتي من الله فهو خير (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة: 216]). والحل عندهم الرضا والتسليم وعدم البحث عن الحلول. هل يجب علينا ان لا نبني سدوداً لمنع الفيضانات؟ لماذا ترفعون المظلة فوق رؤوسكم عند سقوط المطر او لمنع شدة اشعة الشمس ان تحرق وجوهكم؟ كل هذه وغيرها ظواهر طبيعية! لماذا لا تقابلونا بالرضا والتسليم؟
ثالثاً: ثمة نظرة أخرى وهي للمتدينين أيضاً، لكن هذا الصنف يفهم الأمور بشكل آخر، حيث يرى أن هذه العواصف والتغيرات المناخية إنما هي أسباب طبيعية، وضعها الخالق سبحانه وهي تحدث كل عام وكل فصل تقريباً، وقد تزداد أو تنقص بفعل أسباب طبيعية أخرى، وأن الشر (كما نراه نحن المخلوقين بقياساتنا كحالات الاختناق وغيره) الناتج عنها انما يحصل بسبب الخلل في المُستَقبِل وليس المُرسل، بمعنى أن الكهرباء قد تنقذ انسان توقف نبض قلبه من الموت، لكنها نفسها تتسبب في موت انسان اخر، ويستندون بذلك على قوله تعالى (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ {فصلت: 44})، فالقران الكريم بالرغم من كونه كتاب هداية الا انه يصبح عمى للذين كفروا، فقطعا هنا يكون الخلل في المُستَقبِل. والحل عندهم هو في البحث عن إيجاد حل لهذه الظاهرة من قبل المخلوق وفق السنن الإلهية المزروعة في الطبيعة سواءً منها الدعاء والاستعانة بالله تعالى وكذلك من خلال ما سخر لنا الله من أسباب الطبيعة. والصراحة هو رأي جميل فبالإضافة الى التمسك بعيادة الله وطلب العون منه، يقوم الانسان بإيجاد حلول طبيعية لتك الظاهرة وغيرها.
رابعاً: صنف اخر من مكونات مجتمعنا، وهو الذي يؤمن بالأمور الطبيعية خارج التأويلات الدينية والميتافيزيقية، حيث يعزون ظاهرة العواصف لقلة الزراعة وانتشار ظاهرة التصحر، ويجعل السبب في ذلك هو الانسان، وأن المشكلة يمكن معالجتها من خلال الزراعة؛ لكننا رأينا بأعيننا ما تفعله العواصف والاعاصير في المناطق الخضراء والمزروعة، وكيف تقتلعها من جذورها هي والمنازل التي فيها، وهنا نقول: لو كانت الزراعة فعلاً هي الحل فلماذا فعلت العواصف في اليابان وغيرها ما فعلت؟!
خامساً: صنف اخر يؤمن بالظواهر الطبيعية، لكنه يعزوها الى التوازن في الطبيعة، حيث يقول ان التربة يجب أن تتبدل بين فترة وأخرى، لأن الأرض تتعرض للتلوث، بسبب فعل الانسان، ولا يمكن معالجة هذا التلوث الحاصل للتربة الا بالاختلاط مع تربة أخرى، وهذا الصنف يرى الجانب الجيد من الظاهرة، لكننا لا ندري ان كان هذا الرأي يستند الى أساس علمي أم هو محض تهيؤآت.
بقي شيء …
لكل مجتمع نظرته الخاصة حول ما يجري حوله بل لكل شخص، وهذه النظرة تأتي من خلال تأثير بيئته فيه، وبغض النظر عن صحة النظرة أو خطأها أو ما تستند إليه، يبقى إيجاد الحل للمشكلة ودفع شرها وضررها هو المهم بالأمر، والشغل الشاغل للإنسان.