السيمر / فيينا / الأربعاء 15 . 06 . 2022
حاوره: هشام جمال داوود
سبايكر، مجزرة العصر، الحدث الذي هز غيارى العراق وأصاب عمقهم وضمائرهم وهم يشاهدوا أبنائهم يساقون في زحمة الموت نحو الجرف ليقدمهم الظلاميون قرابيناً الى النهر، شاهدوا أبنائهم مكبلين يحسبهم العدو أذلاء، اما هم فحسبوا أنفسهم ماضين نحو تاريخ موزون الخطى كأقدامهم التي مشت ولم يثقلها الماً ولا ضرها العناء، شباب في مقتبل العمر قدموا صوراً تكاد تعجز ان تأتي بمثلها حتى اساطير القصص، الوفاً يستقبلوا الموت لا شكوى صدرت منهم ولم يثيروا ضجيجاً او بكاء، كانت في تلك المجزرة دروساً وعبراً للوطنيين، والغيرة تجسدت في الصمت عند الموت وهذا الذي لا يمكن ان يفهمه إلا الشرفاء.
في الذكرى السنوية الثامنة على هذه الكارثة، كان لنا حواراً مع رئيس وزراء العراق السابق الأستاذ الحاج نوري المالكي:
🔹 دولة رئيس الوزراء السابق ونحن نقف على أبواب الذكرى الثامنة لمجزرة وكارثة سبايكر، وكون سيادتكم هو القائد العام للقوات المسلحة آنذاك، ما هو شعوركم ونحن اليوم على أبواب ذكرى تلك المجزرة.
لا شك أن من تمر عليه ذكرى استشهاد أبنائنا وبهذه الطريقة الظالمة القاسية لا شك بأن تأخذه المرارة والحسرة عليهم وعلى شبابهم، الجانب الثاني يدعوني ويدعوا كل مخلص ان يبحث لماذا تم قتل هؤلاء الشباب ولماذا استشهدوا؟ ومن الذي خانهم وخذلهم؟
والقضية معروفة، خذلهم قائد الفرقة الذي انسحب وسحب كل الضباط الركن الذين كانوا معه وأصبحت صلاح الدين تائهة بيد العشائر، الذي خذلهم هي القرارات التي صدرت الى قيادات الفرق ومنها الفرقة الثالثة على حدود سورية بأن ينسحبوا.
الذي خذلهم هو قرار محافظ نينوى الذي قال لثلاثين ألف منتسب في الشرطة ان انسحبوا وبذلك مهدوا لهذه الجريمة وامثالها.
انا أقول ان الحرب فيها خسائر ولكن ان تلتقي تصرفات البعض مع الغدر والخيانة من الآخرين فهذا ما يجعلني اتألم، صحيح بعد سقوط الموصل تشكلت محكمة وصدرت احكام اعدام بحق الذين انسحبوا من قادة الفرق وبحق الذين أمروا بسحب الشرطة والجيش والذين مهدوا لذلك، ولكن تبقى هذه الجريمة بالذات بحاجة الى ملاحقة لكل من ارتكبها، عندنا جرائم كثيرة، جرائم الموصل وغير الموصل وجرائم الفلوجة ولكن هذه الجريمة غادرة، ان نستمر بالمعركة رصاص مقابل رصاص ونستشهد فهذا طبيعي (كتب القتل والقتال علينا وعلى المحصنات جر الذيول) ولكن بهذه الطريقة الغادرة ضد مجموعة من الشباب الذين خرجوا وهم عزل من اجل الالتحاق بعوائلهم وان كنت اسجل عليهم خطأ ( رحمة الله عليهم) اذ ما كان من المفروض أن يخرجوا كون المدينة كانت تائهة وقائد الفرقة انسحب فلذلك نزلت العشائر لتتصيد بالموجودين علماً بأن عناصر داعش لم تقم بالقتل في حادثة سبايكر، الذي قام بالقتل هم العشائر وهم الذين استقبلوهم وقتلوهم، ولكن اتمنى ان تذهب وتسمع من وزير الدفاع لأكون منصفاً لي وما علي، وزير الدفاع كان احد قادة العمليات داخل قاعدة سبايكر ومعه علي الفريجي، وتحدث بها صراحة وعندنا الفيديو المسجل يقول حاولنا بكل الطرق ان نمنع الشباب كي لا يخرجوا لكنهم لم يكترثوا لكلامنا للحد الذي وصل الى الاصطدام بيننا وبينهم فقلنا لهم ( سوف تضيعون وان الوضع مجهول ) وكلما حاولنا ان نثنيهم عن الخروج ازدادوا اصراراً.
لنقل بأنهم شباب واخطأوا وخرجوا من القاعدة، ولكن عند خروجهم تستقبلوهم بهذه الدرجة من الخيانة؟
نلوم الشباب ونقول ما كان عليهم ترك القاعدة، ونلوم القيادات فالمفروض الا يسمحوا لهم بالخروج، وعند سؤالي لهم قالوا (سيدي ما نگدر نمنعهم اصطدموا ويانه وارادوا فتح النار علينا وعليهم).
جرت محاكمات وتم الاعتراف على القتلة من قبل أبناء صلاح الدين الذين اعترفوا من هم القتلة، ولم تكن داعش هي من نفذت القتل بل قتلوهم على أساس طائفي لكن رغم المحاكمات التي جرت إلا انها لم تشفي صدورنا ولا صدور اهاليهم، اذ يجب ان يعدم هؤلاء علانية نتيجة لعملية الغدر هذه.
🔹 الخصوم السياسيون يروجوا بأن الحاج نوري المالكي ولكونه قائداً عاماً للقوات المسلحة آنذاك يعتبر مقصراً في تعزيز وتوفير الحماية لهذه القاعدة، فما هو جوابكم؟
-هذا منطق السياسيون الذين يتصيدون في الماء العكر، انا الان قلت لك ان القاعدة امينة وانا نزلت فيها، ولو لم تكن امينة لما نزلت بها، قالوا لي سيدي احتمال صواريخ وكذا قلت لهم انا آت، وذهبت، القاعدة امينة و حقيقة محصنة و وفرت كل الحمايات لها وكل طيران الجيش في سمائها كان موجوداً ولكن ما العمل مع شباب اصروا بالذهاب لبيوتهم، القوة كانت هائلة وحتى الموصل ، فيها من القوة ما لا تستطيع لا داعش ولا غير داعش ان تكسرها، لكن ما الذي في يدي وان اجتماعاً عقد في أربيل بين لجنة تضم عزة الدوري وثوار العشائر و حتى الامريكان حاضرين في الاجتماع بملابسهم العسكرية يخططون، قلت للأمريكان ما هو حضوركم في هذه الجلسة قالوا هؤلاء ليسوا رسميين، قلت لا هم جالسون و بملابسهم العسكرية، وصدر من القرارات ان الكرد ينسحبون وانسحب قائد الفرقة الرابعة وقائد الفرقة الثالثة، السنة ينسحبون وانسحبوا الشرطة وانسحب قائد احدى الفرق، والمقاتلون انسحبوا جميعا بحيث انا ارسلت قوة وإضافة للقوة ارسلت قيادة مقر متقدم، قمة الضباط الذين عندي عبود قنبر و علي غيدان ومدير الشرطة هؤلاء هم من شكل القوة والقرار هناك، وانا متواصل معهم لحد الساعة الواحدة او الثانية بعد منتصف الليل و مع عبود قنبر سالته ما الوضع عندك؟ قال نحن مسيطرون على الجانب الايسر وغداً نعبر الى الجانب الأيمن، وفي السادسة صباحاً اتصل و قال (والله سيدي ما ادري شنو اللي صار قلت له شنو اللي صار قال الفرقة ماكو، شلون؟ قال الكل نزع ملابسه ولبس مدني وانسحب).
فالخيانة بدأت من هناك، مثلاً قائد الفرقة ١٢ يقول انا عندي ٤٥٪ سنة من فرقتي و٤٠٪ اكراد وفي لحظة يقول وجدت ان الفرقة لم يبقى منها الا ١٥٪ من أبناء الجنوب والوسط وهذا عدد غير كافي لحماية الفرقة فما بالك من حماية المنطقة، قلت له ما الذي حدث؟ قال انسحبوا كلهم، سألته هل هجموا داعش فقال (لم اشاهد داعش .. هجموا علينا البيشمرگة وقاموا بسرقة الفرقة ودخلوا مكتبي) مما اضطره ان يسحب السلاح ويقتل منهم ثلاثة وهرب واختفى في كركوك فترة من الزمن الى ان انقذناه.
مسلسل من الخيانات كله تصمم في اجتماع عقد في أربيل، حضروه الامريكان، والامريكان حضروا فيه من اجل ان يعاقبوا المالكي ويعاقبوا الشيعة لأننا لم نغلق الحدود مع سورية، ولم نوقف الطيران على سورية، ولم نوقف التحاق المجاهدين ليقاتلوا في السيدة زينب لذلك قالوا ان المالكي ضد مشروعنا في المنطقة فتم هذا الانتقام واستجابوا له الجهلة والمظللين ووقعت الكارثة.
🔹هل يعتقد الحاج نوري المالكي بأن أبناء تلك المناطق وبالتعاون مع داعش انتقموا من الجنود نتيجة لإصرار سيادتكم على اعدام الطاغية؟
قطعاً جزء منها هو اعدام الطاغية، أقول لك بصراحة ان كل الدول العربية تقريبا الا الكويت لحد الان تحقد على المالكي لأنه اعدم صدام و وقفوا مواقف شديدة ضدي والى الآن يقفون ضدي لأني اعدمت صدام، ومقولتهم (ان هذا قائد عربي سني شلون يعدمه واحد شيعي) ووقفوا ضدي بعض أبناء العراق من السنة وبعضهم من الشيعة ايضاً بعضهم استاء لإعدام صدام لانهم من البعثيين وهذا رمزهم، فكانت لهم مواقف ليست ضدي فحسب وانما ضد الجيش العراقي وضد الشرطة العراقية بحيث الجيش في الموصل يقولوا عنه هذا جيش صفوي هذا جيش المالكي اذا تمر سيارة عسكرية يرموها بالحجارة، فعبأوا كل الشعب في الموصل والانبار ضد الجيش لأنه جيش صفوي وجيش المالكي الذي اعدم صدام، فقطعا لها علاقة هذه المواقف ، بل قالها لي احدهم اننا وقفنا هذه المواقف التي نقر انها خيانة وما كان من المفروض ان نخون ولكن مع الأسف اخذنا الجو العدواني الذي تكون ضدك وضد الشيعة، وكنا نخشى على انفسنا من بقاءك وبقاء الشيعة في الحكم، وقال والله كنا في فترة لا ننام في بيوتنا لأننا نخاف.
ولماذا يخافون وأنا لم أظلم احداً كما ولم اعتقل شخصاً بدون قضاء، ولكن لأنهم يعرفوا أنفسهم وماذا عندهم من مواقف تتعلق بالخيانة تجاه القضية السياسية.
🔹لازال هناك سر او حلقة مفقودة في هذه المجزرة والكارثة، من خلال لقاءكم بأحد الناجين او الاستماع إليهم، ما هو استنتاجك الشخصي؟
استنتاجي الشخصي هو لما شعر هؤلاء الشباب رحمة الله عليهم بحصول حالة من الفوضى بانسحاب قائد الفرقة الرابعة والمدينة أصبحت تقريباً منفلتة، فصارت نيتهم بين خوف وبين رغبة وشوق لأهلهم فأرادوا ان يخرجوا، على اعتبار انه لم يعد هناك ضبط عسكري، لكن الضبط العسكري في القاعدة كان موجوداً، قائد عمليات صلاح الدين علي الفريجي موجود في القاعدة، وزير الدفاع سابقا والذي كان ضمن علميات الدفاع موجود في الفرقة ، فلا يوجد شيء يشعرهم بأنهم سيقتلون والفرقة كانت امينة والقيادات موجودة وطمأنوهم وقالوا لهم ابقوا وانا وظفت كل طيران الجيش لتوفير حتى المياه والاكل للموجودين داخل الفرقة وبعثت من هنا مجاهدين مقاتلين من كتائب الامام علي وكتائب الامام المنتظر وقوات الشهيد الصدر وغيرهم، بعثتهم ودخلوا للقاعدة وشكلوا حصانة وضمانة لكن لا اعلم لماذا الشباب تكونت عندهم هذه الرغبة وهذا الهلع والقلق الذي دفعهم لارتكاب خطأ الخروج، الجماعة قلت لهم كما ذكر لي بهذا المعنى وزير الدفاع وذكرها ايضا الشاب الناجي منهم قال (احنا نيتنا بعد ماكو شي خلي نطلع نروح لاهلنا شكو عدنا باقين بالقاعدة؟) وحاولت قيادة العمليات ان تمنعنا لكننا لم نمتنع كما ذكر بأنه يعترف بصحة كل ما قاله وزير الدفاع عن تلك المرحلة، وعند خروجهم تلقفهم الخونة وغدروا بهم بعد ان قالوا لهم تعالوا لنوصلكم الى محطة وقوف السيارات(الكراج) كي تتمكنوا من الذهاب لأهلكم واركبوهم واخذوهم الى منطقة القتل، انا ذهبت وشاهدت مكان الواقعة والآن لا أستطيع قول العدد، فالعدد ١٧٠٠ من الذين استشهدوا، اما الذين فقدوا فلا اعرف.
ابلغتني العمليات ان المفقودين ١٧٠٠ اما كم العدد الحقيقي والكلي للشهداء فلا اعرف محتمل ان يكون العدد أكثر، ففي مناطق أخرى تمت تصفيتهم لان العشائر هجمت عليهم وهي التي مارست عمليات الثأر والقتل الطائفي.
🔹 نظراً لقصر المدة الزمنية المتبقية على ولايتكم آنذاك إذ لم يكن هناك وقتاً كافياً لاتخاذ اجراء مناسب، لكن هل تعتقد بأنك قدمت شيء لعوائل الشهداء كونك رئيس وزراء خلال الثلاثة أشهر المتبقية تلك؟ وماذا تقول لعوائل شهداء مجزرة سبايكر في كل ذكرى سنوية.
بالتأكيد أولا انا حاكمت المسؤولين عن هذه القضية ولاحقت القتلة من أبناء العشائر من البو عجيل والبو ناصر وهذا شيء طبيعي.
اما ابنائنا فاعتبرناهم شهداء ووفرنا لعوائلهم رواتب شهداء وحقوق شهداء حرصاً على عوائلهم، وانتهت المدة وهم في اهتمام من قبل العمليات ومن قبل الحكومة، ويستحقون أكثر من هذا ولكن هو الموجود في السياق ان من يستشهد فعلى مؤسسة الشهداء ان ترعى اهله وتقدم لهم الخدمات والسكن وتم توفير ذلك، وإذا كان هناك بعدنا من لم يوفر هذه الحقوق فأنا اعتبر هذا تقصيراً وينبغي ان لا يقصر معهم احداً، اما الذي اود قوله في هذه المناسبة:
اولاً اترحم على الشهداء رضوان الله تعالى عليهم وأسجل المي واسفي للتصرف الذي صار، كما وأسجل شديد غضبي من العشائر التي مارست الجريمة، وبقيت اتابعها واطالب بإعدام كل من ساهم بهذه الجريمة التي حصلت، وابعث سلامي واحترامي الى عوائل الشهداء وأقول لهم قضى الله امراً ان تكون هذه الخيانة ويكون ابنائكم شهداء وهي حرب والحرب معروف عنها انها لا ترحم، في الصقلاوية صارت عدنا مشكلة بعد خروجي من رئاسة الوزراء إذ تم قتل ٧٢٠ شخص في آل بو محل في الانبار، هذه هي الحرب في طبيعتها لا ترحم.
ولكن أقول لهم ان من قدمتموهم ان شاء الله بعين الله، شهداء ومسكنهم الجنة ولكن عندي كلمة ارجوها منهم، هي ان لا يلعبوا على مشاعرهم لان هناك مناكفين سياسيين قتلوا اكثر من هذا العدد من الناس الأبرياء بطرق مختلفة و لم يرف لهم جفن والآن يرفعون شعار المطالبة بسبايكر، ارجوا من عوائلنا الكريمة ان لا يكونوا مادة إعلامية لهؤلاء الذين لم يرحموا الناس وأتمنى عليهم ان يعرفوا الحقيقة وان لا يتم استغلال دم أبنائهم ودم شهدائهم وشهدائنا والمأساة التي نحن فيها لحركة سياسية إعلامية هدفها التظليل والذين يستخدمونها للتظليل لو فتح ملف جرائمهم لكانت تفوق سبايكر عشرات المرات.