السيمر / فيينا / الأثنين 18 . 07 . 2022
سليم الحسني
كان نوري السعيد في اجتماعاته مع رجال السياسة المتحالفين معه، يصف الأمير عبد الاله الوصي على العرش بـ (الزعطوط) وكان يستخدم هذه الكلمة الجارحة عن قصد وليس فلتة لسان، فهو يكررها في اجتماعات عديدة. وكان بعض السياسيين ينقلون كلام نوري السعيد الى الأمير عبد الإله، كما هو حال الأجواء السياسية عادة.
مع بداية الحرب العالمية الثانية، كان تشرشل في اجتماعاته يطلق الشتائم القاسية على رجال الحكم، لكن أحداً منهم لم يظهر انزعاجه علناً من تشرشل، لأنه يعبّر عن وجهة نظره في أجواء خاصة. ولم تمنع شتائمه المقذعة من وقوف رجال السياسة الى جانبه لأن بريطانيا كانت أمام خطر كبير.
لا تخلو ساحة سياسية من ظاهرة الأوصاف والاستخدامات القاسية في الاجتماعات الخاصة. وكثيراً ما تصل هذه التفاصيل الى الاطراف الأخرى عن طريق اشخاص شهدوا اجتماعات الشتائم والتوصيفات الجارحة. وفي العراق المتعدد الطوائف والقوميات والاتجاهات السياسية، فان هذه الظاهرة تسجل مستويات مرتفعة، يُسعفها في ذلك القاموس اللفظي الخاص بالعراقيين.
الكلمات القاسية التي استخدمها نوري المالكي في التسريبات الصوتية ضد مقتدى الصدر، تبدو ناعمة مقارنة بما يصفه رجال الكتل السنية، فهم يستخدمون الألفاظ البذيئة الخادشة للحياء بحق المالكي والصدر وغيرهما من رجال الشيعة. والأمر نفسه يستخدمه قادة الكرد.
في المقابل فان مقتدى الصدر في جلساته الخاصة يستخدم أشد العبارات بحق المالكي، وهي تصل الى الأخير بكل أمانة دون تحريف. فهذه هي طبيعة الأجواء السياسية وأخلاقياتها السائدة، حيث يكثر السعاة في أروقتها ودروبها الخلفية.
لقد أخطأ فريق المالكي عندما ركّزوا على موضوع الفبركة الصوتية، فكان تبريراً هشاً لا يقنع ساذجاً. في حين كان المفروض أن يعلنوا بصراحة الشجاع أن الكلام يعبّر عن قناعات المالكي وأن الحديث دار في غرفة مغلقة، وله الحق في التعبير عن مخاوفه ووجهات نظره فهو رجل سياسة ورئيس حزب وزعيم كتلة. وهذا شأن خاص يدور في أجوائه السرية، مثلما هو شأن أي رجل سياسة آخر، بل مثلما هو حق أي انسان عادي أن يتكلم بما يشاء في جلساته الخاصة.
إن الحساب على المواقف والتصريحات، إنما يكون في الأجواء العلنية العامة، وعلى تطبيقاتها في الساحة، فهذا ما يؤاخذ عليه السياسي ويحاسب عليه، بصرف النظر عن موقعه وهويته، لأن التصريح يصبح قضية رأي عام، ولأن الموقف يمسّ مصالح الناس والدولة.
إذا أعتذر نوري المالكي من الصدر عن عباراته، فذلك موقف شجاع يُشكر عليه. وإذا تجاوزها مقتدى الصدر ولم يطالب بموقف ضد المالكي، فهذا سلوك قيادي يُحمد عليه.
أما التصريحات المضادة والمواقف المتقابلة، فهذا ما يريده أعداء الشيعة. أو بعبارة أدق فهذا ما يريده أعداء الصدر والمالكي. فلا يوجد حليف للصدر ضد المالكي، ولا يوجد حليف للمالكي ضد الصدر، إنما يوجد خصوم متربصون يكيدون أمكر المكائد ضدهما معاً، لأنهما شيعة.
التسريبات كانت ناجحة في إثارة الفتنة، والمأمول من الصدر والمالكي إطفاء جمرتها حرصاً على وحدة الصف الشيعي، فالسياسة قتّالة الأبرياء حين يتصادم رجالها.
١٨ تموز ٢٠٢٢