السيمر / فيينا / الأثنين 21 . 11 . 2022
سليم الحسني
في الصراعات الإقليمية والدولية تقف إيران دولةً متمكنة قوية لا يمكن قهرها سياسياً أو عسكرياً. لقد صنعت نفسها بخطوات حثيثة في أجواء الحصار والعقوبات فاستطاعت أن تبني قدراتها العسكرية بشكل يمكن وصفه بالمعجزة العسكرية.
لا توجد دولة في المنطقة تستطيع الصمود أمام ضربتها إنْ أرادت دخول حرب. فهذه الدول الممتدة من الحافة الخليجية الى حافة البحر الأحمر تنهار في ساعات قليلة بضربات صواريخها وطائراتها المسيّرة، وستتلاشى قدراتها قبل أن تصل اليها مساعدة أمريكية أو إسرائيلية.
إسرائيل نفسها تخاف من المواجهة العسكرية مع إيران، وهي تدرك ذلك بدقة لذلك تضغط على أمريكا لتوجيه الضربة لإيران. وأمريكا تعرف أيضاً أن المواجهة لو اندلعت فهذا يعني نهاية الوجود الأمريكي في المنطقة.
خبراء السياسة والعسكر، يتفقون على صعوبة خوض حرب مع إيران. وعقول البيت الأبيض عصفت تفكيرها لسنوات عديدة فما وجدتْ سبيلاً يمكن الركون إليه في دخول حرب رابحة أو حتى متعادلة مع إيران.
لقد توصلت الولايات المتحدة وإسرائيل أن المعركة الناجحة التي يمكن أن تخوضها ضد هذا العدو، تتمثل في نوعها الناعم، حرب داخلية على شاكلة ما فعلته في الربيع العربي، ففي هذه الحالة تكون النتائج مؤثرة وبأقل الخسائر بالنسبة لأمريكا واسرائيل واتباعهما في المنطقة.
وهذا ما جرى وقد بدأت ملامح الارباك تظهر على الجو الداخلي في إيران.
لم تنطلق التظاهرات بأهداف كبيرة على شاكلة الربيع العربي، إنما أخذت لها شعارات خاصة تتمثل بالحريات العامة والشخصية، والتي تمس الجانب الديني كالحجاب وغيره.
لم تخرج التظاهرات في المدن الإيرانية لو لا وجود عوامل مشجّعة، كانت كامنة في الوسط الإيراني، فاستغلتها القوى المعادية لتفعليها وجعلها مادة جماهيرية تتحول الى تظاهرات واعمال شغب. وهذا ما كان على القيادة الإيرانية أن تتنبه إليه مستقبلاً فتقلل من بعض الضوابط الصارمة في المجتمع، وكذلك أن تبذل مساعيها لمعالجات مشكلات جوهرية أبرزها الجانب الاقتصادي.
تحاول الوسائل الإعلامية والشخصيات المثقفة المتعاطفة مع النظام الإسلامي في إيران أن تقلل من خطورة الوضع الداخلي. لكني أختلف مع هذا التوجه بالقول إن الأزمة تبعث على القلق. وليس من مصلحة الجمهورية الإسلامية أن نتعامل نحن مع ما يحدث بأسلوب العاطفة أو الاندفاع الإعلامي المؤيد. إن المشكلة حقيقية في كون هذه التظاهرات تشكل تطوراً خطيراً يجب التوقف عنده، ويجب نزع مسبباته لتنطفئ الجمرة قبل أن تلتهب أكثر.
نقطة الحل المفصلية في هذا الجانب هي الموقف النجفي من إيران. فغالبية الإيرانيين يرجعون بالتقليد للسيد علي السيستاني، وقد لزمت مرجعيته الحياد المطلق وربما المنحاز ضد توجهات الجمهورية الإسلامية، وهذا ما يشكل مساندة معنوية مهمة للتظاهرات، وكذلك يشكل عامل تحفيز قوي للقوى الدولية لكي تواصل تحريك الداخل الإيراني باتجاه الشغب والعنف.
الإختلاف في التوجهات عميق بين المرجعية الإيرانية متمثلة بالسيد علي الخامنئي وبين المرجعية النجفية المتمثلة بالسيد السيستاني، وبحسابات القوة الميدانية فان الكفة هنا ترجح للنجف الأشرف من حيث سعة المقلدين.
تستطيع النجف الأشرف ان تتخذ موقف التهدئة في اقناع الشارع الإيراني بالتهدئة، الى جانب أخذ التعهد من القيادة الإيرانية باستثمار الهدوء في إجراء إصلاحات اجتماعية واقتصادية تخفف من الغضب المنتشر في أوساط المتظاهرين.
إن دور هذا الموقف ـ لو حدث ـ لن يكون في تهدئة المتظاهرين على طريقة الحل السحري، لكنه سيجبر القوى الدولية الداعمة للشغب، بأن تتراجع عندما ترى العامل الديني بفاعليته المؤثرة قد دخل لحل الأزمة، إن هذه الدول ستنظر الى أن فتوى الجهاد الكفائي التي أنقذت العراق من داعش، ستصدر بصيغة أخرى لتحمي نظام الحكم في إيران من مجموعات الشغب والعنف.
٢١ تشرين الثاني ٢٠٢٢