السيمر / فيينا / الأربعاء 07 . 12 . 2022
رحيم الخالدي
مرت بالتاريخ الإسلامي شخصيات كبيرة بعطائها وشجاعتها وكرمها، وكل من موقعها فسجلت بكل فخر بصمة في التاريخ، ولازالت تتناولها الأجيال بطريقة لم يسبقها فيه أحد كل تواريخ العالم، ومثلت بذلك صفحة ناصعة، عكست الصورة لن تتكرر.
الخنساء وذات النطاقين وغيرها من النساء، تلكم إختصها التاريخ بقضية واحدة أو إثنتين على الاغلب، لكن هنالك إمرأة لم ينصفها التاريخ، وقلما يذكرها بما تستحقه.. وقد حملت على عاتقها ما يجزع منه الرجال، وأوصلت بذلك رسالة أن المرأة المربّات والمتخرجة من “بيت النبوة” يمكنها أن تصنع الكثير وهي سيدتنا زينب بنت علي, عليهما أفض الصلوات, التي عانت الأمرين وقد إختارت الطريق الأصعب .
في كل سنة تمر علينا ذكرى ولادتها ومنها نستذكر البطولة والفداء الصبر, والتصدي لأعتى طغمة حكمت في التاريخ الإسلامي، المتمثل بيزيد شارب الخمر وقاتل النفس ومحلل الحرمات ومحرم حلال ما حللهُ ربُ العزةِ والجلالة، ويذكر التاريخ كيف وقفت بوجهه، وعرّتهُ حتى وصل به الأمر بإخراجها لعجزه عن مجاراتها ولو بكلمات بسيطة، بيد أنها كانت تستوحي كلماتها من منبع العلم والفقاهة والنور، كأنها سياط جلاد، وبتلك الكلمات أوصلت مظلومية آل البيت .
لا يمكن أن ننسى الدور الإعلامي بإيصالها الرسالة الاعلامية، بمظلومية “الحسين” عليه السلام وكيف إنتصر الدم على السيف، وكيف أن بني أمية قتلوا الحسين وسلبوه ومثلوا بجثته مع رفع الرؤوس على الرماح، فكانت مذبحة وجريمة هي الأولى من نوعها في عهد الإسلام، ولولا السبي والرحلة الشاقة من أرض كربلاء الى الشام، لما أوصلت الرسالة وإن كانت غير عاجزة عن ذلك، في غير ظرف لكن الأقدار جاءت بهذا الشكل .
رعاية عوائل الشهداء والأطفال والعيال ونياحهم كان لا يساوي لوعتها، كون أن عوائل الشهداء تضحي بشخص واحد، بيد أنها ضحت بكل عائلتها ولم تنقذ إلا “الإمام السجاد” الذي كان يعاني من مرض أقعده، بقدرة إلهية رعته، ليبقى لتبليغ الرسالة المحمدية بعد واقعة الطف، فكان أيضاً مكلف كما تكفلت زينب..
“كد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فو الله لن تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، وما أيامك الا عدد، ولا جمعك الا بدد، يوم ينادي المنادي الا لعنة الله على الظالمين” بهذه الكلمات إهتز عرش الظلالة والفجور، وفعلا كانت تلك الكلمات هي التي أنهت عهد الظلالة، كما القتها في مجلسه، وإستحالت تلك الخطبة أن يلقيها غيرها .
أبلغ رسالة اوصلتها أن بيت النبوة ليس كباقي البيوت، ولا يمكن تشبيهه بها, ونسائهم لا تختلف عن رجالهم، من حيث الفصاحة والبلاغة والكلام والمنطق، وبتلك الخصال إستطاعت الوقوف بوجه بني أمية وما فعلوه بالرسالة الإسلامية، التي أرادوا حرفها عن المسار الذي إختطه رسول الإنسانية صلوات ربي وسلامه عليه، وبالخطبة التي القتها بالجمع الذي كان يحضر مجلسه، إنقلبت الخطة عليه! وبذا أحرجته وأوصلت الرسالة التي إستشهد من دونها الحسين صلوات ربي وسلامه عليه .
الحجاب وما أدراك ما الحجاب الذي لم يروا من وجهها سوى الصوت المدوي، الذي قلب الرأي العام ضد طاغوت بني أميه، وعراهم مع الصمود والعنفوان، ولم يلمسوا منها الكسران أو استجداء العطف، بل كان هنالك قلعة صلبة يصعب الهيمنة عليها، ناهيك عن الرسالة الاعلإمية فكانت بحق إعلامية من الطراز الاول .