السيمر / فيينا / السبت 20. 05 . 2023
لم يكد العراق يلتقط أنفاسه من معاركه ضد الإرهاب والدواعش حتى اصطدم بفوضى الأرصفة المحتلة من الباعة الجائلين وألغام الزحام جراء تكدس السيارات في الشوارع الرئيسة لأغلب المدن، مما يخلف حوادث مرورية ودهساً، خصوصاً بالمناطق الشعبية.
مدير الإعلام بدائرة المرور العامة في العراق العميد زياد القيسي ألقى باللائمة في فوضى الشوارع والأرصفة المخصصة لسير المواطنين على أصحاب “الجنابر والبسطيات” أي عارضي السلع على الرصيف وطاولات البضائع، متهماً بعض المطاعم ومحال الأثاث باستغلال مناطق المشاة بالمدن.
ومع فوضى الاستيلاء على الأرصفة يضطر المشاة إلى الابتعاد عنها والسير في الشوارع ليصطدم بالمركبات المتوقفة على الجانبين، وفي النهاية يلجأ المواطن إلى الحركة بشكل متعرج ليصبح المشهد كثافة مرورية، وفقاً للعميد القيسي.
ويبرئ المسؤول العراقي إدارة المرور في بغداد من مسؤولية الرصيف لكنه يتمسك بتوقيع غرامات فورية على أصحاب المركبات المخالفة بوقوفها إلى جانب الأرصفة، حيث تصبح مسؤولية أمانة العاصمة شن حملات كثيرة، خصوصاً بالمناطق المكتظة بالسكان والمناطق التجارية لرفع التجاوزات.
استعطاف المسؤولين
من ناحية أخرى، لا يتوقف أصحاب “البسطات” أو بضائع الشوارع عن محاولات استعطاف مسؤولي المحليات في بغداد لترك مصدر دخلهم الوحيد، فيقول صاحب “بسطية أحذية” بمنطقة الكرادة داخل بغداد “أعمل هنا منذ سبع سنوات، أين نذهب وإيجارات المحال غالية. استأجرت هذا المكان (ورفض التصريح بمبلغ الإيجار ولمن يذهب)، للأسف تطاولنا منذ فترة لأخرى حملات الإزالة لكننا نعود لأماكننا، وين نروح إحنا على باب الله؟!”.
منذ التدخل الأميركي العسكري في العراق عام 2003 وسقوط بغداد بات شارع فلسطين كغيره من الشوارع الرئيسة بالعاصمة رهينة فوضى الباعة الجائلين الذين سيطروا عليه لعرض البضائع لينتهي المشهد بتشويهه.
سالم طالب جامعي لم يتجاوز عمره 23 سنة وجد نفسه عائلاً لأسرة مكونة من خمسة أشخاص مما دفعه إلى بيع العصائر على الرصيف. ويقول “صعوبة إيجاد فرص العمل في العراق هي ما حدت بنا إلى الارتزاق بهذه الطريقة، من سيبادر إلى مساعدتي إن توقفت عن العمل؟”.
مرت 17 عاماً على الشاب العراقي (م و) محافظاً على موقعه في منطقة الكاظمية التي تتمتع بسمعة السياحة الدينية ليبيع ملابس الأطفال على طاولة، إذ يقول “منذ 2006 أعمل هنا في ظل زخم من الزوار ومن مختلف الجنسيات، والشغل جيد، نحن كسبة على باب الله (باعة جائلون)، أحياناً تصادر بضاعتنا من قبل الشرطة ونتوسل لهم لإعادتها ويتفهمون ظروفنا ويعيدونها بالفعل”.
أكشاك عصرية
هنا حاولت إحدى المنصات العراقية (بلوبيري) على تطبيق “إنستغرام” تسليط الضوء على الظواهر السلبية في الشارع العراقي، ومنها استغلال أصحاب المحال التجارية الرصيف لعرض بضائعهم. تقول مدير محتوى تلك المنصة ميس ميثاق “على رغم أن واجب القضاء على هذه الظاهرة تتحمله الدولة بالدرجة الأساس فإن الجهات الرسمية تتساهل ولا تطبق القانون بشكل صارم في حق المخالفين وفرض غرامات تجبرهم على الالتزام”.
وتابعت “لا يعاني المواطن العراقي فقط استغلال أصحاب المحال وغياب القانون، بل الحلول التي تضعها الدولة، مثل قرار توسيع الشوارع الذي باشرت بلدية بغداد بتنفيذه وتضييق مساحة الأرصفة وقطع الأشجار التي تظلل الرصيف والشارع”.
ومع تزايد الاتهامات للحكومة العراقية بعدم جدية الحلول المقدمة لظاهرة الباعة الجائلين، يقول المتحدث عن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية نجم العقابي “منذ سنتين ونحن نعمل على بناء أكشاك عصرية جاهزة في بغداد وجميع المحافظات، إلا أن المعنيين بالأمر (بائعي الأرصفة) لا يرغبون في الدخول إليها”.
وأضاف “صوت البرلمان على فقرات عدة من قانون الضمان الاجتماعي لدعم القطاعات الخاصة بشكل كبير، ونأمل في التصويت على باقي الفقرات في المستقبل القريب بعد الانتهاء من الموازنة”.
حدائق خاصة
لكن أزمة أخرى تواجه العراقيين خلال السير في الشوارع، إذ تقول منى عدنان من منطقة زيونة “أعاني في منطقتي حال كل السكان احتلال الأرصفة وبالذات من أصحاب البيوت، فالمواطن إذا أراد السير فلا يجد سوى حافة الرصيف هذا إن كان محظوظاً، إما بسبب تشجير الأرصفة المحاذية للمنازل أو تحديدها بالأسيجة وكأنها حدائق خاصة”.
ومضت في حديثها “تعرضت لحادثة تسببت في تضرر مفصل الركبة بعد أن اضطررت إلى السير في الشارع العام، حينها شعرت بألم كبير كما شعرت بالإحراج لعدم قدرتي على استكمال السير”. ومع تقدمها رفقة سكان المنطقة بأكثر من شكوى فما كان من الجهة المسؤولة سوى الحضور إلى الموقع من دون وضع أي حل.
لكن مع تزايد شكاوى العراقيين قررت أمانة بغداد إعادة العمل بالإجراءات السابقة قبل عام 2018 والتي تتيح تحديد الجهة المقصرة إزاء السماح بتنامي التجاوزات والمخالفات البلدية، بما يسمح لقسم النظافة بمتابعة المخالفات البنائية والتجاوزات وإبلاغ قسم الترخيص لاتخاذ اللازم.
ولم يجد مدير إعلام أمانة بغداد رياض المطيري سوى دعوة “العراقيين إلى التحلي بروح المواطنة والمحافظة على الممتلكات العامة، لا سيما في الشوارع والحدائق العامة والمتنزهات وعدم العبث والتخريب والحفاظ على نظافتها”.
ويصطدم المدنيون في العراق بقانون سمي “إيجار الكرسي”، ويشمل أصحاب المحال والمطاعم والبسطيات، إذ يسمح للمطاعم باستخدام أربع أو ست طاولات مقابل إيجار سنوي لكن يشترط ترك نصف مسافة الرصيف للسير. واكتفى مدير العلاقات والإعلام في أمانة بغداد محمد الربيعي بالتعليق على ذلك بقوله “نوقع غرامة الطريق التي تنص على عدم إشغال الأرصفة إلا بموافقات خاصة من الدوائر البلدية المعنية، وتعد هذه الموافقات موقتة لإشغال الطريق”.
المصدر / الاندبندت