السيمر / فيينا / السبت 28 . 10 . 2023
لاقت الزيادة التي أضافها رئيس الحكومة محمد شياع السوداني على رواتب المتقاعدين وموظفي الدرجات الدنيا إشادة من مراقبين وخبراء، لكنهم لم يبرّئوا الخطوة من استخدامها كدعاية انتخابية من قبل الإطار التنسيقي الداعم للحكومة، وفيما وجدوا الإجراء منسجما مع مطالبات الشارع لإنهاء ضغط الاحتجاجات المطلبية، لم يستبعدوا تركها آثارا سلبية على الأسعار في السوق، على الرغم من ضآلة الزيادة ومحدودية المستفيدين منها.
ويقول المحلل السياسي فلاح المشعل، أن “أي إجراء يساعد المواطن معيشيا هو إيجابي، خصوصا أن السوداني قد وعد في برنامجه الحكومي مرات عدة بتنفيذ مثل هكذا خطوات لاسيما فيما يخص شريحة مهمة وهي شريحة المتقاعدين الذين عانوا كثيرا”.
ويجد المشعل، أن “توظيف هذه الزيادات في الدعاية الانتخابية ليس بعيدا، ومن المؤكد أن حكومة الإطار ستكرس هذا الموضوع كدعاية انتخابية، لأن الإطار هو من أنتج الحكومة التي عملت على تقديم الخدمات للمواطنين، وهذا أمر طبيعي ويوظف دعائيا لأن استهداف هذه الشرائح بالخدمات مكسب يتفاعل معه الجمهور”.
لكن في الحسابات الاقتصادية الأخرى، يرى المشعل أن “هذه الزيادات قد تؤثر سلبا على السوق، فلو كان التصحيح من خلال زيادة مفردات التموينية والضغط على التجار لتحديد الأسعار وتخفيض الدولار، كان سيؤدي إلى نتائج أفضل، لأن مبلغ مئة ألف للمتقاعد لن يفعل شيئا مقابل ارتفاع الأسعار الذي سيبتلع هذه الزيادة وأكثر”.
ويتابع، أن “هذا الموضوع كان ينبغي أن يدرس ويناقش علميا، لكن الحكومة قررت أن تتماهى مع المطالبات من قبل المتقاعدين وصغار الموظفين الذين ينشدون هذه الزيادة، فقررت الحكومة منحها، ونأمل أن تتم السيطرة على السوق”.
وأقر مجلس الوزراء الثلاثاء الماضي، زيادة على رواتب المتقاعدين قيمتها 100 ألف دينار، مؤكدا أنها تشمل مّن يتقاضون رواتب مليون دينار عراقي فما دون فقط، كما أقرّ المجلس منح مخصصات مقطوعة بنسبة 50 بالمئة لموظفي الدرجات الثامنة والتاسعة والعاشرة ممن لا يتقاضون أية مخصصات عدا مخصصات الشهادة والحرفة.
وغالبا ما استخدم سياسيون المال العام خدمة للدعاية الانتخابية، وفي وقت سابق أقرت المفوضية العليا للانتخابات بصعوبة السيطرة على استغلال موارد الدولة في الحملات الدعائية للمرشحين.
وكان رئيس الوزراء، وافق مطلع الشهر الحالي، على منح أراض سكنية للوزارات والأجهزة الأمنية والعسكرية وهيئة الحشد الشعبي، غير أن مسؤولين أكدوا، أن منح أراض من دون خطط بلدية وتصاميم تخطيطية يحول دون تسليمها لمستحقيها، فيما أكدت أمانة بغداد، عدم وجود أراض شاغرة.
من جهته، يشير المحلل السياسي ماهر جودة، إلى أن هذه “الزيادات جاءت نتيجة لارتفاع أسعار النفط والفائض الموجود، وإضافة هذه الأموال على الرواتب المتدنية غير مؤثرة على الموازنة، فالراتب الاسمي لهذه الفئات منخفض لذا لن تؤثر، لكن العراق بالتأكيد مهدد مستقبلا إذا ما انخفض سعر البترول مع الترهل الوظيفي ووجود ملايين الموظفين”.
ويرى جودة أن “هذه الزيادة على رواتب الموظفين والمتقاعدين لا تعالج شيئا، لكنها جاءت نتيجة مطالبات الشارع، وما يحل المشكلة هو سلم رواتب يعالج الفوارق الكبيرة في رواتب موظفي الدولة”.
ويعتقد أن “ما أطلق هذه السنة من خدمات، كبرامج الرعاية وتعيين المحاضرين وعودة المفسوخة عقودهم، هي معالجات حكومي لاحتواء الشارع وإنهاء التظاهرات، فمعظم المواطنين بدأوا يعتقدون أن مشاكلهم حلت”، لافتا إلى أن “الحكومة نجحت في قراءة مزاج الشارع العراقي واحتواء المطالب الفئوية، حتى أن التظاهرات في تشرين أكتوبر الحالي لم تكن بالمستوى المنتظر”.
وعما إذا كانت هذه الزيادات تستغل في الانتخابات، يوضح أن “الإطار التنسيقي لا يحتاج إلى الدعاية الانتخابية كونه يفتقد إلى خصم متكافئ، خاصة بعد انسحاب التيار الصدري، والساحة خالية الآن لجمهوره خصوصا مع عزوف الجماهير عن الانتخابات”.
ويتنامى منذ أشهر الحديث عن سلم الرواتب الجديد، كما انطلقت تظاهرات من مختلف الموظفين للمطالبة بتشريعه، لكونه ينصف الطبقات الأدنى من السلم الوظيفي الحالي، ويساوي بين هذه الدرجات والدرجات العليا.
لكن مصدرا مطلع كشف في وقت سابق، أنه لا نية حقيقية لتطبيق سلم الرواتب الجديد وإقراره من قبل مجلس الوزراء، كون هذا السلم يحتاج إلى تخصيصات مالية كبيرة جداً تتجاوز الـ15 تريليون دينار (نحو 11 مليار دولار)، والحكومة لا تستطيع توفيرها في الوقت الحاضر”.
من جانبه، يعتقد الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، أن “هذه الزيادة ليست دائمة، إنما ما يشبه المنحة للمؤسسات والدوائر التي لا تمتلك مخصصات كدوائر السياحة والري والزراعة ولن تشكل أرقاما كبيرة وعبئا مستقبليا على الموازنة نسبة إلى أعدادهم”.
ويضيف المشهداني أن “الدرجات الوظيفية الثامنة والتاسعة والعاشرة المشمولة بالزيادة هي أكبر شريحة للموظفين، لكن 90 بالمئة منهم يتسلمون مخصصات لأن معظمهم من القوات الأمينة وهذا واحد من أسباب عدم إقرار السلم الوظيفي لأنه يتعرض لمخصصات القوات الأمنية”.
ويتابع أن “الزيادة لموظفي الدرجات الدنيا ستكون من (85 – 100) ألف دينار نسبة لرواتبهم الاسمية وهم بحدود 20 ألفا من بين أكثر من 5 ملايين موظف، أما المتقاعدون فالعدد كبير، ولا نعرف كم ستدوم مدة المنحة، فوزارة المالية حتى الآن لم تخرج بتفسير”.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن “السوق العراقية بناء على هذه الأخبار سترتفع فيها الأسعار، على الرغم من محدودية الزيادة وشمولها فئة قليلة من الموظفين”.
وكانت السوق العراقية قد شهدت ارتفاعا كبيرا خلال العامين الماضيين، المرة الأولى بعد تغيير سعر صرف الدينار أمام الدولار مطلع العام 2021، وهو ما تسبب برفع الأسعار نظرا لأنها جميعها مستوردة، وحتى المحلية منها فإن موادها الأولية مستوردة، والموجة الثانية للارتفاع جرت بعد الحرب الروسية- الأوكرانية، التي تسببت برفع الأسعار بشكل عالمي، خاصة بعد توجه العديد من الدول لمنع تصدير المواد الغذائية.
المصدر / وكالة نون الخبرية