السيمر / فيينا / الثلاثاء 12 . 12 . 2023
لم تكن حادثة استهداف الناقلة النرويجية قبالة السواحل اليمنية الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة بحسب ما يهدد الحوثيون الموالون لإيران، ومع تأكيد الجماعة على مواصلة منعها للسفن من العبور باتجاه الموانئ الإسرائيلية تثار تساؤلات عن الخيارات التي قد تتخذها إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية لمواجهة هذا السلوك.
ويقول الحوثيون إن منعهم للسفن واستهداف من يعبر منها باتجاه الموانئ الإسرائيلية يرتبط بما يشهده قطاع غزة والعمليات الجارية هناك، وجاء في بيان لهم الثلاثاء، أن “العملية العسكرية” التي نفذوها ضد السفينة ستريندا التابعة للنرويج جاءت بعدما رفضت “النداءات التحذيرية”.
البيان أضاف أن “ستريندا كانت محملة بالنفط ومتجهة إلى الكيان الإسرائيلي، وتم استهدافها بصاروخ بحري مناسب”، وهو ما أكدته القيادة المركزية الأميركية، موضحة أن الاستهداف حصل بصاروخ مجنح (كروز)، وأثناء عبور السفينة من باب المندب.
ومنذ سنوات طويلة، يرتبط اسم الحوثيين في اليمن بإيران، وفي أعقاب الحرب الإسرائيلية على غزة، برز نشاط الجماعة من ساحة خارجية وبعيدة انطلقت منها صواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيرة من دون طيار باتجاه إيلات في جنوب إسرائيل.
وجاء إطلاق الصواريخ والمسيرات من اليمن بالتوازي مع تحرك جبهة “حزب الله” في لبنان، وجبهات أخرى في العراق وسوريا باتجاه القواعد الأميركية، ضمن عمليات “مناوشة” حاول من خلالها وكلاء إيران في المنطقة الظهور بموقف الداعم لغزة وحركة حماس في القطاع.
ولا تزال “المناوشات” قائمة في الجبهات المذكورة حتى الآن، لكنها أخذت طابعا تصعيديا في اليمن، بعدما انتقلت من حالة الاستهداف بالصواريخ والمسيرات عن بعد إلى حالة استهداف السفن في البحر الأحمر، واحتجاز إحداها قبل ثلاثة أسابيع (غالاكسي ليدر).
ما التقييمات في إسرائيل؟
ورغم أن اليمن ليس موقعا استراتيجيا لمهاجمة إسرائيل، إلا أنه مثالي لمهاجمة السفن في البحر الأحمر، إذ تمتلك جماعة الحوثي مخزونا من الصواريخ المضادة للسفن، مما يجعلها قادرة على تهديد أي سفينة تعبر في مضيق باب المندب الذي يمر عبر الساحل اليمني، بحسب تحليل سابق نشرته “الإيكونوميست”، في الرابع من ديسمبر.
ويوضح المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآف شتيرن أن “التهديد الذي يشكله الحوثيون بات يؤثر على الداخل الإسرائيلي، ومع استمرار حالة الحصار والتهديد بالاستهداف من الممكن أن ينعكس الأمر على أسعار السلع ليس فقط في دولتنا بل في أوروبا ومناطق أخرى”.
ولا يعتبر شتيرن أن ما يجري في باب المندب يؤثر على إسرائيل فحسب، بل على “كل العالم”.
ويضيف لموقع “الحرة”: “هذا سبب إضافي بأن القضية ليست إسرائيلية بحتة، بل هناك مصلحة عامة لكل الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة والدول الأوروبية للحفاظ على حرية الملاحة بالبحار”.
وتفضل إسرائيل في الوقت الحالي أن “تنخرط أطراف دولية أخرى لمعالجة هذه التصرفات الإرهابية غير المسؤولة”، وفي حال فشل المسار “ستتخذ خطوات لوحدها”، وفق المحلل السياسي.
ويعتقد أن “التوقعات الإسرائيلية تصب في فكرة أن الدول الغربية كاملة يجب أن تتحمل مسؤوليتها لمواجهة هذه التهديدات”.
وكان مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، قال في التاسع من ديسمبر، إن بلاده لن ترضى بـ”الحصار البحري”.
وبينما أشار إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو طلب من الرئيس الأميركي جو بايدن، والقادة الأوروبيين، اتخاذ إجراءات لمواجهة هذا الوضع، حذّر بالقول: “إذا لم يهتم العالم بالأمر، سنتحرك لإزالة الحصار البحري”.
ولا توجد أي بوادر من جانب الحوثي لفك “الحصار البحري”، وفي أعقاب حادثة استهداف الناقلة النرويجية نشرت الجماعة بيانا أكدت على التهديدات والتحذيرات.
وجاء في البيان أنهم سيواصلون “منع كافة السفن من كل الجنسيات المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية من الملاحة في البحرين العربي والأحمر، وحتى إدخال ما يحتاجه إخواننا في غزة من غذاء ودواء”.
بماذا تفكر الولايات المتحدة؟
وتعتقد الولايات المتحدة الأميركية أن إيران ضالعة بشكل مباشر في الهجمات التي ينفذها الحوثيون، التي بات الإعلان عنها يتم بشكل دوري.
ورغم أن واشنطن لا ترى أنها “في حالة صراع” مع الجماعة قال جون فاينر، نائب مستشار مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض في الثامن من ديسمبر: “إننا نعمل على حماية المنطقة والملاحة وتواجدنا العسكري”.
وأضاف قبل أربعة أيام: “هناك عدد كبير من دول المنطقة بدأت في الالتحاق بمبادرتنا الجماعية لحماية الأمن في البحر الأحمر”.
والثلاثاء، أشار المتحدث باسم البنتاغون، بات رايدر، إلى التعامل مع الوضع في البحر الأحمر بشكل جدي معتبرا أن الأحداث التي يشهدها خطيرة وتؤدي إلى زعزعة الاستقرار و تشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي.
وأضاف رايدر: “نواصل العمل في الممرات المائية الدولية في جميع أنحاء المنطقة لدعم الملاحة والجهود المبذولة لضمان السلامة والأمن والاستقرار”.
وكما يرى الباحث الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، راين بوهل “سوف تميل الولايات المتحدة بشكل متزايد إلى تنفيذ هجمات مباشرة داخل اليمن نفسه ضد المناطق الأصلية التي تنفذ من خلالها الحوثي الضربات”.
وفي المقابل، يقول بوهل لموقع “الحرة” إن “إسرائيل قد تتخذ إجراءات سرية، ولكن في الوقت الحالي تبدو راضية بالسماح لحلفاء دوليين آخرين مثل الولايات المتحدة بأخذ زمام المبادرة”.
ويكتسب الحوثيون “الجرأة” في البحر الأحمر “بسبب عدم حدوث انتقام من الولايات المتحدة والواقع الاستراتيجي المتمثل في عدم رغبة إسرائيل وواشنطن في الانخراط بعمق في اليمن في الوقت الحالي”، وفق الباحث الأميركي.
ويتابع: “إنهم يحسبون (الحوثيون) أنهم قادرون على تنفيذ مستوى معين من المضايقات التي تسبب ضررا اقتصاديا لإسرائيل دون تصعيدها إلى حرب كبرى مع الولايات المتحدة أو إسرائيل أو حتى المملكة العربية السعودية”.
ويعتقد آرون لوند، وهو زميل في “مؤسسة القرن”، باحث في وكالة أبحاث الدفاع السويدية، أن “إسرائيل سعيدة برؤية البحرية الأميركية تأخذ زمام المبادرة” لأن ما تفعله جماعة الحوثي “ليس مشكلة يمكن لإسرائيل أن تحلها بسهولة بمفردها، نظرا للمسافات البعيدة التي تفصلها” عن اليمن.
ورغم أن القوات الجوية الإسرائيلية يمكنها قصف اليمن، “إذا أرادت ذلك”، فليس من الواضح على الإطلاق أنها تستطيع منع الحوثيين من الاستمرار في إطلاق الصواريخ على السفن المارة، كما يقول لوند لموقع “الحرة”.
ويمكن أن يؤدي فشل الردع أيضا إلى “إظهار الضربات الجوية ضعيفة وغير فعالة”، وفق الباحث.
ولذلك يبدو في الوقت الحالي أن “الولايات المتحدة ترغب في تكثيف الدوريات في المنطقة وجذب المزيد من السفن من القوات البحرية المتحالفة معها”، كما يضيف لوند.
ويشير إلى أنه “من المحتمل أن تكون الخطة هي العمل من خلال القوات البحرية المشتركة أو CMF وهو تحالف أمني بحري مقره في البحرين”.
ويضم التحالف العديد من الأعضاء، من الدنمارك وأستراليا إلى المملكة العربية السعودية، ويخضع لقيادة الولايات المتحدة.
ويتابع الباحث أنه “تم إنشاء فرقة عمل تابعة للقوات البحرية المشتركة تسمى CTF-153، وهي خاصة لضمان الأمن البحري وحرية الملاحة في البحر الأحمر، مع أخذ التهديدات الحوثية والإيرانية في الاعتبار”.
ومن المحتمل أن تكون الفرق المذكورة الأداة التي تحاول الولايات المتحدة استخدامها لكن ليس من الواضح، حسب الباحث لوند، ما إذا كانت هناك إمكانية لوضع ما يكفي من السفن في المنطقة لإحداث فارق.
“الوكلاء المختارون”
وتعتبر إيران أن جماعة الحوثيين الذين يعملون كوكلاء لديها قد يكونون “الأكثر ملائمة لتوسيع نطاق الحرب مع إسرائيل”، وهو ما أكده محللون مقربون من الحكومة الإيرانية قبل أيام لصحيفة “نيويورك تايمز”.
وتشير الصحيفة إلى أن المحللين اعتمدوا في تحليلاتهم إلى معلومات من اثنين من الإيرانيين الذين ينتمون للحرس الثوري الإيراني، لا يسمح لهما بالتحدث علنا.
وقال المحللون إن الحوثيين هم “وكلاء إيران المختارون، لأنهم في اليمن قريبون بما يكفي من الممرات المائية الاستراتيجية للبحر الأحمر لتعطيل الشحن العالمي، وبعيدون بما يكفي عن إسرائيل لجعل الضربات الانتقامية صعبة”.
لكن الباحث في الشؤون الإيرانية، الدكتور محمود البازي يعتبر أن الحوثيين “لا يصنفون كوكيل لإيران بالمعنى الحر”، وأن “العلاقة بين الطرفين تأخذ شكل شراكة استراتيجية”.
ويتحدث البازي لموقع “الحرة” عن “التقاء مصالح بشأن عملية التدخل في مياه البحر الأحمر، حيث تستطيع إيران نفي علاقتها بشكل كامل بهذه الهجمات”.
وترى إيران أن استهدافات الحوثي مؤثرة بالفعل، وتضر بالاقتصاد الإسرائيلي.
كما قد تؤدي إلى تعطيل ميناء إيلات، حسب الباحث، مشيرا إلى ضرر آخر يرتبط بتغيّر المسارات البحرية للسفن القادمة من الهند إلى إسرائيل، واضطرارها لقطع مسافات شاسعة عبر الأطلسي وصولا للمتوسط.
ويضيف الباحث آرون لوند أن الحوثيين “يتمتعون بأكبر هامش مناورة قياسا بباقي الجماعات المتحالفة مع إيران في المنطقة”.
ويقول: “إنهم لا يواجهون أي تهديدات كبيرة في الداخل في الوقت الحالي، ويعلمون جيدا أنه لا إسرائيل ولا السعودية ولا الولايات المتحدة – ولا أي شخص آخر – سوف يبذل قصارى جهده لإطاحتهم. تمت تجربة ذلك وفشلت”.
يعتبر لوند أنه وفي هذه المرحلة “يريد معظم أعدائهم فقط أن يكون اليمن مستقرا بشكل معقول وأن يتوقف عن تصدير الفوضى”.
ولذلك “ربما يكون الحوثيون مستعدين وقادرين على الذهاب إلى أبعد من ذلك، ومن غير المرجح أن يشعروا بالقلق بشأن خطر تلقي بعض الضربات الجوية في مرحلة ما”، حسب ذات المتحدث.
“جبهة أقل خسارة”
ويفصل باب المندب، وهو ممر ضيق بين اليمن وجيبوتي، بين البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي.
وله أهمية كبرى في خطوط الملاحة البحرية خاصة في نقل شحنات النفط العالمية، ويمر عبره ما معدله 17 ألف سفينة شحن وناقلة نفط سنويا، وفق مجلة “سي باور”.
ويبلغ عرضه 18 ميلا (حوالي 29 كلم) في أضيق نقطة له، مما يجعل حركة الناقلات صعبة ومقتصرة على مسارين للشحنات الواردة والصادرة، وفق تقرير لوكالة “رويترز”.
كما يعد أحد أكثر الممرات البحرية ازدحاما في العالم، إذ يعبره حوالي خُمس الاستهلاك العالمي من النفط.
ووفق تقرير لوكالة “فرانس برس” تمر نحو 50 سفينة تجارية يوميا عبر مضيق باب المندب، فيما تمر حوالي 115 سفينة تجارية من مضيق هرمز الذي يفصل بين مياه الخليج من جهة ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى.
كما تعتبر طرق الملاحة البحرية في هذه المنطقة أساسية للشحن والنفط والغاز المسال الذي يتم نقله إلى أوروبا.
ويعتقد الباحث البازي أن “التصعيد الحوثي يبدو أنه بدأ يتجاوز ارتباط السفن بإسرائيل إلى محاولة استهداف السفن التابعة للاتحاد الأوربي وغيرها من الدول”، “كورقة ضغط لتعطيل عملية الملاحة وضغط على الدول” لوقف الحرب في غزة.
ويقول إن “تشديد الهجمات مرتبط بشكل مباشر أولا بمحاولة منع القضاء على حماس وإيقاف الحرب، وثانيا برغبة إيرانية بتفعيل جيهة اليمن كجبهة بديلة وأقل خسارة بالمقارنة مع باقي الجبهات”.
وتعتبر جبهة اليمن أفضل لإيران من جبهة جنوب لبنان، لأن تفعيل الأخيرة بشكل كامل “سوف يؤدي إلى تدمير قدرات حليفها حزب الله وزعزعة موقعه السياسي في بلاد ترفض التدخل في حرب غزة”.
كما أن الساحة اليمنية كما يوضح البازي “منطقة مستعصية على الاجتياح البري”، وأن “الهجمات الجوية لن تكون مجدية لتعطيل القدرات الحوثية، خصوصا بعد ثماني سنوات حرب مع الائتلاف العربي”.
“لا حل سحري”
ومن الواضح أن الولايات المتحدة يمكن أن تفعل أكثر بكثير من إسرائيل فيما يتعلق باليمن، ولكن “ليس من الواضح أن لديها طريقة لإغلاق منصات إطلاق الصواريخ الحوثية بطريقة مستدامة”، كما يقول الباحث آرون لوند.
ويضيف: “لا يوجد حل سحري سهل، ولا توجد شهية في واشنطن للقيام بعمل جدي واسع النطاق داخل اليمن – والحوثيون يعرفون ذلك”.
“الطريقة الأكثر أمانا لتهدئة الوضع هي استعادة شكل ما من أشكال وقف إطلاق النار في غزة”، وفق وجهة نظر الباحث.
ومع ذلك يشير إلى أن الضغط لتسريع وقف إطلاق النار “يصطدم بهدفين أميركيين، في نظر إدارة بايدن”.
الهدف الأول أن واشنطن تريد منح إسرائيل الوقت الكافي لاستئصال حماس في غزة.
أما الثاني فهو أن الولايات المتحدة لا تريد إعطاء الانطباع بأن إيران وحزب الله والحوثيين يمكنهم إجبار الحكومة الأميركية بتكتيكات مثل هذه، لذا “لا يمكنهم جعل الأمر يبدو وكأنهم يستسلمون تحت الضغط”، كما يقول لوند.
وحتى سنوات قليلة مضت، كانت سفينة تدعى “سافيز” ترسو في البحر الأحمر، شمال مضيق باب المندب مباشرة، ويبدو أنها تراقب حركة المرور فقط، وقد تضررت فيما يُعتقد على نطاق واسع أنه هجوم إسرائيلي، ولكن تم استبدالها بسرعة، حسب الباحث.
وهناك الآن سفينة أخرى متمركزة في نفس المكان، تسمى “بهشاد”، ويوضح لوند أن “هذه السفن تراقب حركة المرور وتغذي الحوثيين بالمعلومات”.
وبالنظر إلى أن إحدى هذه السفن يبدو أنها تعرضت لهجوم في الماضي، يضيف أنه “لا يبدو مستبعدا أن يحدث ذلك مرة أخرى الآن بعد أن تصاعدت الأمور بهذه الطريقة الدرامية للغاية”.
المصدر / الحرة