أخبار عاجلة
الرئيسية / اصدارات جديدة / معالم النجاة في تجارب العلم والحياة

معالم النجاة في تجارب العلم والحياة

فيينا / الأثنين 15 . 07 . 2024

وكالة السيمر الاخبارية

د. نضير الخزرجي

لم تعد المعركة التقليدية بين الدول المتنافسة والمتخاصمة القائمة على السلاح الحربي والسلام المضاد والقصف المتبادل، هي السائدة لوحدها إلى جانب حرب الإشاعات والإشاعات المضادة، فمع تطور العلم وتقنية المعلومات، صارت الحرب مفتوحة على أكثر من جبهة منظورة وغير منظورة.

ولعلَّ واحدة من أهم بوابات الحرب المفتوحة على مصاريعها هي بوابة المعلومات الطبية الخاصة بحال قادة البلد الصديق أو المنافس أو الخصم، وهذه الحرب ليست حكراً على الدول والحكومات بل هي قائمة حتى داخل البلد الواحد، ولهذا فإن الدول التي تستخدم الحاسوب في مجالها الطبي لتنظيم بيانات سكانها من رئيس ومرؤس، تضع أقوى البرامج الإلكترونية المضادة لحماية الحاسوب من الإختراقات القادمة من داخل البلد أو خارجه، وبخاصة بيانات الشخصيات المهمة والمؤثرة في المجتمع من ملوك ورؤساء وساسة ورجال أعمال وممثلين ورياضيين وعموم المشهورين أصحاب التأثير الجمعي في الرأي العام الشعبي، فكما يكون المحامي أميناً على أسرار موكليه يفشون بين يديه أسرارهم في القضية التي يترافع فيها دون خوف من النيابة العامة أو وجلٍ من المحقق والقاضي، فإنَّ المؤسسة الصحية من طبيب وممرضين أمينة على أسرار المرضى مشهوراً كان أو غير مشهور، لاسيَّما وأن التقنية الطبية قادرة على معرفة المرض من دم المريض ولعابه وشعره ومدفوعيه البول والغائط، وكل ما له علاقة بجسم الإنسان.

ولأنَّ حرب المخابرات قائمة على قدم وساق بين الدول الصديقة والمتنافسة والمتخاصمة والعدوة، فإنَّ بعض الزعماء والرؤساء عندما يقوم بزيارة رسمية لبلد ما، يحرص مرافقوه على إخفاء مدفوعَيْه وأن لا يقعا تحت مبضع مخابرات الدولة المضيفة او مخابرات دولة خصم عاملة في هذه الدولة أو تلك، لئلا يُكشف عن الأمراض الخفية التي يحملها الزعيم فتستخدم بالضد منه ضمن مواجهات خفية تعرف خفاياها دوائر المخابرات، فكما لا يأكل الزعيم في حلِّه وترحاله إلا من طعامٍ معروف مصدره، فلا يتبول أو يتبول ويختلي إلا في مكان آمن وبعيد عن متناول الصديق والخصم.

 ويعتبر هذا الأمر من الملفات ذات السرية العالية ومن وثائق الأمن الوطني والقومي، لا يعرفه إلا قلة قليلة من أصحاب الخلية الأمنية التي تسهر على حراسة البلد وقادته من أي تغييرات مفاجئة، ولكل بلد خليته الأمنية الخفية عن أنظار العامة وحتى عن أنظار بعض طبقات الساسة، وهذه الخلية هي التي لها حق الإطلاع على الملف الصحي للملك أو الرئيس، فإذا ما كانت منيته قريبة الأجل طلبت من السلطة التنفيذية وضع البلاد تحت أقصى درجات الإنذار دون ضجيج، وهي التي لها حق الإعلان عن موته، فبعضهم يموت ثم يعلن عن وفاته بعد أسبوع أو شهر أو أكثر تحسباً للطوارئ الأمنية والتقلبات السياسية.

وبشكل عام فإن الملف الصحي للزَّعيم، يعد من كبرى أسرار الدولة، ومن يفشيه فإنَّ عقوبته السجن أو الموت، لإنَّ مستقبل البلاد داخلياً والعلاقات مع الدول الإقليمية والدولية خارجياً منوطة بصحة الزعيم، بخاصة إذا كان الزعيم من أسرة مالكة أو حاكمة ترى أنها تمثل خلافة الله في أرضه لها من القداسة ما له، أو أن يكون الزعيم طاغوتاً مستبداً انحصر بين يديه دون غيره أمر البلاد والعباد، وربما تضع قوانين البلد الإساءة إلى الذات الإلهية المقدسة في باب الحرية الدينية وتعدد أطياف وأديان البلد، ولكن الإساءة إلى الزعيم أو الملك أو الأمير هو إساءة كبرى وتعدٍّ صارخٍ على الذات المقدسة عقوبتها السجن أو الموت!

من داخل الملفّات

بين يدي كتاب “مائة تجربة في العلم والحياة” لمؤلفه المحقق والفقيه آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي، والكتاب من القطع الوزيري صدر مؤخراً عن بيت العلم للنابهين في بيروت ويقع في جزأين الأول من 430 صفحة وضمَّ خمسين تجربة علمية وحياتية، والثاني من 470 صفحة ضمَّ مثلها من التجارب، قدّم له الأستاذ الجامعي والطبيب الأخصائي العراقي الدكتور السيد حسن نصر الله وراجعه وقرّظه الأديب العراقي محمد طاهر الصفار.

وما لفت انتباهي في التجارب التي يستعرضها المؤلف والمحقق والفقيه صاحب أكبر موسوعة معرفية في الإمام الحسين عليه السلام ونهضته المباركة، أنه كسر قاعدة “الملف السري” للمراجع والمريض، مستعرضاً في كثير من التجارب المائة سلسلة الأمراض التي مرَّ بها شخصياً منذ صغره حتى يومنا هذا مع الشرح بالتفصيل المفيد، ولهذا فمن يتابع تجاربه بخاصة ذات العلاقة بالصحة الجسدية سيجد أمامه ملفاً طبياً مفتوحاً وعدد العمليات الجراحية التي خضع لها.

ولكن ما يميز كشفه الطبي لملفه الشخصي، هو بيان تجربته الشخصية في التعامل مع المرض دفعاً ورفعاً وقايةً وعلاجاً، والتركيز على قاعدة الدفع لأنها أيسر من الرفع وأيسرها لكون الوقاية خير من العلاج، و”درهم وقاية خيرُ من قنطار علاج” كما في الأمثال، وهي حقيقة قائمة يتلمسها كل إنسان ويعيشها ويعايشها.

اعتمد المؤلف في إظهار التجارب المائة للعيان، بيان التجارب الشخصية الطبية وغيرها، وتجاربه مع الأقرباء وبيان تجارب الآخرين وجزئياتها ممن يعرفهم أو سمع منهم أو عنهم بما ينفع القارئ، وتسليط الضوء عليها موضحاً متن التجربة ودلالتها والقول فيها واستعراض وجهة نظره والتعليق عليها بما يناسب المقام بالإستفادة من العلوم المختلفة، فهو يقدم لكل تجربة علتها وعوارضها وعلاجها وما يكتنفها من معلومات مفيدة، فهو قد قصد من عرض التجربة بخاصة التجارب الشخصية تقديم الحلول للآخرين بما توصَّل إليه شخصيّاً مُرتضياً لنفسه أن تكون تجاربه بخاصة الطبية محل استفادة الآخرين دفعاً ووقايةً قبل الوقوع في تبعات الرفع والعلاج.

وعناوين التجارب الخمسين في الجزء الأول تقرأ نفسها بنفسها، حيث جاءت على النحو التالي:

نزيف اللثّة، علاج اللثة والنحول، كهربائية الجسم، وجع الظهر، الحصى والكلى، بُقع الوجه، أم البنين والحاجات، النزيف الداخلي، إزالة البثور، ألم الكتف، ألم الركبة، الشقيقة، التشقق، الرُّعاف، إلتهاب الصدر، النقرس، تهدئة المعدة، الإسهال والزعتر، اليُبْس، التقيؤ، السلامة العامة، الرياضة البدنية، فَلْنَجْلِ الغضب، اليأس القاتل، التمرين على الشجاعة، القطَّة والجنس، الطفل يتفاهم، الطفل سياسيٌّ بالفطرة، الدَّلال المفرط، لغة الغَين، علاج السُّكَّر، الحيوان يتعلم، تلوين الأزهار، تقوية الإرادة، الصبر نوع من العلاج، الخيرة ورفع الحيرة، العلاج الموضعي، التشنُّج وعلاجه، عرق النسا، الحسّاسيَّة، أضعف الأعضاء، الأخلاق علاج لسوء الخُلُق، إنتزاع الروح، المضمضة تُخفِّف التكلُّس، الإستنشاق يُخفِّف من الرُّعاف، لا تفشي أسرارك، صلاة الوحشة، نفِّذ وصيتك بنفسك، ومداراة البروستات.

وهكذا الأمر بالنسبة للتجارب الخمسين الأخرى في الجزء الثاني التي جاءت على النحو التالي:

الإجابة على قَدَر السؤال، حلّال المشاكل، كلٌّ مصيبته أعظم، عمِّم المضغ، تعلَّم من أخطاء الآخرين، الدَّفق والنهوض، سورة الواقعة والرزق، ذِكْرانِ لهما الأفضلية، الزوجان، الصوم بالإرادة، الرزق على الله، الصبرُ الحلُّ الأنجع، النجاح في الإقتحام، أُنظر يميناً وشمالاً، إبحث عن العلَّة، لا تكن مُقَلِّداً بلْ كُنْ مُجَرِّباً، كيف تكون ناجحاً؟، النفس تحكم وليس العقل، التفنُّن في الأكل، الشائعة تقصم الظَّهر، الأرز بألوان مختلفة، ميول الأبناء والبنات، الجنون والحقيقة، التسليم للموت، إمتحنِ الصديق، الإختبار العلمي، أيهما أفضل الماء أو العمر؟، مَنْ يؤمن بالآخرة، ولادة العقرب، الكتّان ونور القمر، تسريب الكهرباء، خطوط الإمداد، ممارسة الحفظ، أسلوب التعليم والتعلُّم، دعاءُ الوالدين وآثاره، الدعاء الخالص، الفساد التدريجي، الفليفلة، التوثيق حليف الإخلاص، دخول النار، التنويم المغناطيسي، اليد الخضراء، البَسْمَلَةُ وفتح الأقفال، السِّحْرُ الحلال، الطَّبْعُ والتَّطَبُّع، إعادة إعتبار، مواكبة الطقس، دفع الملل بالتنوع، اعتبرت نفسي موظفاً، وخُذِ العبرة من أصحاب الهمم العالية.

مائدة التجارب الغنيَّة

للتجارب وقراءتها متعة ودغدغة للمشاعر والأحاسيس واستنهاض للذات وإخراجها من دائرة الخمول والذبول الذهني وتحفيزها على العطاء بتقمص التجربة وتطبيقها في الواقع ما أمكن.

 ومن مظاهر المتعة في تجارب الكرباسي أنَّ فيها جنبة سردية وروائية ويوميات مفتحة قرطاسها للعيان، مثلما هي تجربته الشخصية المؤلمة مع “الحصى والكلى”، وتجربته المرّة مع “ألم الركبة” التي أفضت إلى حف وتبديل الركبة اليسرى ثم اليمنى، وتجربتة الصعبة مع “عرق النسا”، وتجربته المتعبة المتكررة مع “البروستات”.

ومن معالم التجارب أنها لا تقتصر في مجال الأمراض على بيان العوارض الجسدية وحلولها، وإنما يتناول العوارض النفسية والروحية، محاولاً تقديم الحلول من واقع التجربة والإستعانة بالروايات والعلوم القديمة والحديثة مثلما هو حديثه عن “النفس تحكم وليس العقل”، وحديثه عن الغضب في موضوعة “فلينجل الغضب” حيث تابع حالات عدة لقريبين له مؤكداً أن “الغضب حالة نفسية تعتري الإنسان، وهو ينافي الصبر الذي ورد فيه المدح من قبل الله سبحانه وتعالى ومن النبي وآله عليهم أفضل الصلاة والسلام).

ومن معالم التجارب أنَّ المؤلف يوجِّه المرء إلى طبيعة الأغذية والأطعمة المفيدة والمضرة لهذا الداء أو ذاك، مستفيداً من تجربته الشخصية وتجارب الآخرين وما يقوله علماء الأغذية قديماً وحديثاً.

وكانت آيات القرآن الكريم والروايات الشريفة والحكم والأمثال النثرية والشعرية حاضرة في الكثير من التجارب، وبخاصة الحضور المشهود للقرآن والسنة بوصفها علاجات للكثير من الأمراض النفسية والروحية فضلاً عن الجسدية، كما نرى ذلك في تجربة “الصبر نوع من العلاج”، وفي تجربة “الأخلاق علاج لسوء الخُلُق” بوصف الأخلاق حالة نفسية سلوكية ميدانها الفضائل والرذائل، فمن مال إلى الفضيلة كان خلوقاً ومن مال إلى الرذيلة كان رذيلاً، ولهذا كانت وصية ربِّ العالمين: (ولو كنتَ فظاًّ غليظَ القلب لانفضّوا من حولك) سورة آل عمران: 150، ومنها كانت وصية رسوله صلَّى الله عليه وآله لعباده: (عليكم بمكارم الأخلاق، فإنَّ الله عزَّ وجلّ بعثني بها)، حيث كما يضيف عليه الصلاة والسلام: (جعل الله سبحانه مكارم الأخلاق صَلَةٌ بينه وبين عباده، فَحَسْبُ أحدِكُم أن يتمسَّكَ بخُلُقٍ متصلٍ بالله)، ويزيدنا الإمام علي عليه السلام نوراً ومعرفة: (فهب أنَّه لا ثواب يُرجى ولا عقاب يُتَّقى، أفتزهدون في مكارم الأخلاق!) ولهذا يدعونا عليه السلام إلى: (ثابروا على اقتناء المكارم)، لأنه كما يُخبرنا رسول الرحمة عليه الصلاة والسلام: (إنَّ العبدَ ليبلُغُ من سوء خُلقه أسفل درك جهنم)، وأنَّ: (الخلق السيء يُفسدُ العملَ كما يُفسدَ الخلَّ العسل)، ومن الإفرازات السلبية كما يؤكد الإمام علي عليه السلام أنَّ: (مَنْ ساءَ خُلُقُهُ ضاقَ رزقُهُ)، وكما أن الأخلاق خير قرين للمرء فإنَّ “سوء الخُلق شَرُّ قرين” كما يزيدنا علي عليه السلام، كما أنَّ: “مَن ساء خُلُقُهُ عذَّب نفسه” كما يفيدنا الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام.

وقد تلقى أمراء النظم هذه الحقيقة فأفادنا الشاعر المصري أحمد شوقي من البيسط:

وإنَّما الأمَمُ الأخلاق ما بقيتْ … فإنْ هُمُ ذهبتْ أخلاقُهُمْ ذَهَبوا

في المقابل كما يعلمنا الشاعر أحمد شوقي من الكامل:

وإذا أُصيبَ القومُ في أخلاقهم … فأقم عليهم مأتماً وعويلا

وفي المروي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام الذي جرى مثلاً: (حُسنُ الخُلق من أفضل القِسَمِ وأحسنِ الشِّيَمِ)، حيث تتراوح الأخلاق بين العقل والجهل إذ يزيدنا عليه السلام معرفة بأنَّ: (الخُلُقُ المحمودُ من ثمار العقلِ، الخُلُقُ المذمومُ من ثمارِ الجهل)، وليس من عاقل لا يرجو ثمار العقل يزين بها مائدة حياته ومسيرته.

ولأنَّ: “العاقل مَن وعظته التجارب” كما يفيدنا إمام البلاغة علي بن أبي طالب الهاشمي عليه السلام، مؤكداً عليه السلام أنَّ: “في التجارب علمُ مُستأنف”، بلحاظ أنَّ: “العقل حفظ التجارب، وخير ما جرَّبت ما وعظك”، ولهذا يدعونا المحقق الكرباسي في نهاية التجربة المائة “خُذ العبرة من أصحاب الهمم العالية” وقد وصل الثمانين من عمره إلى استنشاق رحيق الأمل: (إخوتي، أعزَّتي، أبنائي، بناتي: لا يدخل اليأس إلى نفوسكم ولا العجز في أعمالكم، أقسم بالله العظيم وأنا في آخر حوار معكم من خلال هذا السِّفر أن الإنسان لقادر على أن يصل إلى ما يريد).

وهذه حقيقة يسجلها لنا الإمام الشافعي نظماً من الوافر:

بقدر الكد تكتسب المعالي … ومَن طلب العُلا سهر الليالي

ومن قبل أكدها صاحب نهج البلاغة علي عليه السلام، من بحر المتقارب:

دواؤك فيكَ وما تشعرُ … وداؤك منكَ وما تبصرُ

وتحسَبُ أنَّك جرمٌ صغيرٌ … وفيك انطوى العالَمُ الأكبرُ

وحسبي في نهاية المطاف قصيدة المُراجع والمقرّظ الشاعر محمد طاهر الصفار وقوله في المطلع والخاتمة، من الكامل:

سِفْرٌ تجلّى مِنْ ذُرى القرطاسِ … وأضاء في الآفاق كالمقباسِ

لا غَرْوَ إنْ جمع المعارفَ والعُلى … وحوى الفضائلَ إنَّه الكرباسي

وقول المقدّم الدكتور السيد حسن نصر الله: إنَّ تجارب سماحة الشيخ الكرباسي حفظه الله الصحيَّة أثبت العلم الحديث صحة أغلبها، وكما وأكَّدته المصادر الطبية التي سطَّرها بعد كل تجربة له عاشها، وهكذا بالنسبة لتجاربه التربوية والأخلاقية التي مرَّ بها في حياته الخاصة.

الرأي الآخر للدراسات

باحث عراقي مقيم في لندن

اترك تعليقاً