أحمد الشرقاوي / مصر
في العلاقـة بين النـووي الإيرانـي و”داعـش”..
تعهد الرئيس أوباما بتحقيق هدفين كبيرين قبل نهاية ولايته: الأول، منع إيران من إنتاج قنبلة نووية.. والثاني، هزيمة تنظيم”داعش”.. والهدفان تم التسويق لهما من حيث الظاهر، في إطار الدور الأمريكي “الأخلاقي” لإنقاذ البشرية من الخطر النووي الإيراني ومن خطر إرهاب “داعش” معا، وفي حال تحققهما، سيدخل الرئيس ‘أوباما’ التاريخ من أوسع أبوابه، أو هكذا يتوهم..
لكن من حيث الباطن، الهدفان لا يخدمان إلا “إسرائيل” أولا وأخيرا، وكل ما يقال خلاف ذلك هو محض هراء لا يصدقه إلا المغفلون، باعتراف أوباما نفسه الذي أكد في إطار تسويق الاتفاق النووي لأعضاء من الكونجرس، إن “تنفيذ بنود الاتفاق النووي مع ايران سيكون في صالح أمريكا و’إسرائيل’ وسيسهم في تقوية العلاقات بينهما”..
الرهـان الأمريكـي والمقلـب الإيرانـي..
إيران كانت مدركة لحاجة أمريكا الماسة للاتفاق معها في الشأن النووي، فسايرتها بذكاء، ونجحت في بيعها قنبلة وهمية لا وجود لها إلا في العقل الصهيوني الموبوء بهاجس الزوال، فيما الرهان الحقيقي للرئيس أوباما هو النفاذ إلى الداخل الإيراني من خلال التطبيع السياسي والاقتصادي والثقافي لإسقاط إديولوجية الثورة، بعد أن توصل لقناعة باستحالة ضرب إيران عسكريا، وهو ما كانت تعرفه طهران وتحسب حسابه بدقة..
بدليل، أنه ما أن تم التوقيع على الاتفاق واتخاذ مجلس الأمن لقرار إسقاط العقوبات عن طهران حال صدور تقرير وكالة الطاقة الذرية عن سلمية أنشطة إيران النووية، حتى أعلن الإمام الخامنئي نهارا جهارا وعلى الأشهاد، أن لا مفاوضات مع واشنطن بشأن أي من القضايا بما في ذلك ملفات المنطقة، وأن إيران تدرك جيدا أهداف أمريكا الخبيثة من وراء سعيها للتسلل إلى الداخل الإيراني، وأنها كانت وستظل بالنسبة لها “الشيطان الأكبر”..
لكن الإمام لم يكتفي بصد أبواب ونوافذ إيران في وجه “الشيطان الرجيم” فحسب، بل ذهب بعيدا في التنظير بزوال “إسرائيل” في غضون 25 سنة، ليؤكد أن وحدة الأمة لا يمكن أن تقوم إلا باستئصال هذا الورم السرطاني الذي يعبث بجسدها، ما يؤشر إلى أن الإمام لم يطلق هذا التقدير جزافا، بل بناء على هدف إستراتيجي كبير بمخطط طويل المدى، له أهداف مرحلية قابلة للتحقق بفضل نهج المقاومة، أخذا في الاعتبار الشروط الفلسطينية المحلية، والظروف الإقليمية والدولية، وسنن التاريخ في صعود وسقوط الحضارات لجهة بداية العد العكسي لأفول إمبراطورية روما الجديدة الداعمة الأساس للكيان الصهيوني المجرم وللإرهاب في المنطقة..
“إسرائيل” وعلى لسان أحد كبار كتابها، ردت على توقعات الإمام الخامنئي بالقول: “إننا وبعد 25 سنة سنظل هنا نأكل التفاح بالعسل”.. والمفارقة، أن توقعات الإمام بزوال “إسرائيل” قد خالفت حسابات المنظر الأمريكي الكبير ‘هنري كيسنجر’ الذي صرح لصحفية ‘نيويورك تايمز’ شهر أيلول 2012، أنه “بعد عشر سنوات لن تكون هناك إسرائيل” (In 10 years, there will be no more Israel)، والتي بناها على خلفية الهزائم والإخفاقات التي مني بها العدو الصهيوني خلال العقدين الماضيين، إضافة إلى أشكال التفكك والتصدع التي بدأت تظهر داخل المجتمع الإسرائيلي بسبب فشل “النتن ياهو” في تحقيق الأمن والرفاه..
أدرك أوباما فشل رهانه على إسقاط الثورة الإيرانية من بوابة الاتفاق النووي الذي أراده أن يكون بمثابة حصان طروادة، فابتلع المقلب كارها، لكن الوقت كان قد فات ليتراجع عن التزاماته، فأعلن أن إيران عدوة لأمريكا لأنها تنكر محرقة “الهولوكوست” (هكذا بوقاحة)، وأن الاتفاق معها حول الملف النووي لا يقوم على أساس الثقة بل على أساس التحقق والاختبار، موضحا بمرارة، أن رفض هذا الاتفاق من قبل الكونجرس، يعني منح ايران فرصة وزمام المبادرة، وعندها يمكن للإيرانيين الإعلان أن أميركا و”إسرائيل” هما سبب فشل الاتفاق النووي وان هذا الأمر سيؤدي إلي عزل أمريكا و”إسرائيل” معا..
فهم الجميع أن أمريكا تصرفت بغباء، وأن أبواب ونوافذ طهران ستظل موصدة في وجهها ما دام في طهران نظام لا ينقاد وراء المصالح في حال تعارضها مع المبادئ، فلا علاقات دبلوماسية ولا استثمارات اقتصادية ولا تعاون ثقافي مع “الشيطان الأكبر”، وأن الشعب الإيراني العالم ذو الحضارة العريقة لا تستهويه ثقافة “الماكدونالد”.. فخرج المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ‘جان كربي’ ليعلن السبت المنصرم، أن بلاده قررت الإبقاء علي الحظر الاستكباري الظالم الأحادي الجانب ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، موضحا أنه طالما لم ترفع طهران ما اسماه بـ”خطوات لإثبات سلمية برنامجها النووي فإنه لن يتم أي إلغاء للحظر ضدها أبدا”.
وبموازاة ذلك، تحدثت تقارير إعلامية غربية وإسرائيلية، عن زيادة التعاون السري بين أمريكا و”إسرائيل” لمواجهة إيران في المنطقة، برغم الخلاف الحاد الظاهر بين أوباما و”النتن ياهو”، وذلك من خلال تكثيف خطط ضرب أدرع إيران في المنطقة، سواء في سورية أواليمن أو العراق أو لبنان، مع التركيز على حزب الله والحشد الشعبي وفصائل المقاومة الفلسطينية بشكل خاص، في إطار برنامج سري لاغتيال القيادات العسكرية.
ولعل هذا المعطى الخطير، هو الذي يفسر دخول روسيا بثقلها السياسي والعسكري في الساحة السورية، بل وتتحدث روسيا اليوم عن العراق أيضا بسبب استحالة القضاء على الإرهاب في سورية بمعزل عن هزيمة “داعش” في العراق، لأن العدو واحد والساحات واحدة ما دامت “داعش” أقامت دولتها الوهمية على أراضي البلدين، ولإدراكها أيضا، أن الرهان الأمريكي في المرحلة المقبلة سيكون على ورقة “داعش” لإسقاط “الدولة” في البلدين تمهيدا لتقسيمهما، ليسهل بعد ذلك تولي أمر المقاومة اللبنانية والفلسطينية معا، هذا بالإضافة للمخاطر التي أصبح يشكلها توطين الجماعات الأسيوية (الشيشانية والقوقازية والأويغورية) في الشمال السوري، والتي تعتقد موسكو أن المخابرات التركية استجلبتها لتدربها بهدف زعزعة أستقرار روسيا والصين بالتنسيق مع واشنطن.
مخطــط إسقــاط سوريــة والعــراق..
كان وزير خارجية فرنسا ‘لوران فابيوس’ أول من كشف عن خيوط مخطط إسقاط الدولة السورية حين أعلن الأسبوع الماضي على هامش مؤتمر “ضحايا أعمال العنف العرقي والطائفي في الشرق الأوسط”: أن “أهداف الحملة الأمريكية في سوريا والعراق، والتي تشارك فيها فرنسا بقوة، هي إقامة مناطق محررة لحماية الأقليات”، مشددا على أن “عددا من الدول ستعلن عن تعهدات مالية مهمة في الأشهر المقبلة لمشاريع تتراوح بين إعادة بناء البنية الأساسية وإعادة الخدمات الأساسية وتدريب الشرطة المحلية في ‘المناطق المحررة’ من سيطرة تنظيم ‘داعش’.
وللإشارة، كلنا يذكر أن تركيا كانت قد أقامت معسكرات للاجئين على أراضيها قبل أن تبدأ الأحداث في سورية بفترة قليلة، ما يؤكد أن لا يشيئ يحدث بالصدفة، وأن كل شيئ كان مخطط له سلفا بدقة متناهية، وأن تهجير أردوغان للاجئين السوريين والعراقيين في اتجاه أوروبا كان بداية لانطلاق المرحلة الإعلامية الأولى من خطة تقسيم سورية والعراق.
ثم جاء تصريح رئيس الوزراء البريطاني ‘كامرون’ من بيروت ليزيح الغموض حول الأهداف الحقيقية للمشاركة البريطانية في الحملة الأمريكية الفرنسية في العراق وسورية، حيث قال في معرض حديثة عن مأساة اللاجئين المفتعلة، إن “بريطانيا كانت طرفا في اتفاقية ‘سايكس وبيكو’، وبالتالي، لا يمكنها أن تبقى بعيدة عن الحملة الجديدة”.. ما يعني بالواضح الفاضح، أننا أمام حملة عسكرية لفرض “سايكس وبيكو” جديد لإعادة تقسيم كعكة المنطقة بين الحلفاء.
وحيث أن الكونجرس الأمريكي سبق وأن رفض السماح للرئيس أوباما مطلع هذا العام باستعمال القوة بلا قيود في العراق وسورية، وحيث أن مجلس النواب البريطاني كان قد رفض السماح لـ’كامرون’ بالمشاركة العسكرية لإسقاط النظام في سورية بمناسبة كذبة الكيماوي صيف 2013، فقد كان لزاما، تحضير الرأي العام الغربي بمأساة اللاجئين المفتعلة، وبموجة جديدة من الإرهاب الذي يتوقع أن يستهدف فرنسا وبريطانيا وأمريكا وألمانيا من خلال “طيور الظلام” أو “الذئاب المنفردة”، خصوصا بعد دعوة العميل ‘أيمن الظواهري’ لأنصاره في أوروبا، لضرب الصليبيين في عقر دارهم.. وبذلك يكتمل الأول من الخطة، لتنطلق مرحلة العمل العسكري في الأجواء السورية والعراقية بضراوة غير مسبوقة..
والسؤال الذي يطرح بالمناسبة هو: – لماذا التركيز على محاربة “داعش” حصريا دون “جبهة النصرة” وغيرها من التنظيمات الإرهابية باختلاف أسمائها ومسمياتها التي تعبث قتلا وفسادا وخرابا في سورية؟.. – وإذا كان الثلاثي الأطلسي (أمريكا وبريطانيا وفرنسا) بالإضافة إلى أستراليا سيركزون عملهم على القصف السجادي من الجو، فمن سيملأ الفراغ على الأرض، خصوصا وأمريكا ترفض التنسيق مع الجيش العربي السوري في سورية أو الحشد الشعبي في العراق؟..
عودة الإسلام السياسي الإخونجي إلى المنطقة من البوابة السورية..
الرهان هذه المرة وفق ما تكشف من معلومات هو على “جبهة النصرة” الإرهابية، والتي لا علاقة لها بتنظيم “القاعدة” إلا من باب التمويه والتضليل، لأن “النصرة” هي الجبهة الأكثر تنظيما وتسليحا وتدريبا وانتشارا في سورية، وكانت تقارير استخباراتية قد كشفت منذ عدة أشهر لصحيفة “لوكانار أونشيني” الفرنسية، أن “جبهة النصرة” تأسست في تركيا من قبل جماعة “الإخوان” تحت قيادة مجلس عسكري يقوده ‘فاروق طيفور’ نائب المراقب العام للجماعة الذي كان من قيادات معركة حماة سنة 1981، وأنه تم تدريب مقاتليها وتسليحهم من قبل غرفة عمليات تركيا التي يشرف عليها ضباطا أمريكيين وفرنسيين وبريطانيين وأتراك وقطريين، كما وأن عداء روسيا لـ”الإخوان” يعود للمذابح التي كان ينفذها التنظيم الإخونجي السوري ضد الجنود الروس في “الحامدية” وشوارع دمشق عام 1984، تماما كما تفعل “داعش” اليوم في سورية والعراق.
وأشارت التقارير إلى أن مبايعة “جبهة النصرة” الصورية لتنظيم “القاعدة” كان الهدف منه التغطية على الجرائم الوحشية التي يرتكبها “الإخوان المسلمون” في حق المدنيين الأبرياء والجيش العربي السوري انتقاما من أحداث حماة، من دون أن يتهم المجتمع الدولي التنظيم الإخونجي بالمسؤولية عنها، وأنه حال تغيير النظام في دمشق، ستتبخر “جبهة النصرة” ولن يعود لأسمها وجود، ليظهر “الإخوان” كأبطال التحرير وقادة العهد الجديد كما حدث حين ركبوا الثورة المصرية التي لم يشاركوا فيها بانتهازية فجة عام 2011، الأمر الذي سيفتح الباب واسعا أما عودتهم للمحروسة من البوابة السورية والليبية والسودانية، وهذا هو سر منع أمريكا القاهرة من التدخل العسكري في ليبيا..
أما لماذا أدرجت “جبهة النصرة” على قائمة الإرهاب الأمريكية؟.. فيقول الزميل نضال حمادة في تقرير نشرته قناة المنار اللبنانية قبل عدة أشهر، أن السبب يعود لانقلاب حماس على الاتفاق السري المبرم بينها وبين تركيا وقطر بعدم مهاجمة “إسرائيل” بالصواريخ ومنع حركة الجهاد الإسلامي من فعل ذلك أثناء حرب غزة الثانية سنة 2012.. وأن وما كشف المستور، هو عاصفة الاحتجاجات على القرار الأمريكي التي جاءت من قبل جماعة “الإخوان” في سورية والجماعات السياسية الملحقة بها مثل “المجلس الوطني السوري” و”الائتلاف السوري” الذي كان يراد له أن يكون الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري، وصدر بيان عن رئيس “المجلس الوطني” جورج صبرا يعارض وضع “جبهة النصرة” على “لائحة الإرهاب”، فيما أصدر رئيس الائتلاف المعارض معاذ الخطيب بيانا شديدا ضد القرار الأمريكي، فضلا عن تصريحات كبار قادة الجماعة المستنكرين والمعترضين على هذا القرار.. هذا علما أن الإدارة الأمريكية لم تدرج إسم “الجولاني” زعيم “الجبهة” على قائمة الإرهاب، وهو الأمر الذي لم تقدم له تفسيرا مقنعا حتى الآن.
وقد كلف انقلاب حماس على الاتفاق التركي القطري لحفظ أمن “إسرائيل” جماعة “الإخوان” غاليا، سواء في سورية أو مصر أو الأردن أو غزة، بل وحتى في تركيا أيضا، وألب “السعودية” والإمارات والأردن ضدها.
اليوم يبدو أن صفحة الخلافات مع “الجماعة” قد طويت، حين قررت حماس الانقلاب على إيران، كما سبق وغدرت بسورية في عز الأزمة، ونفذت مشروع تشتيت اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك، وها هي تعود إلى الحضن “السعودي” وتوافق مبدئيا وسريا على خطة التهدئة التي يرعاها المجرم “طوني بليـر’ طمعا في استلام السلطة في غزة، لأن ذلك من حقها كما سبق وأن أعلن أحد قيادييها قبل أسابيع، اعتقادا منها أن استلام “الإخوان” للسلطة في سورية سيفتح أمامها المجال للاستفراد بفلسطين، والعبث بأمن مصر من خلال جماعة “أنصار بيت المقدس” التي بايعت “داعش” من باب التمويه، وذلك لعودة حكم “الإخوان” إلى المحروسة..
وها نحن اليوم لم نعد نسمع حماس أو حركة الجداد الإسلامي التي سبقت وأن هددت “إسرائيل” بوابل من الصواريخ في حال استشهد أحد معتقليها، تهدد بإمطار الكيان بالصواريخ برغم تدنيسه المتعمد والمتواصل لحرمة المسجد الأقصى، ما يؤكد أن السلطة الفلسطينية ومن كانوا إلى وقت قريب يروجون لأنفسهم بأنهم حركات مقاومة، قد انقلبوا على نهجهم وخياراتهم وتنكروا لمرجعيتهم الدينية، كما سبق وأوضحنا في مقالة سابقة.. لكن يبقى الخير والأمل في الشعب الفلسطيني الجبار، القادر على الانتفاض ضد كل النفايات السياسية الفلسطينية كما حدث في لبنان، لإعادة البوصلة إلى المشروع الفلسطيني المقاوم، بعيدا عن أوهام الثروة والسلطة وحسابات المصالح المحلية والإقليمية..
وبالمناسبة، وحدها الجبهة الشعبية الشريفة أثبت أصالتها حين انحازت لدمشق في معركة الوجود والمصير التي تدفع سورية اليوم ثمن دفاعها عن القضية الفلسطينية من دون الأعراب، وتحارب وجيوش الخوارج أدوات الوهابية والصهيونية، وحاربت مشروع تصفية اللاجئين في مخيم اليرموك بسورية حيث قدمت 400 شهيد على مذبح القضية..
وعودة لموضوع المقالة، ما يؤكد ما ذهبنا إليه بشأن من يسميهم الإعلام المصري بـ”خوارج العصر المعتدلين”، ها هم “إخوان” سورية يصدرون اليوم تهديدات شديدة اللهجة لموسكو، مبشرين الرئيس بوتين باستهداف رعايا بلاده ومصالحها في سورية والمنطقة، لأنهم يعتبرون دعم موسكو لدمشق في حربها ضد إرهاب “داعش” و دراعهم العسكري “جبهة لنصرة”، احتلالا سافرا لسورية ودعما لنظام “الأسد” الذي يسعون لإسقاطه كي يستلموا الحكم بدل عنه في أرض الشام بالوكالة عن السلطان أردوغان خديم الناتو الأوفى.
سوريـة ومصـر.. عـدو مشتـرك ومصيـر واحـد
مصر أدركت خطورة ما يحضر لها في الأفق، وتقاربها مع روسيا جعلها تدرك بشكل صحيح المخاطر التي ستتعرض لها في حال نجح مشروع أوباما لإسقاط الدولة في سورية والعراق، فبدأت القاهرة تخطو خطوات بطيئة على استحياء اتجاه سورية لأسباب موضوعية، وكأنها تمشي في حقل من المتفجرات..
فمن جهة، يدرك الرئيس ‘السيسي’ أن للتاريخ بصمته في العلاقة بين الشعب المصري والشعب السوري، وأن مصالح القاهرة ودمشق تتقاطع في الكثير من القضايا والملفات المحلية والإقليمية، لعل أبرزها، محاربة الإرهاب الوهابي والمؤامرات الصهيونية الذي تهدد البلدين بالزوال، والعداء التاريخي لجماعة “الإخوان المسلمين”، والموقف الغاضب من دور قطر التخريبي في مصر وسورية، وتطلعات تركيا للهيمنة العثمانية على العالم العربي من مدخل سورية لتنتقل بعدها إلى مصر بقوة..
وهذه هي أهم القواسم المشتركة من بين أخرى، التي تحاول من خلالها موسكو التقريب بين القاهرة ودمشق، لكن إكراهات السياسة لا تزال تكبل القاهرة، خوفا من “السعودية” و”إسرائيل” وأمريكا، وما يمكن أن يقوموا به لزعزعة الاستقرار في المحروسة في حال قرر ‘السيسي’ الذهاب بعيدا في تقاربه مع دمشق وإيران، وإن كان النظام المصري يختلف مع “السعودية” في طبيعة الخلاف مع طهران، وفي الموقف من سورية والحرب على اليمن، بحيث يعتبر النظام المصري أن أصل الخلاف مع إيران في المنطقة له طابع سياسي لا مذهبي، ويحاول الأزهر اليوم الدخول من بوابة التقريب بين المذاهب لتذويب الخلافات الدينية بين السنة و الشيعة ذرءا للفتنة بين المسلمين التي تعمل عليها “السعودية” و”إسرائيل” بتشجيع أمريكي.
هل ينجـح مخطـط أوبامـا لتقسيـم المنطقـة؟..
المشهد القادم وفق ما تؤكده المعطيات، وكما سبق وأن توقعنا في مقالة سابقة، سيستمر إلى ما بعد ولاية أوباما، لأننا أمام سيناريو لحرب استنزاف طويلة، لا يستطيع الرئيس الأمريكي حسم الأمور لصالحه قبل انتهاء ولايته بسبب التدخل القوي والمفاجئ للروسي بالتنسيق مع الإيراني في سورية والعراق..
وما يؤكد هذا السيناريو، هو رد الوزير لافروف على دعوة الوزير جون كيري لانضمام روسيا إلى التحالف الأمريكي ضد الإرهاب بقوله اليوم الأربعاء، إن “موسكو لا ترى فائدة في تحالف واشنطن ضد ‘داعش’، لأنه لم يحقق نتيجة تذكر بعد مرور عام على تأسيسه”.. ودعوة لافروف نظيره الأمريكي لإجراء مباحثات عسكرية بين البلدين لتجنب الصدام في سورية، فكان جواب الوزير الأمريكي، أن “الأزمة ستستمر وتتصاعد في سورية” انسجاما مع ما سبق وأن قاله الرئيس أوباما الأسبوع المنصرم، من أن “روسيا ستفشل في سورية”..
هذه مؤشرات قوية تدل على أن الوضع ذاهب نحو مزيد من التأزم والتوتر في العلاقة بين العملاقين، ما تفتح الباب واسعا للتساؤل حول إمكانية وقوع استفزازات من قبل طيران التحالف الأمريكي وما يمكن أن ينتج عنها من عواقب ومواجهات..
لنتابع، ونراقب، لأن المعطيات تشير إلى أن “لمنطقة على أبواب خريف عاصف”، تماما كما سبق وأن توقعنا في مقالة بنفس العنوان قبل أيام.
بانوراما الشرق الاوسط