السيمر / الاحد 28 . 02 . 2016
عدي حاتم
لاغرابة في التناقض بمواقف مقتدى الصدر فهو ديدنه منذ اليوم الاول لسقوط النظام السابق ، ولا جديد في محاولته تزعم حركة الإصلاح وركوبه موجة محاربة الفساد ، رغم انه أحد الأطراف الثلاثة التي كانت السبب الأكبر في تدمير العراق ونهب موازناته خلال العقد الماضي ، فهو وتياره يشكل مع الضلعين الاخرين وهما حزب الدعوة وزعيمه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي و حزب الحكيم العائلي “المجلس الاسلامي الاعلى ” مثلث الخراب والدمار الذي أوصل العراق إلى حافة التقسيم والضياع .
كما ان الصدر لم يأتي بجديد في دعوته “للإصلاح” وخروجه في مظاهرة ضد الفساد ، فجميع معممي السلطة واعضاء الحكومة والبرلمان يصرخون يوميا ، منددين بالفساد ويطالبون بملاحقة سارقي المال العام ، عبر قنواتهم الفضائية ووسائلهم الإعلامية التي انشأوها بمال الدولة المسروق . فالنفاق والتناقض أمست أبرز سمات ساسة العراق فهم في السلطة ويمثلون دور المعارض الناقم على فساد الحكومة ، في محاولة بائسة لخداع الرأي العام ، ولا يعلمون ان مثل هذه المحاولات تعكس تفاهتهم ومحدودية تفكيرهم .
الصدر يعرف أكثر من غيره ان ذاكرة العراقيين ليست مثقوبة لاسيما وان دماء ضحاياه مازالت حارة ، ودموع أهلهم وذويهم واحبتهم لم تجف بعد ، أما حديثه عن محاربة الفساد فتفضحها مواكب حمايته المرصوفة بعشرات السيارات الفارهة ذات الدفع الرباعي ، التي يكفي ثمن نصفها لإطعام كل جائعي مدينة الثورة (الصدر) التي يعتبرها معقلا له ، فيما لايجد أغلب سكانها ثمن الدواء وامكانية اطعام اطفالهم ثلاث وجبات في اليوم.
كما ان حجم ثروات الصدر الضخمة التي جمعها من نهب المال العام ، لم يعد خافيا على أحد ، فالصراع بين ساسة الصدفة ومعممي السلطة جعل كل طرف يكشف حجم سرقات الطرف الآخر ، ولعل ما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي من تهكم العراقيين وسخريتهم من الصدر وتظاهراته ضد الفساد لاسيما سؤالهم عن مصدر طائرتيه الخاصتين، كافيا في فضح جزءا من سرقاته . وفي محاولة للتملص من المسؤولية والإستخفاف بعقول الناس ،أعلن الصدر، براءته من “الفاسدين” ، زاعماً ان لا أحد يمثله في الحكومة والبرلمان ، هذا بالرغم من انه يمتلك 40 نائبا والعديد من الوزراء والمحافظين ومئات المناصب الحكومية الرفيعة الموزعة بين وكيل وزير وسفير وموظف في السلك الدبلوماسي ومدير عام وغيرها ، وجميعهم تحت امرته ومراقبته وهو يناصفهم حتى في مرتباتهم الشهرية ، كما انه من يحدد الصفقات والعقود لكل وزارة او مؤسسة يديرها أحد افراد تياره .
وكنوع من الأمعان في إحتقار الناس وعدم احترام ذكرى ضحاياهم والقفز على مشاعرهم ، اختار الصدر يوم 25 شباط موعداً لمظاهرته ، لإفشال اي محاولة لإحياء ذكرى الاحتجاجات الشعبية ضد الفساد ودعوتها لإصلاح النظام السياسي عام 2011 ، التي عاد مقتدى الى العراق بسببها بعد ان امضى نحو اربع سنوات في ايران .
وكانت صفقة عودته تقضي بإيقاف الملاحقة القضائية ضده مقابل إفشال الإحتجاجات ومنعها من تحقيق أهدافها ، وهو ما نفذه الصدر على أتم وجه ، امتثالا لفتوى رجل الدين الإيراني كاظم الحائري الذي حرم المظاهرات وتنفيذا لأوامر المرشد الإيراني علي خامنئي الذي كان يريد ان يحافظ على بقاء المالكي رئيسا للوزراء فضلا عن المحافظة على سلطة الاحزاب الدينية التابعة له وتصدرها للمشهد السياسي .
وبعد عودته في 23 شباط/ فبراير عام 2011 مارس مقتدى وعصاباته الإجرامية دورا قذرا بالتنسيق مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ومنظومته القمعية في ترهيب المتظاهرين وتهديدهم بفتاوى القتل والتكفير واعتقالهم وتعذيبهم والتنكيل بهم وبعوائلهم وفي حالات كثيرة شمل حتى معارفهم ، ما أدى الى وأد الحركة الإحتجاجية لاسيما بعد موجة الإغتيالات وعمليات الخطف التي طالت الناشطين والمتظاهرين.
لاتنطلي حيل مقتدى على أحد ، فحركته الاخيرة وظهوره في ساحة التحرير ببغداد ، لا هدف لها سوى استعراض عضلاته وإعادة إنتاج نفسه وتياره للمحافظة على نفوذه ومكتسباته في الحكومة ، وهي ليست أكثر من رسالة تحذير للخصوم والشركاء من أي محاولة للمساس بحصته من خلال التلويح لهم بانه مازال قادرا على إحتلال المدن واخضاعها لسيطرته كما فعل خلال الاعوام الممتدة من 2004-2008 ، لاسيما وان التسريبات الواردة من بغداد تؤكد ان الإصلاحات التي أعلن عنها رئيس الوزراء حيدر العبادي مؤخرا وعزمه تشكيل حكومة تكنوقراط هي في الحقيقة إملاءات وضغوط اميركية فرضتها واشنطن على بغداد وحذرت حتى الدول الإقليمية مثل إيران وغيرها من أي محاولة للتدخل بها أو افشالها .
وعلى ما يبدو فإن طهران والدولة الأخرى المجاورة للعراق رضخت للإرادة الاميركية بعدما لمست جديتها بالامر وأصرارها عليه ، لذلك فالصدر يعي مثل غيره من حيتان “العملية السياسية ” بان تشكيل اي حكومة خارج نظام المحاصصة الطائفية والعرقية سيفقده مناصبه وامتيازاته وحصته من موازنة البلاد ، كما يدرك تماما ان الأمور لاتقف عند هذا بل تتعداه لتشمل فتح ملفات فساد وجرائم الطبقة السياسية التي تزعمت المشهد العراقي بعد عام 2003 ، وبهذا فان الصدر مثله مثل جميع الساسة الاخرين ، يعرفون جيدا ان خسارتهم للسلطة والنفوذ تعني بداية طريقهم نحو السجون والمحاكمات ، فهم مثل جميع الطغاة والمستبدين اما في القصور أو في القبور .