السيمر / الخميس 17 . 03 . 2016
محمد ضياء عيسى العقابي
بإختصار شديد:
لقد ضاق أعداء الديمقراطية، البعيدون وفي المنطقة وفي الداخل العراقي من طغمويين* وبارزانيين، ضاقوا ذرعاَ بصمود الشعب العراقي بكل فسيفساءه، مدعوماً بحشده الشعبي المتنوع وقواته العسكرية والأمنية الباسلة – ضاقوا ذرعاً بهذا الصمود الرائع الذي أفشل مؤامراتهم الواحدة تلو الأخرى الهادفة الى إسقاط الدستور والنظام الديمقراطي والاستقلال الوطني والسيادة، وآخرها كانت مؤامرة خلق وتمكين داعش من محاولة إحتلال العراق وإحداث تغيير ديموغرافي فيه ينتزع الأرض والنفط من أهله وصولاً الى ضرب وتفتيت الدول العربية، ذات التوجه الوطني، داخلياً وتصفية القضية الفلسطينية وإفتعال حرب على إيران لإسقاط النظام المعادي للصهيونية ثم التوجه الى محاصرة روسيا والصين ودول البريكس بهدف السيطرة على مقدرات العالم لتصريف الأزمة الإقتصادية الأزلية الخانقة للنظام الرأسمالي الإمبريالي المتوحش الذي تقوده الولايات المتحدة؛ كما فشلت مؤامرة إستثمار وجود داعش في بعض مناطق العراق، من أجل تأجيج قتال شيعي – شيعي على مستوى الشارع وإضعاف الحكومة التي يترأسها الدكتور حيدر العبادي والمشكّلة حسب مقتضيات الشرعية الدستورية التي يقدسها الشعب العراقي ويعترف بها العالم، وذلك تمهيداً لإسقاطها، الحكومة، وإستكمال المؤامرة.
بعد هذا الصمود الرائع الذي تسبب في فشل المؤامرات، إلتجأ أعداء الديمقراطية الطغمويون ومَنْ ورائهم الى وسائل ناعمة خادعة مستغلين جزع الجماهير العريضة من إرهابهم ومحاصصتهم المفروضة بالإبتزاز والشراكة (التي سمموها) وإفسادهم وفسادهم وصاروا يدّعون أن الجماهير المتظاهرة غاضبة من الشرعية العراقية وتريد محاسبة “الفاسدين” وإسقاط الدستور والنظام “الفاسد” حسب مفاهيمهم وتشخيصاتهم هم. كل هذا غير صحيح ومجافٍ للحقيقة.
فلو كانوا صادقين في حرصهم على العراق وشعبه وإستقلاله وسيادته لكانوا حريصين على أمن البلاد أولاً وخلوها من الفساد والطائفية والمحاصصة، وغاصوا في أسباب ظهور الطائفية والأدق في أسباب إنفجارها بعد أن كانت مبرقعة منذ نشوء النظام الطغموي على يد بريطانيا الإمبريالية. الفساد لم يأتِ بالإرهاب بل الإرهاب، الناشئ بفعل أسباب سياسية دينية مذهبية متخلفة، هو الذي أتى بالفساد وإنتفع منه سياسياً ومالياً.
لماذا لم ينادوا بمحاسبة النواب الذين ضُبطت في مناطقهم العشرات بل المئات من مصانع التفخيخ المتطورة التي أودت بحياة مئات الآلاف من الشهداء وأصابت أكثر من نصف مليون مواطناً؟ ولماذا لم ينادوا بمحاسبة رئيس مجلس النواب السابق الذي إمتنع عن عرض طلب مجلس القضاء الأعلى على التصويت الروتيني لنزع الحصانة النيابية عن (17) نائباً متهماً بموجب المادة (4) إرهاب تمهيداً لإجراء التحقيق اللازم معهم؟ ولماذا لم يطالبوا الحكومة الأمريكية بالكشف عن مصير (14) مليار دولار مفقودة في أمريكا من أموال الدولة العراقية؟ ولماذا لم يطالبوا بمحاسبة أمريكا على إحتفاظها ب (32) مليار دولار منذ سنين ولم تسلّم العراق سوى أربع طائرات ف – 16 لحد الآن؟ ولماذا لم ينادوا بمحاسبة مسعود بارزاني وأياد علاوي اللذين إستلما نقداً ومن دون وصولات من الحاكم المدني (بول بريمر) مبلغ (1.5) مليار دولار للأول و (1.3) مليار دولار للثاني كما تم التنويه عن ذلك في مجلس النواب العراقي قبل أربع سنوات تقريباً بحضور الدكتور عبد الباسط تركي رئيس ديوان الرقابة المالية؟ من المسؤول عن سرقات وزير الدفاع الأسبق حازم الشعلان ووزير الكهرباء الأسبق أيهم السامرائي وكلاهما كانا وزيرين في حكومة أياد علاوي التي وصفتها صحيفة الغارديان البريطانية بكونها أصل الفساد في العراق؟ هل تلاعب صالح المطلك بأموال النازحين بإسم الدين؟ فلماذا، إذاً، شعار “بإسم الدين سرقونا الحرامية”!! وماذا عن إرهاب وفساد الطغمويين؟
أما بات واضحاً أن الإستهداف من قبل بعض المتظاهرين إنصبَّ على سياسيين معينين أُريد تسقيطهم لأنهم وقفوا مواقف وطنية شريفة ونظيفة وشجاعة حيال إخراج القوات الأمريكية وإستعادة الاستقلال والسيادة الوطنية وحافظوا على ثروات العراق النفطية وأَبعدوا خطر الطغمويين والبارزانيين والفاشلين على الديمقراطية الوليدة، وقاوموا الضغوط الأمريكية السعودية التركية القطرية لضرب الجيش والدولة السوريتين ثم إسقاط النظام الإيراني وصولاً الى ضرب المقاومتين الفلسطينية واللبنانية تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية وتفتيت الدول العربية.
هذا قليل من كثير ولا أريد الهبوط الى المستويات المتدنية كخميس الخنجر والخشلوك وتجار بيع وزارة الدفاع وبعض الوزارات الأخرى. ألم تأتٍ محاسبة بهاء الأعرجي متأخرة؟ ومن المسؤول عن توفير الغطاء له لحين كشفه الذي طال وهو يهاجم ويتهم الآخرين من باب “خير وسيلة للدفاع هو الهجوم” ومن باب خلط الأوراق؟
خلاصة، أشك بدوافع ونوايا بعض متزعمي التظاهرات والتهديدات، وأشك بقدرات البعض على إدراك التداعيات والعواقب السياسية التي قد تترتب على ما يعلن ذلك البعض عزمه على الإقدام عليه وأقول:
أولاً: إن أية محاولة، مقصودة أو غير مقصودة، لتأجيج إقتتال شيعي شيعي على مستوى الشارع وهو الأكثر إحتمالاً للحصول على أرض الواقع بسبب الجهود المستديمة الضخمة التي بذلها أعداء الديمقراطية من أجل تحقيقه،
ثانياً: إن أي عمل من شأنه تجاوز الدستور والأطر الدستورية خاصة إذا ترافق العمل مع إستخدام القوة بأي شكل من الأشكال، فهي أعمال تسبب الكوارث للشعب والوطن والأمة وخارجة على القانون؛ لذا فهي ترقى الى مستوى الخيانة الوطنية العظمى ولا تسقط بالتقادم.
فليكن مفهوماً أنه لا مستقبل لشعب وأمة وأوطان من دون ديمقراطية وأن الديمقراطية العراقية لا تستقيم إلا بالأخذ بمبدأ الأغلبية البرلمانية السياسية مهما كان لون أعضاء الحكومة قومياً ودينياً ومذهبياً فالدستور كفيل بضمان حقوق الجميع وصناديق الإقتراع كفيلة بإسقاط كل من لا يتعامل مع العراقيين تعاملاً وطنياً موحداً. ولنا ثقة بحس العدالة والوطنية الذي يمتلكه المواطن العراقي والذي يتحكم في حسن إختياره عبر صناديق الإقتراع. فلنأخذ بمبدأ الأغلبية السياسية دون تردد إذاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*):الطغموية والطغمويون
الطغمويون هم لملوم من جميع أطياف الشعب العراقي حكموا العراق منذ تأسيسه وفق صيغة تبادل المصالح مع القوى الإمبريالية وبالحديد والنار للإنتفاع الطبقي من ثرواته المادية والمعنوية بذرائع مختلفة منها إدعاء القومية. لقد مارسوا في العهد البعثي سياسة ممنهجة للتطهير العرقي والطائفي فاقترفوا جرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب؛ ولم يعد قادراً على إطاحة النظام سوى الله أو أمريكا. وأطاحت به أمريكا لأهدافها الخاصة ولكنها ساعدت على تأسيس النظام الديمقراطي ومن ثم أخرج العراقيون قواتها واستعاد العراق استقلاله وسيادته في 1/1/2012. غير أن الأمريكيين ركبوا حصان داعش الذي أوجده الطغمويون وحكام تركيا والسعودية وقطر بإيحاء من أمريكا نفسها، ودخلوا العراق من الشباك.
بعد سقوط نظامهم في عام 2003 أجج الطغمويون الطائفية بأعلى وتيرة، بعد أن كانت مبطنة منذ تأسيس الدولة العراقية، وذلك لشق صفوف الشعب والمحافظة على ولاء أعوانهم ودفعهم الى عرقلة بناء العراق الديمقراطي الجديد عبر الإرهاب والتخريب من داخل العملية السياسية إصطفافاً وتنفيذاً للمشروع الطائفي السعودي المطروح على نطاق المنطقة والعالم لدرء خطر الديمقراطية الزاحفة على النظام في المملكة وخاصة بعد أن كشفت إيران تآمرهم على القضية الفلسطينية حينما مدت، إيران، المقاومتين الفلسطينية واللبنانية بالسلاح بينما إقتصر الدعم السعودي على المال المسموم.
وقد انتفع الامريكيون من اثارة الطائفية في العراق بقدر كبير جداً وكفاءة عالية مستخدمين الطغمويين أنفسهم في هذا المجال كأدوات طيعة لإضعاف العراق الجديد؛ وربما كان الأمريكيون هم المحرضين على تأجيجها وذلك من أجل تنفيذ مشروعهم الحقيقي وهو الهيمنة على منابع البترول في العالم للي أذرع جميع الدول المؤثرة عالمياً للقبول بنتائج ما بعد الحرب الباردة التي جعلت الولايات المتحدة القطب الأعظم الأوحد في العالم، الأمر الذي لو إستمر لشهدت الشعوب الويلات والمصائب بأشد مما شهدت. أفشل العراق، على يد التحالف الوطني، مشروع أمريكا هذا الذي إصطدم مع المصالح الإمبريالية الأوربية أيضاًغل ولكن الإدارة الديمقراطية لأمريكا أعادت إحياءه بعد إصلاح التحالف التقليدي مع أوربا الذي خربه المحافظون الجدد.
فرض الطغمويون والأمريكيون، بالإبتزاز، المحاصصة ومفهوم الشراكة والتوافق المغشوشين، مقابل مجرد المشاركة في العملية السياسية أي العملية الديمقراطية المعترف بها عالمياً وهي الوسيلة الوحيدة القادرة على حماية مصالح الجميع وبالتالي تحقيق التعايش المشترك والسلم الأهلي. يصر الطغمويون، بعد أن خسروا هيمنتهم المطلقة على الحكم عبر صناديق الإقتراع، على استرداد سلطتهم بكل الطرق بضمنها التخريب ونشر الفساد عبر العملية السياسية والتستر والتعاون مع الإرهاب وذلك للحيلولة دون إستكمال بناء دولة المؤسسات الديمقراطية.
شكل الطغمويون والبرزانيون العنصريون تحالفاً غير رسمي مع الأمريكيين وتوابعهم في المنطقة حكام السعودية وتركيا وقطر كل لغايته؛ ولكن يجمعهم دفعُ العراق باتجاه الديمقراطية المشوهة والدولة الفاشلة لتنفيذ المشروع الامبريالي الصهيوني القاضي بتفتيت البلدان العربية من داخلها.
الطغمويون لا يمثلون أية طائفة أو مكون لكنهم يدعون تمثيلهم السنة لتشريف أنفسهم بهم والخروج من شرنقة الطغموية الخانقة الى ساحة الطائفة الأرحب. غير أن السنة براء منهم خاصة بعد توريط الجماهير فدفعوا بها الى حياة النزوح في المخيمات تحت رحمة البؤس والشقاء وتهديدات داعش.
للإطلاع على “مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي” بمفرداته: “النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه” و “الطائفية” و “الوطنية” راجع أحد الروابط التالية رجاءً: