السيمر / الجمعة 18 . 03 . 2016
رفعت سيّد أحمد/ مصر
عندما كانت حماس فى الانتفاضة الأولى عام 1987 والثانية عام 2000 تنطلق من الهمّ الفلسطيني وتقدم الشهداء والأسرى بالآلاف، كانت تمثل إضافة كبرى للقضية الفلسطينية، أما عندما تحولت إلى حركة إخوانية ذات أجندة إخوانية تبحث عن الحكم والتنظيم الدولي، أكثر من بحثها عن أجندة فلسطينية تحرُّرية، حتى فى ذروة لحظات الصدام الدامي مع العدو الصهيوني، خسرت الحركة وخسرت فلسطين الكثير جداً. وبالنسبة إلى خسارة القضية من الانقسام الفلسطيني فقد تجلت في نواح عديدة أبرزها زيادة معاناة الشعب الفلسطيني، على مستوى النضال الوطني وعلى مستوى الحياة وحرية التنقل والحركة، وفي المقابل كسبت «إسرائيل» الكثير الكثير وازدادت قوة على المستوى العسكري، وزاد الاستيطان حتى وصل عدد من زرعتهم «إسرائيل» في الضفة فقط في سنوات أوسلو وسنوات الانقسام الفلسطيني إلى ما يقارب 700 ألف مستوطن.
إنّ الانقسام الذى يفتّت الجسد الفلسطينى أسقط تماماً خيار المقاومة ورفع نسبة التنافس البائس على السلطة بين الفرقاء الفلسلطينين، خاصة بين «فتح» و»حماس».
«حماس» مثلها مثل «الإخوان» وأي جماعة تحمل فكراً متطرفاً، هي جماعة منغلقة على نفسها وتعتبر أنها أفضل من الآخرين وأنّ رأيها هو الأصوب، بغضّ النظر عن مدى صحته أو عدمها، فهذا النوع من الفكر المتطرف لا ينظر إلى أفكاره على أنها خاطئة، بل إنه ينظر إلى الآخرين نظرة فيها قدر من الدونية والاحتقار وعدم الثقة، طالما أنهم لا يتفقون معه في الرأي. وفى ضوء هذه الخصائص، نجد أنّ هذه الجماعات المتطرفة تسعى إلى تحقيق مصالحها بأي شكل كان حتى وإن كان ذلك على حساب تقسيم الوطن نفسه، وهذا ما حدث مع حركة «حماس» و»الإخوان المسلمين»، فحماس فضّلت، مع قيادات السلطة الفلسطينية التي جاءت بعد اتفاق «أوسلو» البائس الانقسام الفلسطينى بل إنها تصرّ عليه لأنها تحاول إفشال المفاوضات الفلسطينية ـ الفلسطينية لتحقيق نوع من الوئام الوطني بنفس الطريقة التى سعى بها الإخوان المسلمون إلى تقسيم مصر إلى فرق متناحرة وتفكيك أجهزة الدولة كالقضاء والإعلام والشرطة والجيش .
بعد اندلاع ما سمي، زيفاً، بثورات الربيع العربي ،ارتضت حماس أن تكون مجرد ورقة فى يد جماعة الإخوان المسلمين، فى إطار سعيها إلى ضمان الدعم الأميركي لحكمها فى مصر، ولم يكن غريباً استقبال الإخوان، عندما كانوا فى الحكم، عشرات من رجال السياسة والمخابرات الأمركيين وتعهدهم بالاعتراف بـ»كامب دايفيد» وبكبح جماح المقاومين فى فلسطين وحفاظهم على أمن «إسرائيل»، بل وإرسال محمد مرسى برسالته الشهيرة إلى الرئيس «الإسرائيلي»، الذي نعته «بالصديق»، للتهنئة وتجديد تعهده بالسلام مع الصهاينة الذين كان يلعنهم بالأمس القريب عندما كان خارج السلطة.
ازدادت علاقة حماس بالإخوان ترابطاً بعد ثورة كانون الثاني، وفي المقابل زاد الحديث عن هدنة طويلة بين الكيان الصيوني وحماس عبر وساطة إخوانية وقطرية، ولكنّ ثورة 30 حزيران أفشلت المخطط الذي كانت تعدّه كل من تركيا وقطر وواشنطن مع تل أبيب والإخوان وكانت غزة بشعبها العظيم الضحية الأولى.
ويوماً بعد يوم، تنكشف لنا أسرار جديدة عن خالد مشعل، وبعض القادة السياسيين لحماس من العاملين في الخارج بشكل أساسي، تكشف لنا كيف كانوا إخوانا أكثر مما كانوا فلسطينيين، وقبل أيام نشرت الصحافة «الإسرائيلية» مقالاً حمل عنوان «خالد مشعل منع عملية نوعية خطيرة ضدّ إسرائيل أثناء العدوان على غزة» التي سمتها إسرائيل الجرف الصامد . وبحسب معلومات مخابراتية مهمّة نشرها بعض الصحافيين أمثال جاكي حوجي، فإنّ خالد مشعل تدخل شخصياً لمنع هذه العملية التي كانت ستؤدي إلى أسر وقتل عشرات الجنود الصهاينة، والتوتر الذي طرأ عام 2014 بين القيادة السياسية في الخارج وبين الجناح العسكري ما زالت ترسم إلى يومنا هذا معالم موازين القوى في صفوف حركة حماس. ولم ينتهِ الأمر مع انتهاء الحرب، بل ما زالت مستمرة إلى اليوم، فالذراع العسكري وعلى رأسه الرجل ذو السبعة أرواح محمد الضيف، يتهمون القيادة السياسية بأنها قيدت أيديهم ومنعتهم من تحقيق إنجاز تاريخي كان من شأنه أن يُنهي معاناة أصحابهم من الأسرى المعتقلين في «إسرائيل» وإزالة الشعور بالذلّ الذي يرافق الجناح العسكري منذ سنوات طويلة إثر سلسلة من الهزائم العسكرية أمام «إسرائيل». لقد أنقذ مشعل «إسرائيل»… لماذا؟ لأنه ساعة فكر في تأجيل هذة العملية الفدائية كان إخوانياً ولم يكن فلسطينياً…
تعيش حركة حماس أزمة من الداخل والخارج، في الداخل تتمنى تأييد الشارع ومساعدة السلطة الفلسطينية التي تدير لها ظهرها وتتمنى زوالها، وفي الخارج تبحث عن حل، منذ اندلاع المؤامرة المسلحة على الدولة السورية والتي أسماها ولا يزال بعض إعلامنا للأسف يسميها «ثورة». طُلب من حماس أن تُبدي تأييدها تجاه أحد الأطراف المتخاصمة، فاختارت أن تدير ظهرها لدمشق التي قدمت لها الغطاء لسنوات طويلة ودعمتها بالسلاح والمال والسياسة بل وبإقامة كافة قياداتها المؤثرة فوق الأرض السورية وبحماية كاملة وقوية من نظامها الوطني الحاكم، نظام الرئيس بشار الأسد وولت وجهها وبأوامر من التنظيم الدولي للإخوان شطر خصومها، وعلى رأسهم إمارة قطر، وتركيا وواشنطن، وقد أكد بعض قيادات حماس في الخارج على طبيعته الإخوانية بسلوكه الانتهازي وبعدم الوفاء وردّ الجميل للدولة السورية التي احتضنت الحركة وقياداتها لأكثر من ثلاثين عاماً.
خلاصة الأمر، وبعد طول متابعة لفكر ونشاط حركة حماس، نجد أنها انقسمت إلى حماسين وأنّ هذا الانقسام سيزداد خلال المرحلة المقبلة، أولهما «حماس الخارج» بقيادة خالد مشعل والتى أعطت ولا تزال الأولوية لانتمائها الإخواني على حساب انتماءها لفلسطين، و»حماس الداخل» التي بحكم مرارة الواقع وقسوته أعطت لفلسطين الأولوية قبل الأخونة… بالتأكيد هذه لم ولن تكون قسمة نهائية وفاصلة حيث نجد بها تداخلاً، فبعض قيادات وأفراد الداخل يعلّون من انتماءهم الإخواني على حساب فلسطين، وبعض عناصر الخارج يقدمون فلسطين على الإخوان ومشروعهم الذى انهار وسقط.
إنّ هذا الانقسام هو الذي أودى بحماس ووضعها فى حالة تفكك وصراع داخلى شديد، وأدى بها إلى هذه الحالة الصعبة فى طريقة تعاطيها مع الواقع السياسى العربي والفلسطيني، وطالما هو مستمر فإنّ الكثير من المشكلات ستواجهها إلى أن يحسم الأمر وتتحول نهائياً إلى حركة مقاومة فلسطينية فقط ويسقط وبوضوح كامل وقاطع، مشروعها الإخواني الخارجي، خاصة شقه القائم على نهم الوصول إلى السلطة فى مصر مجدّداً وبأي ثمن حتى لو كان التعاون مع مخابرات تركيا وقطر ومن ثم «إسرائيل»، وهو مسار ثبت فشله وأثر سلباً عليها وسيظلّ، للأسف الشديد، مؤثراً…
البناء