السيمر / فيينا / الثلاثاء 28 . 07 . 2020
د. مصطفى يوسف اللداوي
لا مصادفات عسكرية أو أمنية اليوم في المنطقة، ولا أحداث عرضية أو نتيجة أخطاء أو أعطال فنية، وليست برامج معدة مسبقاً ولا مهام مخططٌ لها من قبل، بل هي رسائل سياسية بامتياز، وبرقيات بين الفرقاء عاجلة وواضحة لا لُبس فيها ولا غموض، تطلقها المقاومة بكل أطرافها على امتداد طيفها وطول قوسها، تعرف هدفها ولا تضل طريقها، ويتلقاها العدو بسرعةٍ ويفهمها، وإن أعياه فهمها وتحليل رموزها وتفكيك طلاسمها، فإنه يستعين بدول المنطقة والخبراء فيها ليفهم مرادها بدقة، ويحدد السبيل للرد عليها أو التعامل معها، وقد أصبحت لديه خبرة كبيرة في هذا النوع من الرسائل التي يغص بها صندوق بريده.
هي رسائل لا شك تقلق العدو وتزعجه، وتربكه وتسبب له اضطراباً وهوساً، وتفرض عليه اليقظة الدائمة والاستنفار المستمر، خوفاً من توالي الرسائل أو تتابع تداعياتها، خاصةً أنه يعلم أن المقاومة لا ترسل رسائل عبثاً، ولا تخطيء العنوان، ولا تفشل في بيان ما تريد وتحديد ما تقصد، وهو ما علمه العدو تماماً وأدركه، إذ بات جمهوره يدرك صدق المقاومة ووضوحها، تماماً كما يدرك كذب وتمويه وتضليل قيادته، ولعل سجل المقاومة حافل بالرسائل الأمنية والعسكرية التي تحمل توقيعه، والتي يعترف العدو ببعضها أحياناً، ويغض الطرف عنها أحيان أخرى، إلا أن غض الطرف لا يعني أبداً أن الرسائل لم تصله، بل تصله ويستلمها، ويكتوي بنارها، ولكنه يصمت عنها حفظاً لماء وجه الذي تهدره المقاومة.
الحقيقة الدامغة الواضحة التي نفهمها وندركها، أن المسيرة الإسرائيلية التي جابت عدواناً في سماء جنوب لبنان قد أسقطت بسلاح المقاومة، ولم تسقط نتيجة خطأٍ فني أو عطلٍ طارئ، إذ أنها سقطت في نفس المكان الذي سقطت فيه طائرة المقاومة، وسقطت في مكانٍ لا يقوى العدو على الوصول إليه لالتقاطها أو حتى تدميرها، وهو يعلم أن المقاومة قد وضعت يدها عليها، وهي قادرة على تفكيكها ومعرفة طبيعة مهمتها، والتقنية التي تعمل بها، والأسرار التي تحملها، والصور والمعلومات التي جمعتها.
ورغم أن الناطق الرسمي باسم جيش العدو، الذي يعلم يقيناً أن نيران المقاومة قد أسقطت طائرتهم المسيرة، قد أعلن أنه لا خوف على أسرارها، ولا يوجد فيها ما يخشاه الجيش من معلوماتٍ، إلا أن هذه التصريحات ليست إلا ذراً للرماد في العيون، ولا يمكنها أن تخفي حقيقة أن المقاومة ردت على إسقاط طائرتها المسيرة بإسقاط مثلها، وربما أحدث منها وأخطر، في نفس المكان وبذات الطريقة، ولعلها قد أسقطتها بتدخلٍ سيبرالي على برنامجها الداخلي، فعطلته أو وجهته للسقوط في مكانٍ حددته مسبقاً لها، ولعل تمام الطائرة وعدم تشظيها يعزز هذه الفرضية ويقويها.
وهذا حقٌ للمقاومة مقدسٌ، أن تسقط كل طائرةٍ معاديةٍ، تنتهك أجواء بلادها، وتقوم فيه بأعمالٍ تجسسية مريبةٍ، ولها في هذا المجال سوابق كثيرة، تثبت أنها للعدو دوماً بالمرصاد، تراقبه وتتابعه، وتتعقبه وترصده، وتباغته وتهاجمه، وتنال منه وتلقنه دروساً مؤلمةً لا ينساها، ولعله بات يعلم يقيناً أن لدى المقاومة الكثير مما قد تفاجئه في أرض المعركة، وخلال أي عدوانٍ على لبنان إن هو بادر إليه وغامر به.
نعم إنها رسائل واضحة وصريحة تطلقها المقاومة الإسلامية، أن أجواءناً ليست مستباحة، وأن بلادنا لم تعد ضعيفة، وأن أرضنا على العدو باتت حراماً، فلا يعتقدن يوماً أنه قادر على استباحة حرماتنا دون رد، أو الإغارة على أرضنا دون صد، أو التجسس على أسرارنا دون مقاومة، بل عليه أن يتوقع ردودنا، وأن يتنبأ بما سنقوم به، وقد باتت قدرات المقاومة التقنية والتكنولوجية كبيرة، وهي قدراتٌ تبزه وتنافسه، وتتغلب عليه وتنتصر، ولدى رجالها من الخبرة والكفاءة، والعلم والتجربة، ما يجعلهم يلقمون العدو دوماً حجارةً، يلجمون بها أفواههم، ويكسرون رباعيتهم، ويخرسون ألسنتهم، ويجبرونهم على التقوقع مكانهم، والانكفاء بعيداً، والاكتفاء بعد الصفعات وحسابها، إذ أنه عاجزٌ فعلاً عن ردها أو منعها.
*كاتب من فلسطين المحتلة
بيروت في 28/7/2020