الرئيسية / مقالات / لموقع (كتابات في الميزان) الاليكتروني؛المَرْجِعِيَّةُ الدّينِيَّةُ بَيْنَ شَأْنَيْنِ! / 10

لموقع (كتابات في الميزان) الاليكتروني؛المَرْجِعِيَّةُ الدّينِيَّةُ بَيْنَ شَأْنَيْنِ! / 10

السيمر / الثلاثاء 05 . 04 . 2016

نـزار حيدر

السّؤال الرّابع عشر؛ تحرص كلّ المرجعيّات الاساسيّة في النجف الأشرف وغيرها من حواضر العالم الاسلامي (الشّيعي) على ان تكون مواقفها وآرائها متناغمة وقريبة من مواقف المرجع الاعلى.

كيف تفسّرون ذلك؟.
الجواب؛ انّهُ دليلُ الحرص من قبل المرجعيّات الدّينية على تحقيق أعلى الانسجام ووحدة الموقف والرأي في القضايا التي تخصّ الشأن العلم، من أجل حمايةِ المجتمع من الانزلاق في المتاهات التي لا يُحمدُ عقباها، وهذا هو ديدنُها على مرّ التاريخ، فبمرورٍ سريعٍ على المراحل والمنعطفات التاريخيّة التي مرّت على شعبنا في العراق نلحظ هذا الحرص بأعلى درجاتهِ، ففي ثورة العشرين الاسلامية التحررية، مثلاً، رفض الميرزا الشّيخ محمد تقي الشّيرازي التصدّي للشأن العام مع وجود المرجع الاعلى آنئذ السيد محمد كاظم اليزدي المعروف بصاحب (العُروة) وعندما ارتحلَ الأخير الى بارئهِ تعالى انتقل الميرزا من مدينة سامرّاء التي كان يُقيم فيها منذ ان انتقل لها أستاذهُ الميرزا محمّد حسن الشيرازي قائد ثورة التنباك بُعيد وفاة أستاذهُ الشّيخ الأعظم مرتضى الانصاري، انتقل الميرزا الى مدينة الثّورة والاباء والكرامة مدينة الحسين السّبط الشهيد عليه السلام كربلاء المقدسة، ليقود الثورة منها.
وعندما تصدّى الميرزا الشيرازي للثّورة التفّ حولهُ اكثر من (٧٠) من كبار المراجع والفقهاء والمجتهدين في مختلف حواضر العالم الاسلامي، سواءً في العراق او في ايران او حتى في لبنان وبقية الحواضر الشيعيّة.
انّ المرجعية الدّينية تحرص أشدّ الحرص على تحقيق أَعلى درجات الوحدة في الرّؤية والموقف والرأي في كلّ ما يخصّ الشأن العام، واذا تبيّن لمرجعٍ او فَقِيهٍ من الفقهاء رأياً خلاف ما يراهُ المرجع الاعلى فعادة ما يلزم الصّمت من أَجل تحقيق الصّالح العام حرصاً على وحدة الموقف وعلى تماسك السّاحة، وهذا هو الفرق بين الشأن العام والشأن الخاص، الفردي، ففي الشأن العام فانّ ايّ خلافٍ او اختلافٍ مُعلن بين المرجعيّات قد ينتهي الى إِراقة الدّماء والتّصفيات الجسديّة بين أَنصار وأَتباع المراجع والفقهاء المختلفين كما حصل مثلاً في ايران فترة ما يُسمى بثورة المشروطة، فمان أحد ابرز هذا الصّراع المُعلن الشّهيد الشّيخ فضل الله النوري الذي أُعْدِم وقتها شنقاً، امّا في الشأن الخاص فمهما اختلفت المرجعيّات فان ذلك لا يترك أثراً سلبياً يُعتدّ به عادة، بل ان الامر يدخل في حيّز الاجتهاد الذي يعتمد الى درجةٍ كبيرةٍ على الاختلاف في المباني الفقهيّة لكلِّ فَقِيهٍ او مجتهدٍ او مرجعٍ من المراجع.
لهذا السّبب فان المرجعيّات تحرص اليوم على ان تجتمع كلمتها على رأي المرجع الاعلى في الشّأن العام لصيانة المجتمع من ايّ اختلافٍ يترك أثراً سلبياً كبيراً اذا ما حصل لا سمح الله، على اعتبار ان الاتباع يتعبّدون برأي المرجع ولا يتعاملون مع رؤيتهِ كما يتعاملون مع رأي السّياسي مثلاً او حتّى المفكّر والباحث والكاتب وما أشبه.
اتمنّى ان ينتبه مقلّدي واتباع كل المرجعيّات الى هذا الامر الذي يدلّ على حكمةٍ منقطعة النّظير تتمتع بها مرجعياتنا الدّينية، والحمد لله فهذه من نعم الله تعالى علينا، وانّ علينا جميعاً ان نتعبّد بهذه الحقيقة فلا يأخذ أحدنا الغرور بمرجعهِ او بعلميّتهِ ليتحوّل عِنْدَهُ الى صنمٍ يعبدهُ من دون الله تعالى، اذا بالمقلِّد يفهم من موقف المرجع او رأيهِ غير ما يقصدهُ فيتحّول الامر عِنْدَهُ الى سببٍ من أسباب الخلاف والاختلاف في السّاحةِ، وأداتهُ في ذلك عدم فهم او حتى سوء فهم لرأيٍ يقولهُ مرجعهُ.
للأسف الشّديد فإنّنا نلحظ هذه الحالة أحياناً عند بعض المقلّدين، وهذا شيءٌ خطيرٌ ينبغي ان لا نتورّط به، فالتغريد خارج السّرب يضرّ بالمقلِّد والمقلَّد، وفي الحديث الشّريف فانَّ الشّاردة للذئب!.
أَتمنّى ان نتعلّم جميعاً من مراجعنا الكبار وفقهائنا العظام هذه الخصلة، الحرص على الصّالح العام، والتي ان دلّت على شيء فانّما تدلّ على انّهم زاهدون أشد الزهد في الدّنيا وزخارفها، فهم أَبعدُ ما يكونون عن أَيّ صراعٍ دنيوي من أَجل النّفوذ او الدُّنيا ومكاسبها.
لا ينبغي ابداً ان يتحوّل الاختلاف في الرؤية أحياناً بين المرجعيّات الى صراعات مستديمة في المجتمع، ففي الشأن العام فانّ ايَّ اختلافٍ حادٍّ يترك آثاراً سلبيّة خطيرة.
ولا يتحقق ذلك الا عندما لا نتجاوز رؤية المرجعيّة، من دون ان يعني ذلك الطّاعة العمياء او عبادة الشّخصية، فحتّى المرجعية ذاتها لا تقبل بذلك، وانّما المطلوب هو الطّاعة الواعية والالتزام الرّسالي، شريطة ان يكون رأي المرجعيّة الخبيرة والحكيمة والعارفة بزمانها والعالمة بالأوضاع هو الاعلى، والا فبخلافِ ذلك أخشى ان نكون كما قالَ الامام أمير المؤمنين (ع) {أَطَاعُوا الشَّيْطَانَ فَسَلَكُوا مَسَالِكَهُ، وَوَرَدُوا مَنَاهِلَهُ، بِهِمْ سَارَتْ أَعْلامُهُ، وَقَامَ لِوَاؤُهُ، في فِتَنٍ دَاسَتْهُمْ بِأَخْفَافِهَا، وَوَطِئَتْهُمْ بأَظْلاَفِهَا، وَقَامَتْ عَلَى سَنَابِكِهَا، فَهُمْ فِيهَا تَائِهُونَ حَائِرونَ جَاهِلُونَ مَفْتُونُونَ، في خَيْرِ دَار، وَشَرِّ جِيرَان، نَوْمُهُمْ سُهُودٌ، وَكُحْلُهُمْ دُمُوعٌ، بأَرْض عَالِمُها مُلْجَمٌ، وَجَاهِلُها مُكْرَمٌ}.
انّ وحدة الانتماء العقَدي وحدها لا تكفي لتوحيد الرؤية اذا تشتّتت الاهواء والميول وتخندقَ كلُّ واحدٍ منّا خلف العصبيّات الحزبيّة والعشائريّة والاسريّة والمناطقيّة، وأكثر من هذا خلفَ عصبيّات التّقليد المرجعي.
كما انّها لا تكفي اذا لامس الانتماء الاقوال من دونِ الأفعال والادّعاءات والنّظريات من دون الواقع، فلقد رأينا كيف تعاملت (الأحزاب الدّينية الشيعيّة) تحديداً مع رؤية المرجع الاعلى عندما أعلن حربهُ الشّعواء على الفساد، فكّلهم اصدروا البيانات المؤيِّدة وعقدوا الاجتماعات والنّدوات المساندة، وكلهم أَظهروا حماساً منقطع النّظير لطاعة الخطاب المرجعي والمساهمة في الحربِ على الفساد، ولكن عندما جدَّ الجد اليوم (عادت حليمةُ الى عادتِها القديمة) كلٌّ يطالب باستحقاقاتهِ (الحزبيّة) تارةً و (النيابيّة) أُخرى وهكذا نَكَصَ الجميعُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ كالشّيطان، وصدق أَمير المؤمنين (ع) الذي قال {إِنَّكُمْ ـ وَاللهِ ـ لَكَثِيرٌ فِي الْبَاحَاتِ، قَليِلٌ تَحْتَ الرَّايَاتِ، وَإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ، وَيُقِيمُ أَوَدَكُمْ، وَلكِنِّي واللهِ لاَ أَرى إِصْلاَحَكُمْ بَإِفْسَادِ نَفْسِي.
أَضْرَعَ اللهُ خُدُودَكُمْ، وَأَتْعَسَ جُدُودَكُمْ! لاَ تَعْرِفُونَ الْحَقَّ كَمَعْرِفَتِكُمُ الْبَاطِلَ، وَلاَ تُبْطِلُونَ الْبَاطِلَ كَإِبطَالِكُمُ الْحَقَّ!}.
او كقولهِ عليه السلام {أَيُّهَا النَّاسُ، الُْمجْتَمِعَةُ أبْدَانُهُمْ، الُمخْتَلِفَةُ أهْوَاؤُهُمْ، كَلامُكُم يُوهِي الصُّمَّ الصِّلابَ، وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الاَْعْدَاءَ! تَقُولُونَ فِي الَمجَالِسِ: كَيْتَ وَكَيْتَ، فَإذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ: حِيدِي حَيَادِ! مَا عَزَّتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاكُمْ، وَلاَ اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ، أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ}.
وأقولُ بصراحةٍ، فبعد التّجربة المرّة التي عشناها مع السياسيّين والحزبيّين، لا ينبغي ان يتجاوز أَحدٌ رؤية المرجعيّة العليا التي اثبتت حكمةً وموقفاً وطنياً أكثر منهم جميعاً، بل دونهم جميعاً، والا فستشبهُ النّهاية النّتيجة التي وصفها أَمير المؤمنين (ع) بقوله {وَالنَّاسُ في فِتَن انْجَذَمَ فِيها حَبْلُ الدِّينِ، وَتَزَعْزَعَتْ سَوَارِي اليَقِينِ، وَاخْتَلَفَ النَّجْرُ، وَتَشَتَّتَ الاَْمْرُ، وَضَاقَ الْـمَخْرَجُ، وَعَمِيَ المَصْدَرُ، فَالهُدَى خَامِلٌ، واَلعَمَى شَامِلٌ. عُصِيَ الرَّحْمنُ، وَنُصِرَ الشَّيْطَانُ، وَخُذِلَ الاِْيمَانُ، فَانْهَارَتْ دَعَائِمُهُ، وَتَنكَّرَتْ مَعَالِمُهُ، وَدَرَسَتْ سُبُلُهُ، وَعَفَتْ شُرُكُهُ.
أَطَاعُوا الشَّيْطَانَ فَسَلَكُوا مَسَالِكَهُ، وَوَرَدُوا مَنَاهِلَهُ، بِهِمْ سَارَتْ أَعْلامُهُ، وَقَامَ لِوَاؤُهُ، في فِتَن دَاسَتْهُمْ بِأَخْفَافِهَا، وَوَطِئَتْهُمْ بأَظْلاَفِهَا، وَقَامَتْ عَلَى سَنَابِكِهَا، فَهُمْ فِيهَا تَائِهُونَ حَائِرونَ جَاهِلُونَ مَفْتُونُونَ}.

يتبع

اترك تعليقاً