أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالاتي / اعادة نشر مقال سابق .. التلاقح الفكري بين فكر البعث الفاشي والفكر السلفي

اعادة نشر مقال سابق .. التلاقح الفكري بين فكر البعث الفاشي والفكر السلفي

السيمر / فيينا / السبت 21 . 11 . 2020 

وداد عبد الزهرة فاخر *

تعميما للفائدة ، ولتنوير شبابنا من الجيل الجديد، وتعريفهم بالعديد من المفاهيم التي اختلطت ، او خلطها البعض عليهم ، محاولين تبييض صفحة الدكتاتورية ، وممارساتها الفاشية ، عندما يتحدث البعض وكانه يتحدث عن زمن سعيد حقا ، بتسمية زمن الفاشست العنصريين وحزبهم الفاشي حزب البعث ، بـ ” الزمن السعيد ” ….

********

المقال منشور بتاريخ
08.04.2014

تتمثل نظرية حزب البعث الفاشي في كون (حزب البعث حزب قومي علماني يدعو إلى الأنقلاب الشامل في المفاهيم والقيم العربية، لصهرها وتحويلها إلى التوجه الإشتراكي). لذلك لم يؤمن حزب البعث بالطريق الديمقراطي في استلام السلطة بل اتخذ النهج الانقلابي طريقا للوصول اليها مهما كلف الثمن . وقد رأيناه كمثل على هذا التوجه يقف بالضد من ثورة 14 تموز 1958 ونهجها الديمقراطي، في محاولة منه للقفز على السلطة بمختلف الطرق الارهابية، حتى سنحت له الفرصة في 8 شباط 1963، وقام بانقلابه الدموي المشهور، وسفك دماء آلاف العراقيين بمساعدة ثنائية مشتركة كان لإدارة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) الدور الرئيسي فيها، وبخبرات وسلاح مصر عبد الناصر آنذاك. وبعد فشلهم المريع وانقلاب عبد السلام محمد عارف عليهم لجرائمهم التي ازكمت الانوف، وأدت بحليفهم الرئيسي عبد السلام عارف أن يسمي (الحرس القومي) الذي كان اول من ارتدى بزته مزهوا به، بـ (الحرس اللاقومي)، لما اقترفه ذلك الحرس من جرائم لا يمكن لا عبد السلام عارف ولا لغيره التغطية عليها، عندما انقلب عليهم يوم 18 تشرين 1963 . وعادوا مرة اخرى لينقلبوا على أخيه ووريثه في السلطة عبد الرحمن عارف في 17 تموز 1968، للخطأ السابق نفسه الذي اقترفه الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم، بسبب عدم تصفية حزب البعث واجتثاثه من أرض الرافدين، وانهاء ذلك الفكر الشوفيني الفاشي الانقلابي.

واذا تمعنا جيدا في مبادئ حزب البعث نراها في كثير من المواقف تتشابه كلية مع الفكر السلفي وتلتقي معه في الكثير من الممارسات، ففي نظرية (الولاء والبراء) لأبن تيمية وهو المرجع الأول للفكر السلفي، نراه يرفض رفضا قاطعا كل ما هو غير سلفي من خلال (التفويض الآلهي أو الحق الآلهي في السلطة). وهو نفس فكر البعث الذي ينفي الآخر في المشاركة في السلطة بموجب مقولة (الحزب القائد) . فالخطاب الديني السلفي لا يعترف بالتعددية الدينية، او المذهبية، أو الفكرية . أي ثقافة كره وتطرف وتكفير للآخرين، والغاء الآخر كما البعث وإقصائه كلية من خلال الفتاوى والحجج الدينية المقتبسة من الكتاب والسنة بطريقة انتقائية، تتعارض والمبادئ الحقيقية للدين الحنيف . ومثلما فعل البعث في حشر مواد الاعدام في القانون العراقي بين مادة واخرى جرى استخدام التكفير للآخرين من قبل الفكر السلفي، والقول بـ (الردة) لتصفية الخصوم الدينيين، او السياسيين متخذين من الآية القرآنية (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) . وبذا تشابه الاثنان في الدعوة باحتكار السلطة ونفي الآخر، هذا بالحق – أي البعث – العروبي، وذاك بالحق الآلهي .

وقد صرح صدام حسين بذلك علانية وبين جمع من الناس في العام 1969 وفي ملعب الكشافة ببغداد، عندما قال مقولته الدموية (لقد جئنا للسلطة بالدم، ولن نخرج منها إلا بالدم)، وأصبحت مبادئ وموالاة البعث تقوم أساسا على العنف والجريمة المنظمة، وتأييد (القائد) مهما كانت أفعاله وجرائمه وأقواله . وهي نفس فكرة الجانب السلفي التي يؤكدها ابن تيمية التي تقول بأن (المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك وإعتدى عليك، والكافر تجب معاداته وإن اعطاك واحسن اليك) . وبمقارنة الفكرتين نرى تطابقهما من حيث المبدأ والفعل .

وقد ظهر التلاقح الفكري بين الجانبين في الحالة العراقية الراهنة قبل الحرب على النظام الدكتاتوري الفاشي الذي يقوده حزب البعث في العراق، وبعد سقوط النظام، حيث تقاطرت اسراب العناصر السلفية من كل حدب وصوب بإتجاه بغداد لنصرة الحاكم الظالم بحجة الدفاع عن الدين، وجرى تحالف بين مفاهيم البداوة التقليدية المتخلفة لرجال الحرس الخاص والحرس الجمهوري وفدائيي صدام، وبين العناصر السلفية التي هرعت لنجدة الحاكم (” المؤمن ” الذي تجب موالاته وان ظلمك) . واستمع (الجهاديين) بموجب شهادة معلم البقاع اللبناني الذي تسلل للعراق والمنشور في ” إيلاف ” نقلا عن جريدة الشرق الاوسط اللندنية لعراقي مسؤول عن مجموعتهم، وهو يصنف انواع (الجهاد) بثلاث طرق أفضلها وثالثهما كما يراه (المفتي) البعثي هو (قيادة سيارة مفخخة)، اما النتيجة فلم تكن في بال أي منهما بعد أن اشبعه مفكرو التيار السلفي بفتاواهم العديدة حول (الجهاد)، وتغذية افكار الشباب المحروم من مباهج الدنيا، او من يغلف عقله الجهل كالزرقاوي بصور وصفية مغرية له وهو بصحبة حوريات الجنة، وهو ما صرح به والد احد الموقوفين الكويتيين (ضاري الزهاميل) الذي لم يبلغ السابعة عشر من عمره نقلا عن ابنه بـ (انه ارتكب خطأ) لأنهم كما قال: (جعلوني أرى نفسي في الجنة مع الحوريات) . لذلك أسرع الشيخ سلمان العودة، وهو احد الموقعين على فتوى (جهاد العدو في العراق) ضمن جوقة آل (26) شيخا من الشيوخ السعوديين إلى الاستنجاد بالشرطة لارجاع ولده الذي ذهب منفذا وصية والده بـ (الجهاد في العراق)، فهو يعرف قواعد اللعبة تماما ولا يريد لفلذة كبده ان يقع ضحية لها .

وجاء التلاقح البعثي – السلفي كنتيجة حتمية لإقرار الفكر السلفي بشرعية الأنظمة الحاكمة أي كانت نظمها، ووجوب طاعة الحاكم وفق تفسير متعمد وخاطيء للآية القرآنية (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، لذلك أعتبر القتل العمد للاطفال والشيوخ والنساء والجنود والشرطة العراقية جهادا بموجب شريعة (المجاهدين) من اهل السلف، والخطف والسلب دفاعا عن العروبة و(الوطن) بموجب مبادئ رجال البعث الذين يمثلون الجانب العراقي من التحالف الغير مقدس بينهم وبين العناصر السلفية التي تسللت للعراق. وقد مثل الجزء البعثي من هذا التحالف معظم قادة افراد الحرس الجمهوري والحرس الخاص وفدائيي صدام، وكبار القادة البعثيين ممن كانوا من اول المنتفعين بوجود نظام صدام حسين الدكتاتوري الشمولي، وهي عشائر ذات تاريخ اسود في النهب والسلب، والتي يمتد نفوذها حتى الرطبة على الحدود الاردنية السورية، كذلك من العشائر التي تقيم على يسار الفرات وامتدادا لبادية الشام. وهو احياء لمفهوم جاهلي في القتل والنهب والسلب باسم الدفاع عن الدين والعروبة . لكن هذا العمل بالنسبة للسلفيين يفسر بموجب المنطق العقلي (حلم الماضي الذي يودون عودته، ورفض تام لكل ما للمستقبل من تطورات)، بينما هو للبعث (رفض تام للتوجه الديمقراطي وحلم العودة للنظام الدكتاتوري الشمولي القمعي) .

أي توافق الاثنين البعث ورجال السلف على رفض تام لكل عملية تغيير تمس البنى التحتية للأنظمة الشمولية، وعودة للماضي مصحوبة بفرض قسري على قبولها، بكل أشكال القهر والتخلف، ومهما كلف ذلك من انفس واموال، وحتى إبادة شعوب بأكملها اذا تطلب الامر ذلك .

 

* ناشط في مجال مكافحة الارهاب

اترك تعليقاً