السيمر / الاثنين 02 . 05 . 2016
وداد عبد الزهرة فاخر
المراهقة الدينية بين المخاوف الإيرانية والأحقاد البعثية
حرية الصحافة في العراق الجديد: هناك تمازج روحي وفلسفي بين الفكر الشوفيني القومي، وبين الفكر الإرهابي التكفيري. فقد كان الفكر التكفيري الديني على الدوام منحازا كلية للحكام الظلمة والشوفينيين. ولم يرد في العصر الحديث أن حركة تكفيرية وقفت بالضد من الشوفينيين الذين يقتلون الأبرياء، ويمارسون التمييز العنصري – وخاصة في الدول العربية – ضد القوميات التي تشاركهم أوطانهم، ولها نفس الحقوق فيها. فلم تحرك أية جهة تكفيرية إسلامية ساكنا أو ترفع صوتها ضد عمليات القتل على الهوية أو حملات الابادة البشرية كما حصل في حلبجة وعمليات الأنفال في كوردستان العراق، أو ما جرى من تصفيات وهضم لحقوق المواطنين الكورد في كوردستان إيران، أو ما حصل لأكراد سوريا. كذلك الحال من هضم لحقوق الأمازيغ في المغرب العربي أو ما يحصل في دارفور في السودان. لكن قوى التكفير ومنظماتها الإرهابية شدت الرحيل للدخول إلى العراق للوقوف مع النظام الدكتاتوري الفاشي العنصري بقيادة أعتا دكتاتور عرفه التاريخ ( صدام حسين )، عندما جد الجد وتحرك المجتمع الدولي للقضاء على النظام العفلقي. وبعد سقوط النظام الدكتاتوري جرى تحالف غير شريف بين قوى الظلام التكفيرية، وبين فلول وبقايا البعث الساقط، لتسيل على الساحة العراقية دماء الأبرياء من المواطنين العراقيين بحجة محاربة الإرهاب.
وتاريخ الإرهاب في العالم الإسلامي لم يبدأ في قندهار أو كابول، بل تمتد جذوره منذ معركة صفين حين أجبر من يسمون بالقراء، وأطلق عليهم بعد ذلك لقب الخوارج، اجبروا الإمام عليا على قبول التحكيم، حيث مارسوا الاغتيال السياسي كبديل عن الحوار الفلسفي الإسلامي الذي كان وليدا آنذاك.
ومثلهم فلسف الحسن بن الصباح مؤسس ( حركة الحشاشين ) في العام 1070 م بعد أن استولى على ( قلعة آلاموت )، أو( قلعة الموت )، وسماها ( عش النسر ) – انظر التسمية التي تكررت مع هتلر في العصر الحديث – حيث تقع في جبال مازندران على بحر الخزر في إيران.، الاغتيال بأنه عملية آلاهية يثاب منفذها بالدخول إلى الجنة تحيطه الحور العين. وقد استفاد من تأثير الحشيش على مريديه وسخرهم عن طريق التخدير لقتل الملوك والأمراء والقادة بالخنجر المسموم، وهكذا سار خليفته الذي هرب من إيران واستولى على ( قلعة مصياف ) في سوريا ( سنان راشد الدين ) وقاد الحشاشين بعد أن أسس شبكة واسعة من الجواسيس والمخبرين لرصد كل حركة من حركات أتباعه.
لذلك فلا غرابة أن يخرج علينا في التأريخ الحديث من يكفروا المسلمين، ويؤسسوا لدورة عنف جديدة ووفق نفس المفاهيم والأطر الظلامية، وبنفس الإغراءات القديمة الجديدة، بالسعي لدخول الجنة عند تنفيذ أية عملية إجرامية،، ويفضل أن يكون التعجيل بالتنفيذ للحاق بالنبي الكريم في الجنة الذي ينتظر المنفذ ليتناول غداءه معه. ورغم تنوع وتعدد هذه المجموعات الظلامية وتسميها بأسماء مختلفة فهي لا تخرج عن نفس الإطار الأول الذي أطرها به الخوارج أو الحشاشين. فأسماء مثل ( التكفير والهجرة ) و ( القاعدة ) و ( الجهاد والتوحيد ) و ( جند محمد ) و ( جند الإسلام ) و ( أنصار الإسلام ) ثم حليفهم الأخير ( التيار الصدري ) كلها مسميات لمعنى واحد هو الإرهاب المنظم الذي يسيء للعرب والإسلام ويفتح أبواب الموت على الناس الآمنين بحجة ( الجهاد ) و ( طرد المحتل ). فإذا تمعنا بما فعله ويفعله صبيان ( التيار الصدري ) من تعطيل للحياة العامة في بعض المدن العراقية، وترويع الآمنين، وقتل المواطنين، واحتلال المرقد والصحن الشريف لأمير المتقين علي نرى أنهم لم يحصدوا سوى الخيبة والحقد المستتر عليهم في نفوس العراقيين الخائفين من بطشهم رغم قلة عددهم، فهم لا يرتدعون عن إطلاق الرصاص على أي كان، كونهم منحدرين من أوطأ السلم الاجتماعي للمجتمع العراقي، فجميعهم يشكلون ( حثالة البروليتاريا ) التي تحدثنا عنها في القسم الثاني من المقالة، جمعتهم الأموال الإيرانية التي وصلت بواسطة شخصين من مكتب مرشد الثورة الإيرانية ( السيد علي الخامنه ئي ) لأحد البنوك في العاصمة النمساوية فيينا، وحملها شخصين من قبل ( مقتدى الصدر ) للعراق.
أما ما يردده العراقيون في الداخل، فهو الحديث عن شحنات السلاح الإيراني التي تبعث على شكل جنائز للنجف الأشرف، أو مخبأة تحت السلع والخضار القادمة من إيران. وحتى تكتمل الصورة الحقيقية للتدخل الإيراني الناتج عن تخوف معلن لما يحدث عند الجار اللصيق، راح كل سدنة النظام الثيوقراطي الإيراني يواصلون التحريض العلني على العصيان والتخريب المتعمد للمنشآت النفطية والخدمية بحجة إخراج المحتل، بدءا ً من المرشد الأعلى مرورا بآية الله جنتي – رئيس مخابرات آيات الله
والمسؤول الأول عن كافة صنوف المخابرات في إيران – حتى اصغر جنرال مزور في الجيش أو حرس الثورة. وبمقارنة ما حدث ويحدث بين زمنين، وأقصد هنا زمن الحرب الظالمة من قبل النظام الدكتاتوري على إيران، وما يحدث الآن، نلاحظ علائم الغضب والاستياء على وجوه كل العراقيين عما تفعله إيران وصبيها النزق مقتدى الصدر بالتعاون والتنسيق بين العناصر الإرهابية القادمة من الفلوجة وأنحاء أخرى مما يطلق عليه ب ( المثلث السني )، فجموع الشارع الشيعي وقفت بصورة علنية أو سرية بموجب التقيه ضد الحرب الظالمة على إيران، وحارب عراقيون إلى جانب القوات الإيرانية طوال ثمان سنوات استغرقتها الحرب المشئومة، ونشأ كنتيجة للحرب تنظيم إسلامي شيعي هو ( المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق )، الذي أسس لتنظيم عسكري سمي ب ( فيلق بدر )، لكن أي من أولئك العراقيين ممن وقف وتعاطف مع إيران يقف اليوم ضد كل الممارسات الإيرانية، ووصل الحد بالشيعة الذين يقدسون سلالة آل البيت أن توجه الشتائم على لسان شيعة مؤمنين للصدر ومن والاه، وتلعن إيران على كل لسان.
ويقف ( مقتدى الصدر ) لوحده بعمامة سوداء وسط جمع من المراهقين من لابسي العمائم البيضاء، وبالرجوع للفقه الشيعي، نرى بأن من شروط من يؤم المصلين توفر مسألة العدالة في الإمام، ومعنى العدالة في الإمام هو ( عدم ارتكاب الكبائر وعدم الإصرار على فعل الصغائر، أي الاستقامة العملية على جادة الشريعة )، وما يتناقل في الشارع العراقي ينقض مبدأ العدالة لمراهقين وضعوا على رؤوسهم عمائم بيضاء، بينما يملأ الوشم أيديهم بعبارات لا تليق برجال دين مثل ( ياظالمني ) و ( أنت الحب ) وغيرها من عبارات الابتذال مما يحفظه المراهقون في أول سني مراهقتهم.
ومبدأ الاعتراض على جمهرة المراهقة الدينية، ما يفرضه الفقه الشيعي من شروط في الفقيه العالم، والذي يتدرج في الأعلمية حتى يتم الاختيار للأعلم فالأعلم، مع توفر مبدأ الملتزم العاقل.
لكن هل لشاب يشك في سلامة قواه العقلية، ويجهل بجدارة كيفية استعمال اللغة العربية، ويتخبط في الرأي، أن يخترع بدعة ( جيش المهدي ) على غرار ( جيش القدس ) المقبور؟، يقينا ( إن وراء الاكمة ما وراءها ) كما يقال. فأتباع ( مقتدى الصدر ) من الجهلة والأميين وبقابا الحرس الجمهوري، وفدائيي صدام والمجندين من قبل ( هيئة علماء المسلمين ) التي تتخذ من ( جامع أم المعارك ) مقرا لها، لا يفقهون شيئا في الفقه الإسلامي فكيف بالفقه الشيعي الذي يضع الشروط العديدة حتى في من يؤم المصلين. فهو يصر رغم المثل العراقي الذي يقول ( أعوذ بالله من قولة أنا )، باستعمال ضمير المتكلم ( أنا )، ويتجنب العاقل الراشد استعماله لأن الباري عزوجل هو القائل ( إني أنا الله ربكم )، كذلك من باب التواضع وتجنب التكبر على الآخرين. لذا فأن مخطط فكرة جيش المهدي كما يعزوها عقلاء العراقيين هو لجهة أخرى خططت ومولت، وكان ( مقتدى الصدر ) هو المتلقي للفكرة في البداية والمستحسن لها، ومن ثم المتورط والذي لا يعرف كيفية التخلص منها، وسط جمع من القتلة والمجرمين ومخابرات دول، وضعته وسط معمعة لا قبل لعقليته المحدودة بكيفية الخروج منها.
ويؤكد فكرة التدخل المباشر الخارجي، حرق آبار وخطوط النفط العراقية، والتحصن في المرقد الشريف لأمير المؤمنين علي، وقتل النفس التي حرم الله في وسط المرقد الذي هو مسجد من مساجد المسلمين. وتعكير صفو الأمن من خلال خروج عصابات صغيرة لشارع أية مدينة بقذائف ( الآر بي جي )، وهذا التصرف الصبياني الأهوج لوحده يكون كافيا لكي يغلق الجميع أبواب المحال التجارية، ويترك المجال واسعا للصوص وقطاع الطرق والخاطفين للعمل بحرية، ودون أدنى خوف من احد.
فالنجف كانت محتلة من قبل أفراد عصابته، وكربلاء خالية من الزوار تترقب بحذر وقوع معارك مع عصابات الصدر في أية لحظة، والمرقد الكاظمي مغلق أمام الزائرين لخوف المسئولين عنه من احتلاله من قبل رجل مقتدى في الكاظمية ( الشيخ حازم الأعرجي )، مما أدى لتوقف الحركة التجارية في الكاظمية، وارتسام الوجوم على وجوه
الكسبة والكادحين فيها ممن يعيش أساسا على قوت يومه. والطريق بين المراقد الشريفة في النجف وكربلاء وبغداد مقطوعة أو غير آمنة، خاصة في منطقة الإسكندرية واللطيفية، حيث تتمترس عصابات مقتدى الصدر والزرقاوي وقطاع الطرق من( السلابه ) والخاطفين. بينما تتحرك العناصر المجرمة من بقايا البعث في (شارع حيفا في بغداد )، و (الرحمانية ) وأجزاء أخرى من منطقة الكرخ، بالتزامن والتوافق مع تحركات ( جيش المهدي ).، لكي يظل الشارع السياسي العراقي أسيرا لقطاع الطرق والعصابات ومدع الإسلام من مجرمي القاعدة المدعومة أصلا من قبل ( هيئة علماء المسلمين )، وألا فليفسر لي أي ذي عقل كيفية اتصال ( الشيخ أحمد عبد الغفور السامرائي ) يالخاطفين ووسيلة الاتصال بهم إذا كان يجهل شخصياتهم؟.
أسئلة كثيرة وعديدة تتجمع في رأس المواطن العراقي العادي الذي يقع الآن فريسة سهلة بين فكي قطاع الطرق والقتلة ومدع الإسلام من مختلف الأنواع والأصناف، بينما الراعي الأمريكي لعملية التغيير يراقب بحماس الارتفاع الجنوني لأسعار النفط، وهو يبتسم براحة تامة.
فيينا / النمسا
ايلاف
الأحد 29 أغسطس 2004